رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 أغسطس 2006
العدد 1741

النخب السعودية المثقفة والموقف من العدوان الإسرائيلي

بدا للوهلة الأولى مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على لبنان في الثاني عشر من الشهر الماضي، كما لو أن الموقف الرسمي السعودي قد استولى على كامل المشهد السياسي المحلي  والعربي، من خلال إطلاق المملكة لموقفها المبكر والذي حمّل المقاومة الإسلامية مسؤولية شن العدوان وساندتها فيه عدد من الدول العربية، ومن ثم تفريغها لاجتماع وزراء الخارجية العرب لاحقا من أي مضمون، فخرج المجتمعون أقرب الى مساندة العدوان منهم الى أي شيء أخر·

وفي حين يمكن القول أن الدبلوماسية السعودية نجحت في تمرير رؤيتها على المستوى الرسمي العربي فإنها فشلت في المقابل في فرض ذات الرؤية على المستوى الشعبي المحلي والعربي، اللهم إلا من الجيوب المعزولة في الصحافة والإعلام، والتيار الديني المتطرف الذي بدأ موقفه هذه المرة متساوقا الى حد كبير مع الحكومة، بل ومزايدا عليها في تجريم المقاومة اللبنانية من منطلق طائفي ضيق·

فقد آثرت النخب السعودية المثقفة أن تنأى بنفسها بعيدا عن الموقف الرسمي بإطلاق عدد من عرائض الإدانة للعدوان الإسرائيلي والموقف العربي الرسمي على حد سواء، والى جانب إبراز الأصوات الأخرى في المملكة والمنحازة الى قضايا الشعوب، كشفت العرائض الأخيرة في الوقت نفسه عن تماسك وطني يتجاوز البعد المذهبي والمناطقي، وهي وإن لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها مثقفو المملكة بهذه المواقف المشرفة إلا أن بروزها في وقت يراد للاستقطاب الطائفي أن يأخذ أقصى مدياته في الأمة، أضفى الى ذلك علامة فارقة على العرائض الأخيرة عما عداها من عرائض صدرت في أوقات سابقة·

هنا لابد من الإشارة الى نقطة جوهرية حاولت بعض الأقلام المأجورة أن تتلاعب بها، وهي محاولة حشر جميع من نأى بنفسه عن الموقف الرسمي العربي من العدوان بأنه يعمل على الضد من مصالح بلاده، في تنكر تام لأدنى قدر من حرية التعبير وفي محاولة بائسة لتخوين الطيف الأوسع من الشعوب العربية  وفي طليعتها النخب المثقفة، بيد أن تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع أمام زحف المواقف الحاسمة للنخب المحلية والعربية المثقفة·

وحده التيار التكفيري المتطرف في المملكة آثر أن يكشف عن وجهه القبيح واختار أن يصطاد في المياه الطائفية العكرة، من خلال إطلاق فتاوى تحريضية ضد المقاومة الإسلامية أقل ما يقال فيها إنها جاءت مساندة للعدوان الإسرائيلي وعلى الضد من مصلحة الشعب العربي في لبنان، وليظهر هذا التيار متوائما الى حد كبير وعلى غير العادة مع الموقف السياسي الرسمي، مع اختلاف المبررات التي تقف خلف موقف كلا الطرفين، فقد تعاطى معها التيار التكفيري بانتهازية لافتة ربما على قاعدة عدو عدوي صديقي·

هنا يبدو من الضروري فرز المواقف على الساحة السعودية، فهناك ولا شك في الوسط الإعلامي والصحافي من آثر الالتزام بـ "وظيفته" الرسمية والاستماتة في تبرير الموقف الرسمي العام، هذا الموقف المفاجئ والعصي أصلا على الاستيعاب لدى أكثر المحللين حتى في إسرائيل نفسها، لشد ما انطوى عليه من انقلاب على ذاته بين عشية وضحاها، فقد برز على الجانب الآخر من الساحة المئات من النساء والرجال في النخبة السعودية المثقفة التي آلت على نفسها إلا أن تظهر دون تخاذل أو حياد بمواقف رجولية مساندة للشعب اللبناني ومنددة بالعدوان الإسرائيلي·

ويبدو ذات الفرز ضروريا على مستوى الحالة الدينية في المملكة، فمن غير الموضوعي التسليم الى جعجعة التيار التكفيري واختطافه للمشهد الديني المحلي، فبالرغم من إصرار هذا التيار على إظهار نفسه ممثلا للحالة الدينية برمتها، من خلال الهيمنة المطلقة وقمع الأصوات الدينية المعتدلة، والمتباينة عنه في النظر للقضايا المختلفة، لابد في الوقت نفسه من الإقرار بأن هناك أصواتا دينية وإن لم يخلُ بعضها من محاولة تسجيل موقف أقرب الى رفع العتب بدت أخرى مع هذه الأزمة أكثر ميلا للاعتدال والبحث عن نقطة التقاء وسطى مع الآخر السياسي والمذهبي انطلاقا من عدم استيعابها للتلاعب بالورقة الطائفية، والتراشق بالفتاوى التكفيرية والتحريضية بين أبناء المذاهب الإسلامية، سيما في هذه الأوقات العصيبة التي تتعرض فيها الأمة برمتها للعدوان·

من هنا كان لزاما فرز المواقف والنظر بعين الموضوعية لكامل المشهد المحلي بعيدا عن التجييش الطائفي والاستقطابات السياسية والمذهبية في المنطقة، فبالقدر الذي كشفت فيه هذه الأزمة عن وجوه قبيحة على المستوى الرسمي العربي وعلى مستوى التيارات التكفيرية، فقد كشفت على الجانب الآخر عن وجه مشرق لهذه الأمة متمثلا في النخب المثقفة من النساء والرجال الذين أثبتوا عبر مرور الأيام أنهم أكثر تفهما والتصاقا بقضايا شعوبهم وأمتهم·

عن موقع www.rasid.com

طباعة  

الخليج العربي واقعه المعاصر وأهميته الاستراتيجية
ثروات متنوعة وصراع أوروبي لبسط النفوذ

 
لبنان ومخططات التدمير!
"ويل للعرب من شرّ قد اقترب"

 
إصدارات
 
من أبرزها المرسم الحر وبيت ديكسون رمز الصداقة
المنازل التراثية تحكي تاريخ الكويت القديم