· السكاكين الطويلة بانتظار أولمرت وبيريتس وحالوتس
· بوش يشعر بالإحباط لفشل الجيش الإسرائيلي في "تسليم البضاعة"
· أهداف الحرب: استعادة قوة الجيش على الردع وتدمير "حزب الله" وإضعاف إيران وتغيير نظام الأسد
· المجتمع الإسرائيلي أصيب بداء الغطرسة التي تركزت في الجيش ووصلت ذروتها عند سلاح الجو
· لا يمكن لأقوى جيش في العالم الانتصار في حرب لا أهداف واضحة لها
· اعتقاد إسرائيل بإمكانية فرض سيطرة على الحدود اللبنانية - السورية مجرد وهم
بقلم: يوري افنيري
في اليوم التالي لتوقف هذه الحرب، سترتفع السكاكين الطويلة، فالكل سينحي باللائمة على الآخرين، السياسيون سيلومون بعضهم البعض والجنرالات سيلومون بعضهم، والسياسيون سيلومون الجنرالات، والأهم من ذلك، أن الجنرالات سيلومون السياسيين·
ففي كل بلد، وبعد كل حرب حين يفشل الجنرالات تُطل أسطورة "السكاكين في الظهر" برأسها، وكأن السياسيين أوقفوهم بعد أن كانوا على وشك تحقيق نصر تاريخي مجيد!
لقد حدث ذلك في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، حين أدت الأسطورة إلى ولادة الحركة النازية، وهذا ما حدث في الولايات المتحدة بعد فيتنام، وهذا ما سيحدث هنا في إسرائيل، ويمكن للمراقب أن يلحظ بدايات ذلك·
فالحقيقة البسيطة الماثلة للعيان حتى الآن، أن هدفاً عسكرياً واحداً لم يتحقق من هذه الحملة، فهذا الجيش ذاته الذي احتاج لستة أيام فقط لهزيمة جيوش ثلاث دول عربية كبرى عام 1967، لم ينجح في التغلب على "منظمة إرهابية" صغيرة في وقت أطول مما استغرقته حرب أكتوبر 73، لقد نجح الجيش الإسرائيلي - حينذاك - خلال أقل من عشرين يوماً، من تحويل هزيمة منكرة في بداية الحرب، إلى نصر عسكري مدوٍ، في نهاية الحرب·
ومن أجل خلق الانطباع بتحقيق إنجازات، يتحدث الناطقون العسكريون الإسرائيليون عن قتل 200 أو 300 أو 400 عنصراً من "حزب الله"·· فمن يعد؟، وذلك من أصل ألف عنصر يتألف منهم الحزب، وهذا الرقم بحد ذاته، يعني الكثير·
بيت الطاعة
وتفيد تقارير الأنباء الواردة من واشنطن أن الرئيس بوش مصاب بالإحباط، فالجيش الإسرائيلي فشل في "تسليم البضاعة"، فقد دفع الرئيس الأمريكي إسرائيل إلى الحرب معتقداً أن جيشها القوي المزود بأحدث الأسلحة الأمريكية سوف "ينهي المهمة" خلال عدة أيام، وكان من المفترض القضاء على "حزب الله" وإعادة لبنان إلى بيت الطاعة الأمريكي ويُضعف إيران، وربما يفتح الطريق لـ "تغيير النظام" في سورية، ولا عجب أن يشعر الرئيس بوش بالاستياء، بل إن إيهود أولمرت يشعر بغضب أكبر، فقد دخل الحرب بروح معنوية عالية، لأن جنرالات سلاح الجو وعدوا بتدمير "حزب الله" وصواريخه خلال أيام، والآن، يجد أولمرت نفسه في الوحل ولا يبدو أن في الأفق أي انتصار·
وكما هي العادة في إسرائيل، فإن حرب الجنرالات سوف تبدأ عند انتهاء المعارك (وربما قبل ذلك)، وقد بدأت تظهر أولى علامات هذه الحرب بالفعل، فقادة القوات البرية يلومون رئيس الأركان وسلاح الجو الذين تعهدوا بتحقيق النصر بمفردهم، وبالقيام بقصف الطرق والجسور والأحياء السكنية والقرى، ثم ينتهي الأمر! وسوف يلوم أتباع رئيس الأركان وجنرالات سلاح الجو الآخرين، القوات البرية وخاصة قيادة المنطقة الشمالية، فقد أعلن الناطقون باسمهم بالفعل أن هذه القيادة مليئة بالضباط غير الأكفاء الذين أُبعدوا إلى هذه المنطقة لأنها هادئة مقارنة بالمنطقة الجنوبية الساخنة في غزة أو المنطقة الوسطى (بالضفة الغربية)·
وهناك تذمرات بأن قائد المنطقة الشمالية "عودي آدم" عُيّن في هذا الموقع تكريماً لوالده الجنرال كوثي آدم الذي قتل في الحرب اللبنانية الأولى (وقد تم عزل الجنرال آدم من قيادة المنطقة الشمالية قبل أيام)·
