رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 9 أغسطس 2006
العدد 1740

حمد العيسى ومحاولة الوصول للطمأنينة
"أسبوع رديء آخر": مفردات مرنة ونصوص من زمن العولمة

                                                         

 

بقلم: باسمة العنزي:

(لقد وصلت إلى تلك النقطة التي أصبح فيها الضجر شخصاً قائم الذات وخيالاً مجسداً لمعايشتي لذاتي نفسها)·

فراناندو بيسوا

كتاب اللاطمأنينة

هل خبر أحدكم وهو يقرأ بشغف أن تعلقت أصابع يده اليمنى بالصفحة الأخيرة رافضة بشدة حقيقة أن العمل انتهى والكلمة الأخيرة تمت قراءتها للتو، تقلب الغلاف الأخير وتهمس لنفسك بخيبة أن الرحلة انتهت وعليك أن تعود لعالمك من جديد بعد انفصالك المؤقت عن ضوضائه؟! حدث ذلك مؤخراً مع المجموعة القصصية الرائعة (أسبوع رديء آخر) للكاتب السعودي حمد العيسى الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى 2006·

ست عشرة قصة قصيرة لا يمكن وصفها سوى أنها محاولة كتابة سيرة ذاتية مبكرة عبر لغة عصرية موجزة ذات إيقاع سريع وأسلوب مغاير لما هو سائد متحررة من محاولات تجميل النص وقولبته في إطار واحد، نصوص من زمن العولمة بمفرداتها المرنة والحديثة·

(قال الراوي: الآن·· هنا·· أرجوكم: أنزلوا الستائر·· أطفئوا الأنوار·· قبل أن يهرب من ثقوب اللاشعور المزيد من التابو·· نقطة!)·

الكاتب يكشف الغطاء عن الممنوع ويتجول مع القارىء وسط تفاصيل وأحداث أضاءتها ذاكرة جميلة رغم حزنها الدفين! ربما رغبة منه بالتحرر من ثقل رواسب قديمة وحكايا لم تسرد سوى سطورها الأولى أو محاولة أخيرة للتعامل مع واقع مفروض لا سبيل لرفضه ولا سبيل أيضاً لقبوله كقرص دواء يومي سوى الهزأ به ومحاولة الضحك عليه بصوت عال عله ينسحب! لنكتشف جميعاً أن النص لعبة شكلية نحاول من خلاله التملص من قيودنا وإثبات بطولاتنا المهشمة على الورق·

(قال الراوي لكاتب هذه السطور: لقد بحت لك يا عزيزي بهذه القصة من قبل، وأريدك الآن أن تكتبها ولكني أحذرك·· إن ذاكرتي التي كانت حديدية بدأت تخونني مؤخراً لقد أصبح نصفها الأيمن كالحا، ونصفها الأيسر حالكا)، ورغم أن الكاتب يرجع السبب إلى أصحاب الجلود السميكة الذين صادفهم مراراً في حياته إلا أن ذاكرته لا خيار لها سوى أن تخبو في يوم ممطر أو أن توغل في الاسترسال إلى حد الخوض في حقل المحظورات المرعب!

محاولات الكاتب التسرب إلى الداخل لكتابة سيرة ذاتية تنتهي دائماً بالانتشار إلى الخارج وتسليط الضوء على مساحات صحراوية شاسعة يبدو الكاتب متلهفا على مزجها بحكايته الشخصية حتى ينعدم الخط الفاصل بين ما هو خاص وما هو عام!

(بدأت أداعب بعض الأفكار في ذهني ولكنني أحسست أنها تابوهات لم يجرؤ عليها أحد من قبل! أخيراً قمت - بعد تردد - بكتابة هذه السطور في دفتر يومياتي وأنا أهمس: هيا اكتب اكتب نحن في عصر الإصلاح والحوار الوطني وحقوق الإنسان والانتخابات اكتب إنهم متعلمون ويؤمنون بالديمقراطية والحرية·· وإذا غضب القلة فيمكنهم اعتبار كلامي - على الأقل - رأياً آخر مثل الآنسة الشريرة كوندي رايس التي ينصت لها الجميع بكل احترام وهي تحاضر بخصوص الحاجة للإصلاح في المنطقة!)·

