
· الجهود الذاتية لـ "ناصر بلوشي" و"مبارك المزعل" وراء تقديم المشروع الثقافي الشبابي
· الورش المسرحية لها متطلباتها العلمية·· وما يحدث شيء مختلف
في إطار أجواء احتفالية شبابية اتسمت بالتلقائية والشعبية والبساطة وتقلصت فيها الجوانب الرسمية، والبروتوكولية الى الحدود الدنيا وربما أقل من ذلك بكثير·· اختتمت في الكويت مؤخراً في العشرين من شهر سبتمبر 2006 ورشة "إعداد الممثل والارتجال الأولى" التي احتضنها مسرح الشباب بالهيئة العامة للشباب والرياضة صيف هذا العام تحت شعار "فنان المستقبل"·
ومع الشعار المطروح "فنان المستقبل" ومع مفهوم الورشة المسرحية ومع طبيعة الدور الطلائعي المنوط ثقافيا وفنيا واجتماعيا وتعليميا بفرقة مسرح الشباب بالهيئة العامة للشباب والرياضة للارتقاء بالوعي الشبابي يتطلب الأمر أن تكون لنا وقفات ووقفات بغرض مراجعة جوانب كثيرة من المفاهيم المطروحة وتصحيح بعض المسارات في مجال العمل الثقافي الشبابي·· وهي وقفات تفرضها علينا مسؤولياتنا الثقافية جميعا على اختلاف مواقفنا وعلى اختلاف الواجبات المناطة بنا جميعا من غير استثناء·
صفقة رابحة
في يقيني أن هذه الورشة وإن تباينت وجهات نظرنا في تقييمنا الفني، والمعرفي والإداري والتنظيمي لها·· كانت أشبه ما يكون بطوق النجاة الذي أنقذ فرقة مسرح الشباب هذا العام من "السكتة القلبية" التي فرضت عليه رغما عنه أو التي أصابته نتيجة تجميد أو إيقاف غالبية أنشطته المسرحية والثقافية المعتادة، وفي مقدمة ذلك مهرجان أيام الشباب للمسرح وكذلك العرض المسرحي الغنائي الذي يقدم سنويا في إطار احتفالات الكويت بعيديها الوطني والتحرير·
لأن كل شيء قد صمت بالفعل من غير مقدمات أو مبررات في الجسد المسرحي، الشبابي، قام المخرج الشاب ناصر البلوشي "مشكوراً" وبجهود ذاتية تطوعية من عنده بتجميع عدد من الشبيبة الهواة الذين يرغبون بتعليم فنون التمثيل، والوقوف على خشبة المسرح، هادفا من وراء ذلك إقامة ورشة فنية تقدم فيها مبادئ فنون التمثيل بحيث تكون محدودة الطابع تختلف في نظمها وأسلوبها عن غالبية الورشات الفنية السائدة في الكويت أو التي عقدت في ما مضى·· غير أنه "البلوشي" تفاجأ بأعداد كبيرة من الشبيبة الهواة ينضمون الى هذه الورشة التي كان يخطط لتنظيمها على نفقته الخاصة من غير ترتيب أو توضيب مهني أو أكاديمي·
مع تزايد أعداد الشبيبة المتقدمين للورشة، وتواضع الإمكانات العادية والمعنوية المتوافرة تحت يده لم يجد بداً من اللجوء الى فرقة مسرح الشباب لرعاية هذه الورشة واحتواء عناصرها وتقديم الدعم المناسب له·· طالما أن طروحاته الفنية وأهدافه العامة تنسجم في الأصل مع طروحات وفلسفة فرقة مسرح الشباب وكان له ما توقع ورغب، فالصفقة العادلة الرابحة حققت رغبات الطرفين، ففرقة مسرح الشباب كانت تحتاج الى أي نشاط فني يحمل توقيعها لهذا الموسم، حتى لا يسجل عليها أنها مرت بموسم الجفاف وناصر البلوشي كان يحتاج الى دعم مباشر لضيق ذات اليد·