وهذه الاتهامات المتبادلة كلها صحيحة، فهذه الحرب حافلة بالإخفاقات العسكرية، في الجو وعلى الأرض وفي البحر، هذه الإخفاقات التي تعود إلى الغطرسة الرهيبة التي نشأنا عليها وأصبحت جزءاً من شخصيتنا الوطنية، وأكثر ما توجد هذه الغطرسة لدى الجيش وتصل ذروتها عند القوات الجوية·
لقد بقينا نردد، على مدى سنوات، أننا نمتلك الجيش الأقوى في العالم، وأقنعنا، ليس أنفسنا فقط، بذلك، بل الرئيس بوش والعالم أجمع·
ألم نحقق نصراً مذهلاً في حرب الأيام الستة عام 67؟ والآن، حين لا يحقق الجيش الانتصار في ستة أيام يفاجأ الجميع، وتبدأ التساؤلات: لماذا؟ وما الذي حدث؟
من الأهداف المعلنة لهذه الحرب، إنعاش قدرات الجيش الإسرائيلي على الردع، وهذا لم يحدث لأن الوجه الآخر لعملة الغرور والغطرسة لدى الإسرائيليين هي الاحتقار العميق للعرب، وهو الموقف الذي قاد إلى إخفاقات عسكرية شديدة في الماضي، ويكفي أن نتذكر حرب عام 73، والآن يتعلم جنودنا درساً قاسياً بأن "الإرهابيين" لديهم دوافع قوية وإنهم مقاتلون أشداء، وليس مجرد أناس يحلمون بالعذاري في الجنة!
إغراء اللحظة
ولكن ماهو أبعد من الغرور والاحتقار للعرب، هناك مشكلة عسكرية أساسية هي أن من المستحيل لأية دولة الانتصار في حرب العصابات، وقد رأينا ذلك خلال ثمانية عشر عاماً قضيناها في لبنان، وخلصنا إلى النتيجة التي لا مفرّ منها وخرجنا من لبنان، لقد خرجنا دون تفاوض مع الطرف الآخر (فنحن لا نتفاوض مع إرهابيين، حتى لو كانوا هم القوة المسيطرة على الأرض!) ولا أحد يعلم غير الله من أعطى جنرالاتنا اليوم ذلك الشعور بالثقة بالنفس، للاعتقاد بأنهم سينجحون في ما فشل فيه أسلافهم بشكل ذريع·
والأهم من كل ذلك، لا يمكن لأقوى جيش في العالم تحقيق النصر في حرب لا أهداف واضحة لها·
يقول كارل فون كلوسفيتز: إن "الحرب ليست سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، لكن أولمرت وبيريتس قلبا هذه المعادلة "فالحرب (عندهما) ليست سوى استمرار لغياب السياسة بوسائل عسكرية"·
يقول الخبراء العسكريون إنه حتى تنجح في الحرب، يجب توفير ثلاثة عناصر (1) هدف واضح و(2) هدف ممكن التحقيق و(3) الوسائل اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وكل هذه العناصر غابت عن الحرب الدائرة حالياً، ومن الواضح أن هذا هو خطأ القيادة السياسية·
وعليه، فإن اللوم الرئيسي سيقع على عاتق أولمرت وبيريتس، لقد استسلما لإغراء اللحظة وجرّا البلاد إلى الحرب في قرار متسرع وغير مدروس وطائش·
وكما كتب نيهميا ستراسلر في صحيفة هآرتس مؤخراً يقول "كان يمكنهما (أي أولمرت وبيريتس) التوقف بعد ثلاثة أيام حين كان العالم كله متفقاً على أن الاستفزاز الذي قام به حزب الله يبرر لإسرائيل الرد، وحين لم يكن أحد يشكك بقدرات الجيش الإسرائيلي· ولو فعلا ذلك، لكانت العملية معقولة ومتكافئة"·
رجل الأمن
لكن أولمرت وبيريتس لم يستطيعا التوقف، ولم يدركا أن السياسيين يجب ألا يعولوا كثيراً على تفاخر الجنرالات، وأن أفضل الخطط العسكرية لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به، وأنه في الحروب، يجب توقع ما ليس متوقعاً، وأنه لا يوجد شيء مؤقت أكثر من مجد الحرب، لقد انخدعا بالأرقام حول شعبية الحرب لدى الإسرائيليين وانجرا وراء عدد من الصحافيين المطبلين للحرب، واعتقدا أنهما سيحققان المجد كزعيما حرب·
