· قيادات البلدية إما أنها تعلم بما يحدث ولابد من محاسبتها، أو أنها لا تعلم ما يجري حولها وبالتالي لابد من إعفائها من مناصبها
كتب محرر الشؤون السياسية:
تصاعدت المطالبات النيابية للحكومة حول معالجة الفساد الذي نخر جسم البلدية والمجلس البلدي لدرجة لم يعد الحديث يدور حول حقيقة وجوده أو حجمه أو مظاهره، بل حول إمكانية السيطرة عليه بعد أن تداخل مع جميع عناصر ومظاهر الفساد الأخرى في مؤسسات الدولة لدرجة تحول معها الى شبكة تخدم أعضاءها من جميع الجوانب، ويساعد بعضهم البعض من دون ضرورة أن يعرف أحدهم الآخر بالاسم، فالمصلحة أو المصالح المشتركة أصبحت هي المحرك لهذا الارتباط العضوي بين عناصر الفساد·
ويركز المستفيدون من فساد البلدية هذه الأيام على بدعة المناطق الحرفية التي هي باختصار، كما يصفها أحد أعضاء البلدي، وسيلة لمنح أراضي الدولة لعدد قليل من المستفيدين يقسمونها الى قسائم يستأجرها كويتيون ويقومون بتأجيرها الى آخرين لممارسة نشاط معين قد لا ينطبق عليه تعريف الحرفة إطلاقا، ما هي سوى حلقة في مسلسل نهب البلد بحج مختلقة ومفضوحة فمرة تسمى براءات اختراع ومرة أخرى حاضنات وثالثة تشجيع للحرفيين الكويتيين، والمستفيد الأكبر، كما يقول عضو البلدي، هو من حصل على "المشروع الحرفي" والأمثلة كثيرة فهذه منطقة أبو فطيرة والعارضية الحرفية، إضافة الى مشروع الوسيلة، ومن قبلها قلمة شايع، وقبل ذلك الشويخ الصناعية، وصبحان بل حتى المنطقة الحرة في الشويخ·
العبث في نسب البناء
الجديد في عالم الاستيلاء على أملاك الدولة الآن ما يسعى إليه هؤلاء الأعضاء في البلدي من إعادة نظر في نسب البناء في هذه المشاريع، فبعد أن كانت ساحة السرداب لا يجوز استخدامها لذات النشاط المرخص له، ويمكن استخدامها فقط لأغراض التخزين أو مواقف للسيارات أصبح الآن مسموح استخدام 100% من تلك المساحة للغرض نفسه من دون أن تحسب جزءاً من الأرض المستقلة، يعني "خارج البيعة"·
أما نسب البناء في الدور الأرضي والميزانين فكانت في السابق 80% للأرض و20% فقط للميزانين يراد تحويلها الآن الى 100% للأرض و80% للميزانين، الحجة طبعا هي توحيد نسب البناء بين جميع المناطق الحرفية في الكويت، أما كيف توصلوا الى هذه النسب، فكان عن طريق تقنين المخالفات الحالية في المشاريع القائمة واعتبارها أساساً يمكن تقليده!!!!
المجلس البلدي في وضعه الحالي كما يقول عدد من أعضائه تحول الى جزء من المشكلة ولا يمكن أن يصبح جزءا من الحل لأنه ضالع فيها وطرف أساسي من أطرافها، وربما استدعى الأمر حله والاستغناء عنه بالكامل، فالبلدية وزارة كغيرها من وزارات الدولة يساءل وزيرها كما يساءل بقية الوزراء من خلال مجلس الأمة·
ومن أجل إيقاف هذا العبث لابد من خطوات أساسية تبدأ بإقرار المخطط الهيكلي للدولة بشكل نهائي وبعيداً عن المصالح الشخصية لبعض المستفيدين الذين يمكن أن يتدخلوا في رسمه، بحيث تتاح أراض إضافية من الأراضي الأميرية كما هو متاح الآن لأغراض البناء السكني أو الاستثماري أو التجاري وذلك بتخلي شركة نفط الكويت عن أجزاء من الأراضي المرهونة لها، وفي هذا الإطار يقول أحد المتخصصين النفطيين، إن الشركة ومع الأخذ بالتكنولوجيا الحديثة للحفر ليست بحاجة للحفر، بشكل رأسي فوق مكمن النفط مباشرة، وبالتالي فإن بإمكان الشركة التخلي عن الأراضي التي لن تحتاج للحفر المباشر فيها وهو ما سينعكس ليس فقط على ما يحدث الآن من عبث في أراضي الدولة بل كذلك على انفراج أسعار الأراضي السكنية التي ارتفعت بشكل خيالي حتى في المناطق حديثة الإنشاء·
فرز الأراضي
