· محللون عسكريون إسرائيليون: ليس جيش الدفاع الإسرائيلي هذا الذي نراه في جنوب لبنان!
· طول أمد الحرب يعني تآكل التأييد لها في الشارع الإسرائيلي
· الجمهور الإسرائيلي بدأ يفقد الثقة بالمعلومات الحكومية حول سير المعارك
بقلم لورا كنغ:
بدأ القادة الإسرائيليون حتى قبل معركة يوم الأربعاء الماضي في قرية بنت جبيل التي تكّبد فيها الجيش الإسرائيلي أكثر من ثلاثة عشر قتيلا واثنين وعشرين جريحا، بخفض سقف توقعات الجمهور الإسرائيلي حيال قدرتهم على تحقيق نصر حاسم - أو سريع - على ميليشيات "حزب الله"·
وكان المسؤولون الإسرائيليون قبل شن الهجوم على جنوب لبنان، قد أعلنوا أنهم سيوجهون ضربة قاصمة لحزب الله لن يتعافى منها أبدا، حيث سيتم تدمير ترسانة أسلحته وسيتم طرد مقاتليه من المناطق الجنوبية، بل تحدث بعضهم علانية عن قتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله·
فمثلا قال وزير الدفاع عامير بيرتس خلال الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي "ننوي قصم ظهر هذه المنظمة"· وأعلن رئيس أركان الجيش دان حالوتس إن إسرائيل تقولها بوضوح إن اللبنانيين "ابتلعوا سرطانا وعليهم أن يلفظوه"·
أما الآن وبعد دخول المعارك أسبوعها الثالث بدأ القادة الإسرائيليون يغيّرون لهجتهم ويتحدثون لمواطنيهم عن إمكانية إضعاف - وليس استئصال - حزب الله، وأن القوات الإسرائيلية لن يكون بمقدورها حراسة المناطق الحدودية بمفردها، وأن صواريخ حزب الله لا تزال تشكل خطرا على المدن والبلدات الإسرائيلية·
وزير الأمن العام والرئيس السابق لجهاز "شين بيت" آفي ديختر يقول إن "الهدف ليس تفكيك سلاح حزب الله بالكامل وما نقوم به الآن هو محاولة بعث رسالة للحزب"·
ذكريات مريرة
ويرى المحلل السياسي في الجامعة العبرية يارون ازراهي أن "المؤسسة السياسية بالغت في تسخين لهجتها في الأيام الأولى للحرب، والآن، تحاول خفض توقعات الجمهور الإسرائيلي ووضعهم في صورة ما يحدث على الأرض وما يمكن تحقيقه"·
لقد كانت معركة بنت جبيل الأسبوع الماضي، أوضح مثال على صعوبة المهمة التي تواجهها القوات الإسرائيلية في لبنان، فبعد أيام على بدء المعارك أصبح هناك إدراك واسع لدى القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء، بأن إسرائيل لن تتمكن من تحقيق أهدافها بالقصف الجوي وحده·
وعلى الأرض، واجهت القوات الإسرائيلية لدى تقدمها داخل الأراضي اللبنانية، مقاومة عنيفة أكثر مما كان متوقعا ومنيت بخسائر فادحة في الأرواح، فقد اكتشفت قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي مجموعة معقدة من التحصينات والأنفاق تحت الأرض يختبىء فيها مقاتلو حزب الله، المزودين بأسلحة حديثة، ويهاجمون القوات الإسرائيلية المتقدمة من خلالها·
ويعتقد مسؤولو الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن حوالي 150 عنصرا من مقاتلي حزب الله قد قتلوا في المعارك لكن الحزب لم يعترف بهذا العدد الكبير، خاصة وأن البنية العسكرية الأساسية للحزب تتألف من عدة آلاف من المقاتلين فقط·
ولكن لا يزال "حزب الله" يحتفظ بقدرته القتالية، فقد صرح مسؤولون إسرائيليون الأسبوع الماضي أنهم دمروا أعدادا كبيرة من صواريخ الحزب وأشاروا الى تراجع عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها على شمال إسرائيل، ولكن سرعان ما تضاعف عدد هذه الصواريخ خلال أيام ودون توقف، الأمر الذي أجبر أكثر من مليون إسرائيلي يعيشون في المناطق الشمالية الى التزام الملاجىء·