لقد اضطر أولمرت إلى الإنجرار وراء الوعود الفارغة التي أطلقها في خطاباته، ويبدو أن بيريتس وقف أمام المرآة ورأى في نفسه رئيس وزراء إسرائيل المقبل "السيد أمن" MR. SECURITY أو بن غوريون الثاني، وهكذا، انساق الرجلان كفلاحين يتسمان بالغباء، وراء طبول الحرب، وأطلقا هذه الحملة الحمقاء التي لن تقضي إلا للفشل على المستويين السياسي والعسكري·
ومن المنطقي الافتراض أنهما سوف يدفعان الثمن بعد انتهاء الحرب، فما الذي سينتهي إليه هذا الوضع الصعب؟ لا أحد يتحدث الآن عن القضاء على "حزب الله" أو نزع سلاحه أو تدمير الصواريخ، فقد نسي الجميع هذه الأهداف·
لقد رفضت الحكومة الإسرائيلية فكرة نشر قوة دولية على طول الحدود بشدة فقد اعتقد الجيش أن مثل هذه القوة لن تحمي إسرائيل، بل ستعمل على تقييد حريتها في الحركة، والآن أصبح نشر هذه القوة - فجأة - الهدف الرئيسي للحملة العسكرية، فالجيش يواصل عملياته فقط من أجل "تمهيد الطريق لنشر القوة الدولية" ويعلن أولمرت أنه سيواصل القتال حتى يتم نشر هذه القوة على الأرض·
يوم الحساب
وهذا بالطبع، سُلّم من أجل تمكينه من النزول عن الشجرة العالية التي تسلقها، فمثل هذه القوة لا يمكن نشرها دون موافقة حزب الله، ولا ترغب أية دولة بإرسال جنودها في مكان يمكن أن يخوضوا فيه قتالاً ضد أي طرف، وفي كل مكان في الجنوب، سيعود السكان الشيعة إلى قراهم، بمن فيهم مقاتلي حزب الله السرّيين، وبالإضافة إلى ذلك، ستكون هذه القوة معتمدة كلياً على موافقة "حزب الله"، وإذا ما انفجرت قنبلة تحت حافلة للجنود الفرنسيين - على سبيل المثال - ستنطلق الدعوات بسحب القوات، فهذا ما حدث عن تفجير مقر قوات المارينز في بيروت عام 1983·
أما الألمان، الذين فاجؤوا العالم مؤخراً بمعارضتهم الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار، لن يرسلوا جنودهم إلى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، إذ أن آخر ما يرغب به الجنود الألمان أن يضطروا لإطلاق النار على جنود إسرائيليين·
والأهم من كل ذلك، أن شيئاً لن يمنع "حزب الله"، من إطلاق صواريخه فوق رؤوس أفراد القوات الدولية وقتما يشاء، فما الذي ستفعله القوات الدولية عندئذ؟ هل تحتل كل المنطقة حتى بيروت؟ وكيف سترد إسرائيل؟
أولمرت يريد لهذه القوات السيطرة على الحدود اللبنانية - السورية، وهذا وهم أيضاً، فهذه حدود طويلة ويمكن لأي شخص أن يهرب السلاح بعيداً عن الطرق الرئيسية التي ستخضع للقوات الدولية، وسوف يجد من يريد التهريب عشرات وربما مئات الأماكن للمرور عبر الحدود، وفي لبنان، إذا دفعت الرشوة يمكنك تهريب كل ما تريد!!
وهكذا، فسوف نجد أنفسنا، بعد انتهاء الحرب، حيثما كنا قبل أن ندخل في هذه المغامرة، وقبل مقتل المئات وربما الآلاف من اللبنانيين والإسرائيليين، وقبل تشريد أكثر من مليون مدني من الجانبين، من منازلهم، وقبل تدمير آلاف المنازل على طرفي الحدود·
بعد الحرب، سوف يفتح الحماس، وسوف يلعق سكان المناطق الشمالية في إسرائيل جروحهم وسوف يبدأ الجيش التحقيق بإخفاقاته، والكل سوف يزعم أنه كان ضد الحرب منذ اليوم الأول، ثم يأتي يوم الحساب·
والنتيجة الماثلة أمامنا هي سحب الثقة من رئيس الوزراء إيهود أولمرت، وإقالة وزير الدفاع عمير بيريتس وعزل رئيس هيئة أركان الجيش دان حالوتس·
وحتى نبدأ نهجاً جديداً، فإن السبيل الوحيد لحل المشكلة هي المفاوضات وتحقيق السلام مع الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، وكذلك، مع حركة حماس ومع "حزب الله"، لأنك تصنع السلام في النهاية، مع عدوك، لا مع صديقك·
(داعية السلام وعضو الكنيست اليساري السابق)
عن: كاونتر بانش COUNTERPUNCH