أما إعادة فرز الأراضي فيعتبر أحد أهم أشكال الفساد المستشري في البلدية سواء السكنية التي تدمج مجموعة من القسائم ثم يعاد فرزها الى قسائم أصغر وبالتالي يباع منها عدد أكبر من مجموع القسائم التي دمجت في البداية، وهذا الأمر، كما تقول المصادر، على الرغم من مظاهر التلاعب الواضح فيه والتي حولت كثيراً من القطع السكنية الى بيوت أشبه بعلب الساردين وشوارع لا يمكن تعاقب سيارتين فيها، تقول المصادر، إن هذا أمر لايذكر إذا ما قورن بفرز قطع الأراضي الكبيرة لأغراض تجارية وهنا، تضيف المصادر يطفو على السطح مثال صارخٌ يتمثل في أرض كانت تتبع لشركة الصناعات الوطنية التي كانت حكومية ثم خصصت، وحاولت بكل الوسائل فرز تلك الأرض وتقسيمها الى قسائم تجارية إلا أنها فشلت واضطرت لبيعها، وما إن اشتراها متنفذ معروف بقدرته على "تسليك" أي معاملة في البلدية، وتحديداً تلك المتعلقة بفرز الأراضي، ما إن اشتراها إلا وتمت موافقات البلدية بسرعة فائقة وتمكن من بيع جزء منها بأرباح خيالية واستثمر الباقي بأرباح خيالية أيضاً* هذا الأمر، كما أوضحت المصادر يعتبر من أكثر وسائل الإثراء السريع عن طريق التلاعب السافر في قرارات البلدية والاستفادة من القدرة على التأثير فيها لمصالح شخصية·
قيادات البلدية وملف الفساد
البلدية، كما يقول أحد أعضاء مجلس الأمة، أسهل ما فيها هو تحديد القيادات نظيفة اليد لأنها قليلة أما الفاسدون أو المساهمون بالفساد عن علم أو إهمال فهم كثر ولا أحد بحاجة الى خبراء لاكتشافهم، فقيادة البلدية ورغم الأحاديث المتكررة عن مسؤوليتها فيما يجري هناك لا تزال على وضعها، بل أضحت أقوى مما كانت عليه وتحديدا بعد فشل الوزير السابق أحمد باقر في إزاحة أحد منها·
مدير عام البلدية محمد عيد النصار مسؤول مسؤولية مباشرة عما يجري في أجهزة البلدية لأنه هو الشخص المخول بحكم القانون ومرسوم تعيينه عن إدارة جهاز البلدية بالكامل، وهو إما أنه يعرف عن الفساد ولابد من محاسبته عن تقصيره في الوقوف بوجهه، أو أنه لا يعرف وهذا سبب كاف لإزاحته من منصب هو غير قادر على تولي مسؤولياته بشكل صحيح·
صحوة مجلس الأمة
الحديث عن البلدية ليس بخاف عن المسؤولين في الحكومة وهو ليس جديداً عليها، لكن الجديد هذه المرة أن مجلس الأمة أو لنقل عدداً لا بأس به من أعضائه رفعوا راية محاربة الفساد في هذا الجهاز الخطير أو في دولة البلدية التي أصبحت أقوى من دولة الكويت·
ويرى عدد من أعضاء "الأمة" المتابعين لهذا الملف أن فساد البلدية مرتبط بشكل عضوي بفساد عدد من أعضاء المجلس البلدي الذي تحول الى مركز لتقنين المخالفات والعبث في المخطط الهيكلي للدولة خدمة لمصالح حزب الفساد تحت مبررات قلة الأراضي المتاحة للاستخدام، لتبرير بدعة تحويل استخدام الأراضي من سكني الى استثماري أو تجاري وبالتالي رفع أسعار تلك الأراضي أضعافا مضاعفة ليستفيد منها من سعى وربما جهز نفسه لحصد الملايين على حساب اختناق تلك المناطق وعدم كفاية الخدمات سواء الكهرباء والماء والطرق والجمعية التعاونية والهواتف والمستوصف والشوارع وغيرها·
فالبلدية كما تقول مصادر مطلعة جدا، أصبحت النموذج وربما المركز الذي ينطلق منه حزب الفساد، فكل مؤسسات الدولة مربوطة بها بشكل أو بآخر، فهي تهيئ الموافقات المطلوبة لتمرير أي معاملة يراد تمريرها، وهي الجهة التي تلوي وتكسر جميع اللوائح والقوانين والنظم بأوامر أو إيماءات من فوق لمصلحة هذا أو ذاك والبلدية هي الجهة المعول عليها تقنين المخالفات وتحويلها الى سلوك مقبول، وهي الجهة التي إن أراد أحد ضمان استيلائه على جزء من أملاك الدولة لا بد له من ضمان من يُسّلك له الوثائق أو ربما يُضيعها إن استدعى الأمر إلى ذلك، بل سيجد من يخفي الوثائق التي تضمن حق الدولة أمام القضاء، ليحصل هو على ما ليس له، وأما من "اجتهد" وساهم وساعد وأخفى وضيع فله "أجر" المجتهد، وكما يقال "لا يخدم بخيل"·