أسند البلوشي الإدارة الفنية للورشة الى المخرج الشاب مبارك المزعل، وتقاسمها معه في تدريب الشبيبة الهواة في إخراج المسرحيات المقدمة أما المحاضرات الثقافية المسرحية النظرية فقد تم إسنادها الى عدد من الأكاديميين والمحاضرين في حقل فنون وعلوم المسرح وللأسف اعتذر غالبية المرشحين لأسباب غير مفهومة في ما وافق على تقديم المحاضرات كاتب هذا المقال الدكتور نادر القنة، حيث كان لي شرف التواصل واللقاء مع الشباب فكان من نصيبي أن أقدم لهم محاضرات في فنون الكتابة المسرحية وأخرى في مفاهيم ومبادئ النقد المسرحي بواقع محاضرتين لكل مادة، كما ساهم الزميل عبد المحسن الشمري رئيس القسم الفني في جريدة "القبس" بإلقاء محاضرة حول نشأة وتطور الحركة المسرحية في الكويت، حيث توقف عند أهم رموز هذه الحركة مبينا دورهم في إثراء واقع هذه الحركة حتى وصلت الى ما وصلت اليه من تقدم على المستويين: الإقليمي والقومي، وفي هذا السياق أيضا لا يمكن أن نغفل الدور الإيجابي والمهم الذي قام به المخرج محمد خالد في مساندة الجهاز الإشرافي وتقديم النصح والإرشاد أثناء التدريبات الى المنتسبين·
مطبات فنية
استناداً الي ما سبق كان يبدو واضحاً أن فرقة مسرح الشباب اكتفت بدورها الرعوي فقط، من غير أن تغامر في مسألة الإنفاق العادي أو الإشراف التنظيمي أو التدخل في برنامج الورشة حيث بقيت كل الأمور بيد أصحاب الفكرة، وهو الأمر الذي أوقع الورشة ذاتها فريسة لبعض المطبات الفنية نذكر منها على سبيل المثال:
1- عدم وضوح هوية الغرض الأساسي لقيام الورشة·
2- عدم وجود جدول أو برنامج علمي تفصيلي وتوصيفي لهذه الورشة·
3- افتقار الورشة الى العناصر التدريبية المؤهلة أكاديميا للمساندة بتقديم أفكار تنويعية جديدة بجانب جهود البلوشي ومزعل وخالد·
4- اعتذار عدد كبير من المحاضرين في أعمال الورشة·· وانعكاس ذلك على مستوى إثراء الثقافة المسرحية للمتدربين·
5- لم تحظ الورشة بالدعم المادي المطلوب الذي يؤهلها لتحقيق غاياتها·
6- وقعت الورشة في مطب تدريب الهواة المنتسبين على فن الارتجال وليس خافيا على أحد أن تدريب الشبيبة الهواة على فن الارتجال لم يكن في مكانه أو زمانه الصحيحين فمثل هذا النوع من التدريبات يحتاج الى خبرات عالية وكذلك الى خبرات معمقة من قبل المتدربين والى توافر ثقافة مسرحية متقدمة لاستيعاب ماهية الارتجال وعناصره ومتطلباته كما يحتاج الى جهوزية فنية لا يستهان بها وستكون لنا وقفة خاصة حيال هذا الموضوع في كتابة مستقلة حتى نعطيه حقه كاملاً·
7- غياب الجهاز الفني الاستشاري المتخصص أوقع الكثير من الضرر على فعاليات هذه الورشة وهذا ما لمسناه بشكل ملفت في العروض المسرحية·
8- وقوع العبء الأكبر من إقامة هذه الورشة على كاهل ناصر البلوشي ومبارك مزعل، فتحملا بدورهما تبعات كل كبيرة وصغيرة في أعمالها بدءا من المسألة التنظيمية ومروراً بالإشراف والتدريب وتسيير أعمال الورشة، انتهاء بإخراج العروض المسرحية وإقامة حفل الختام، وهو جهد كبير جداً يحتاج الى فريق عمل لتحمل تبعاته وإنجازه بشكل ناجح·
نتائج·· وخبرات