لقد أسفرت المعارك حتى الآن، وفقا للمصادر الإسرائيلية عن مقتل 19 مدنيا إسرائيليا و33 جنديا، وهو الرقم الأعلى للضحايا الذين يسقطون في إسرائيل منذ سنوات طويلة، خلال مثل هذه الفترة القصيرة·
ولا تزال لدى الإسرائيليين ذكريات مريرة عن مقتل جنودهم بانتظام في لبنان أثناء فترة احتلال الجنوب اللبناني خلال الثمانينات والتسعينات، والعودة الى الحرب البرية ترتبط بأذهانهم بسقوط أعداد كبيرة من القتلى·
والآن، وفي ظل سير العملية البرية ببطء شديد، بدأ بعض المحللين العسكريين البارزين في إسرائيل يوجهون الانتقادات للتكتيكات التي يتبعها القادة العسكريون، ولاسيما إشراك قوة صغيرة نسبيا لمحاولة الاستيلاء على معاقل حزب الله في بنت جبيل التي لا تبعد سوى كيلومترين فقط عن الحدود الإسرائيلية·
آثار مدمرة
فقد كتب عامير رابايورت في صحيفة معاريف يقول إن ثمة "فجوة كبيرة بين التهديد العسكري الذي يمثله "حزب الله" المزود بأحداث الأسلحة من سورية وإيران، والعدد القليل نسبيا من القوات الإسرائيلية المستخدمة في هذه العملية"·
ويضيف أنه في النهاية فإن "عملية بهذا الحجم (الصغير) على الصعيدين الجوي والبري، لن تحقق إنجازا عسكريا دراماتيكيا"، ووجه المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" اليكس فيشمان انتقادات مماثلة قائلا إن "الجمهور الإسرائيلي لا يفهم الهجوم البري تماما ولديه شعور بأن شيئا ما في هذه الآلة لا يعمل، إنها شديدة البطء ومحدودة جدا وتقع في صفوفها الكثير من الحوادث الخطأ، إنها تبدو مختلفة عما عهدناه في جيش الدفاع الإسرائيلي"·
ولا تزال القيادة السياسية تحظى بدعم الرأي العام الإسرائيلي لخوض الحرب، ولكن بعض المحللين يتنبأ بأنه ستحدث ردود فعل عكسية إذا طال أمد الحرب، حتى لو أدت الى بعض المكاسب الاستراتيجية للدولة اليهودية·
الخبير السياسي في جامعة تل أبيب تامار هيرمان يرى أن "الحكومة لا تزال تحظى بالتأييد الشعبي، لكننا بدأنا نلحظ بعض التراجع، حيث العدد المتنامي من الضحايا وطول أمد الحرب واتجاه الأمور نحو مزيد من التعقيد، والأهم من كل ذلك تآكل ثقة الجمهور بالمعلومات التي تنقلها الحكومة عن سير المعركة"·
ويعترف المحللون العسكريون الإسرائيليون بأن تعريفهم للنصر يختلف عن تعريف حزب الله، فحتى ينتصر "حزب الله" فهو ليس بحاجة سوى الى البقاء، وقد تجلى ذلك في ظهور زعيم الحزب على شاشة التلفزيون بعد عملية ضخمة فشلت في اغتياله، حين أسقطت إسرائيل 22 طنا من المتفجرات على أحد المباني الذي اعتقدت أن قيادات "حزب الله" مختبأة فيه"·
وبالمقارنة، فإن إسرائيل بحاجة إلى إنجاز أساسي كي يمكنها زعم تحقيق النصر·
لقد جادل عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة "الكنيست" يوفال شتينتس مؤخرا بأن الهجوم على لبنان أعاد تأكيد قدرة إسرائيل على الردع وعزّز الإحساس في المنطقة بأن الدولة العبرية سوف ترد باستخدام القوة الكاسحة على أي هجوم على أراضيها·
لكن مراقبين آخرين قالوا إن بروز تصوّر بأن مقاتلي حزب الله تمكنوا من صدّ الجنود الإسرائيليين مضرجين بدمائهم هو أمر بالغ الخطورة، لأن من شأن ذلك تقوية شوكة من يقف وراء "حزب الله" كإيران وسورية، وربما غيرهما·
المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية يوسي آلفر ينصح بالتخلي عن فكرة أن "حزب الله ليس قادرا على تحقيق إنجاز مهم، ولكن علينا التأكد من أن مثل هذا الإنجاز لن تكون له آثار مدمرة على الدولة العبرية"·
"عن: لوس أنجلوس تايمز"