شخصيات العيسى على امتداد القصص المختلفة يشترك أغلبها بسمات متقاربة بدءاً من الأستاذ سفلان معلم المدرسة المتناقض إلى خالد وسامي الموظفين في شركة البترول الذين لديهما جانباً مخجلاً لا يجرؤان على الإفصاح عنه مروراً بصديق الطفولة عبدالله الانتهازي والدجال المغربي والدكتورة شريفة الفيلسوفة عضوة الجمعية الأمريكية لأصحاب الجلد السميك، جميعهم يشتركون بذوات كاذبة ومخادعة متخذين من الوظيفة المحترمة أو المظهر الأنيق أو الدين ستاراً خادعاً يخفي حقيقة مريضة بالتناقض مشبعة بالقبح شخصيات أثرت في ذات الكاتب الشفافة عندما تعثر بهم في دروب الحياة، ولأنه لم يكن حذراً أو سيىء الظن - كما ينبغي - توجت خبراته معهم غالباً بالخيبة وأحياناً كثيرة بالقرف منهم، هم كما يصفهم ذوي الجلود السميكة (مفردة تتكرر في أكثر من نص)، في قصة (شكل ومضمون) النموذج العكسي للشخصيات المنافقة كان أيضاً حاضراً، شخصية حسن الحلاق المرح الواضح·

(هل يمكن الاستمتاع بالألم؟! مستحييل! ألمه المعتاد يعتصر روحه·· لا بدنه وحسب، إنه ليس أعمى ولكن كل الألوان تبدو له سوداء من دون استثناء)·

يبدأ الكاتب بالمقطع السابق ومن ثم حواره مع الحلاق في الجوانب السياسية التي يظن حسن البسيط أنه ضليع بها، وينتهي النص وقد تحولت وخزة الألم إلى ابتسامة عريضة (سأواصل الكتابة ولو من دون نشر·· سأواصل الاستمتاع بالألم)·

من الواضح في المجموعة بشكل عام الولع بالثقافة الأمريكية والتي يقابلها في الوقت نفسه كراهية السياسة الأمريكية وما تمارسه من قهر، يعمل في شركة بترول أمريكية الهوى كما يصفها وبأسلوب عمل أمريكي منظم ودقيق كما أنه يشارك في المظاهرة الأولى له في مدينته الشرقية أمام القنصلية الأمريكية تعبيراً عن الاحتجاج على موقف الولايات المتحدة المساند لإسرائيل، في نص (تسقط أمريكا) يبدو فخوراً بعروبته وانتمائه·

(لفت انتباهه وجود الكثير من الناس وخاصة بعض الأطفال الذين يرتدون الكوفيات الفلسطينية· رأى بعض النساء بعباءاتهن السوداء في إحدى الجهات وشعر بالغبطة لاحظ أن أكثر المشاركين من غير الملتحين شاهد عدة أشخاص يحملون كاميرات فيديو، لم تكن هناك لافتات وكانت علامات الدهشة مرسومة على الوجوه كما كانت الفوضى واضحة نظراً لانعدام الخبرة بمثل هذا الأمر)·

لعل أكثر النصوص جاذبية (أسبوع رديء آخر) الذي ينقل القارىء إلي الظهران حيث شركة آرامكو (التي يصفها أنها دولة داخل دولة، حيث يعمل بها ستون ألف موظف وموظفة) والتي يسرد لنا الراوي وهو رئيس قسم هندسي يوميات أسبوع من العمل المضني والضغط النفسي والبدني الذي يتعرض له باستمرار وسط دوامة التغيير الدائمة·

(الشركة لا تكتفي بما تأخذه من جهد الموظف المسكين أثناء وقت الدوام بل تريد أن تجعله يفكر بالعمل بعد الدوام وفي نهاية العطلة الأسبوعية بل وفي النوم أيضاً! صحيح أن الشركة تدفع لنا رواتب مجزية وتهبنا مميزات مهمة مقارنة بالحكومة وتهتم كثيراً بالتدريب ولكنها تسلب منا بكل قسوة راحة البال وتستهلك من دون رحمة أكسير حياتنا الوقت! فمن هو الدائن·· ومن هو المدين؟!)·

السؤال السابق يسلط على وجوهنا بغته كضوء كشاف كهربائي ليسود الصمت وتنتهي الحكاية التي لم يكتب سوى سطرها الأول أما البقية فمن يدري قد تكون بانتظار سحابة وحشة أنيقة تمطر بوحا!·

طباعة  

موسم أصيلة الثقافي يبدأ أعماله
 
رحيل المؤرخ اللبناني الفلسطيني نقولا زيادة
 
أصدرت خمسة عشر ديواناً وامتازت بعذوبة إيقاعها
"البابطين" تمنح سعاد الصباح جائزة الإبداع الشعري لدورتها العاشرة

 
إصدارات
 
شعر