لا شك أن النتيجة التي انتهت إليها الورشة في إطار الجهود الذاتية المبذولة يمكن وصفها بأنها: مقبولة ومرضية الي حد ما·· غير أنه كان بوسعنا جميعا الحصول على نتائج أفضل من ذلك بكثير في ما لو ساهمت فرقة مسرح الشباب بتقديم معونتها العادية والخبروية التي تمتلكها وتتمتع بها الى أصحاب هذه الورشة خاصة أن قيادات فرقة مسرح الشباب قد اكتسبوا المزيد من الخبرات الجيدة في تنظيم وإقامة الورش المسرحية والمهرجانات الفنية ولعل ثقتنا الكبيرة في الأخ والصديق عبدالله عبد الرسول مدير إدارة الهيئات الشبابية بالهيئة العامة للشباب والرياضة تسمح لنا أن نوجه لقطاع مسرح الشباب مثل هذا العتاب بشفافية عالية، لأن غايتنا في ذلك الارتقاء بالعمل الثقافي المسرحي الشبابي في الكويت، وكما جاء على لسان أحد الممثلين في الليلة الارتجالية الأولى أن عبدالله عبد الرسول يتبع مع الشبيبة سياسة الباب المفتوح·
كان على فرقة مسرح الشباب تقديم كل الدعم لهذه الطاقات الشبابية العاشقة لفن التمثيل إذا كانت ظروفها أو إمكاناتها تسمحان بذلك أو كان عليها الاعتذار عن عدم تبني مثل هذه الورشة لأننا جميعا نرفض أن نجني فرقة مسرح الشباب بعد تجربتها الثرية النتائج المتواضعة التي لم تعد تنسجم مع تاريخها الفني والثقافي الآخذ بالتطور·· ففي يقيني أن المسألة بحاجة الى إعادة مراجعة والى تدقيق في كثير من القضايا الفنية والشكلية من جانب قيادات فرقة مسرح الشباب بالدرجة الأولى ومن المخرجين الشابين ناصر البلوشي ومبارك المزعل إذا وضعا في اعتبارهما إعادة تنظيم هذه الورشة مرة ثانية في مواسم أخرى وإذا وضعا في اعتبارهما أيضا الرغبة بإعادة تقديم العروض المسرحية في مناسبات قادمة·
نحو الأفضل
نشير الى أن شعار فنان المستقبل الذي أقيمت تحت يافطته هذه الورشة كان يحتاج الى الكثير من الجهوزية والاستعدادات والتخطيطات والمراقبة الصارمة أثناء إجراء التطبيقات حتى يبدو لنا على أرض الواقع شعاراً واقعياً خاليا من سيريالية الأحلام·
وهنا لسنا بحاجة الى التذكير بأن مثل هذا الشعار هو أحد القيم الفلسفية التي تطرحها وتقوم عليها الهيئة العامة للشباب والرياضة وهو على وجه الدقة الدور المنوط بقطاع الشباب لتحقيقه فعليا في الحراك الثقافي والفني في البلاد أما الآن يبقى هكذا شعاراً إنسانيا مجرداً فهذا لا يدعم تجربة العمل الثقافي الشبابي، ولا يساهم بأي شكل من الأشكال بتطوير الممارسة المسرحية الشبابية التي تنفع المستقبل حيال نظرها في كل ما تقدمه من برامج ومشاريع فنية وثقافية·
بقي أن نقول: رغم ملحوظاتنا هذه فإن أحدا لن يقلل من شأن الجهد الذي بذله ناصر البلوشي ومبارك المزعل ومحمد خالد في إقامة مشروعهم الفني الشبابي هذا غير أننا نريد لهم الأفضل ونريد لهم أن يؤسسوا ورشتهم المسرحية على أسس علمية واضحة حتى يمكننا جني هذه الجهود بما يعود بالفائدة على الحركة المسرحية في الكويت، فالذي يبقى صامتا والذي يتطوع بالوقوف بجانب الشباب ومساندتهم خير ألف مرة من الذي يتشدق بالشعارات ولا يحرك ساكناً·
الورشة قدمت في ليالي الخيام العروض التالية: "مطلوب إرهابي" فكرة عبد العزيز الدويك، وتأليف جماعي من إخراج ناصر البلوشي "رحلة حنظلة" من تأليف سعد الله ونوس وإخراج مبارك المزعل "المشنقة" من تأليف محمد أشكناني إخراج ناصر البلوشي، ولنا وقفة مع هذه العروض في كتابة أخرى بإذن الله·
