· جورج بوش جمع حوله التحالف العربي منذ اللحظة الأولى وبدأ بإدارة ما يراه فرصة نادرة لتطبيق نسخة فوضى ثانية
كتب محرر الشؤون العربية:
لم يكن الخبر الذي أوردته صحيفة "نيويورك تايمز" (11/7/2006) عن إسراع الولايات المتحدة الى إرسال شحنة القنابل الموجهة بالليزر والأقمار الصناعية الى إسرائيل لتستخدمها في عدوانها على لبنان مفاجئا، فخلال الأسبوع الأول من العدوان، ومنذ اللحظة الأولى بادر الرئيس الأمريكي بوش الى استدعاء مستشاره للأمن القومي "ستيف هارلي" وطلب منه "استقصاء أهداف الخطة الإسرائيلية" حسب ما ذكرت صحيفة نيوزويك في عددها القادم في 31 يوليو، ثم انصرف همه الأول وهو على متن طائرته المتجهة الى بطرسبرغ الى توجيه تعليماته ورؤيته الى "الزعماء العرب الأصدقاء"·
عن طريق الهاتف الخاص· واتصل وحوله "هادلي" و"كوندي" كما قالت الصحيفة بالملك الأردني عبدالله والرئيس حسني مبارك، ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وقال لهم إن مخاطر الوضعية تتمثل في محاولة إيران السيطرة على المنطقة، وخطر أن تقض إسرائيل على الحكومة اللبنانية وأن تستعيد سورية لبنان مرة أخرى·
كان هدف المكالمات الهاتفية هو أن يوافقوه بعد هذه المقدمات على أن "الوغد" هو حزب الله، وأن الحاجة الآن هي الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد الذي يجمع الجماعات المتطرفة·
ولم ينس بوش أن يضيف الى معلومات أصدقائه أن المجرم الحقيقي في هذه الحرب هو حماس وحزب الله معا·
وابتلع الأصدقاء العرب هذه الرواية الأمريكية كما يبدو، لأنها تضرب أساسا على وتر حساس لديهم يرى في المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية تعبيرا عن رفض عربي شعبي واسع للتبعية المزدوجة التي أصبحت استراتيجية ثابتة لأنظمتهم، تبعية لإسرائيل وأمريكا على حد سواء·
ووافق الزعماء العرب على كل حرف نطق به بوش كما تقول "النيوز ويك"، وهنا رفع "هادلي" إصبع إبهامه بعلامة النجاح، بينما هللت كوندي مبتهجة·
لم تكن هذه الموافقة هي التي جعلت الرئيس بوش يصر في قمة الثماني وبعدها على "أن إسرائيل تدافع عن نفسها"، وتتابعه في ذلك المستشارة الألمانية وبقية دول التحالف الغربي، لأن ابتكار مسألة أن "إسرائيل تدافع عن نفسها" في عدوانها الهمجي على لبنان، لم يكن خالصا بمناسبة اندلاع الحرب على لبنان، فقد سبق للحكومة الأمريكية وعلى لسان أكثر من مسؤول أن كرر أن حصار غزة ثم الهجوم عليها بمختلف الأسلحة الأمريكية من دبابات وطائرات، إنما هو "دفاع عن النفس" ولكن هذه الموافقة العربية جاءت في سياق التبعية الصارخة منذ أن شاركت بعض الدول العربية، وبخاصة الأردن ومصر، في حصار الشعب الفلسطيني اقتصاديا وسياسيا، بل منع ممثليه المنتخبين من دخول أراضيها، بدءا من رفض استقبال وزير الخارجية محمود الزهار في عمان، ووصولا الى "تسفير" عضو المكتب السياسي لحركة حماس "محمد نزال" من القاهرة في الأسبوع الماضي·
بوش إذن، وعبر هاتفه الخاص بدأ يتابع حربه في الحقيقة، ويجمع حوله الحلفاء، ويمضي خطوة أبعد في رفض أي وقف لإطلاق النار قبل أن تحقق إسرائيل شيئا ما على الأرض، ولعل التذمر الذي أظهرته أصوات إسرائيلية سياسية وعسكرية من إصرار الولايات المتحدة على أن تمضي إسرائيل في هذه الحرب، هو الذي كشف عن الوجه الحقيقي لها وعن أهدافه، ثم تطور هذا الإصرار الى طرح مسألة "تشكيل شرق أوسط جديد" حملتها كونداليسا رايس في جولتها منذ الاثنين الماضي·
فعلى عكس كل التوقعات بدأت "رايس" جولتها بزيارة بيروت، والاجتماع مع رئيس وزرائها ووزير خارجيتها، ولم تكتف بذلك بل استدعت زعماء ما تسمى "جماعة آذار" الى مقر السفارة الأمريكية في عوكر، وطارت بعدها الى تل أبيب، ثم رام الله·
ما الذي ستحمله هذه الزيارة؟
وفق مخطط الحرب العدوانية الذي اتجه أساسا ضد المدنيين اللبنانيين، وقصف المناطق كافة بلا تمييز، كان واضحا أن استثارة الشعب اللبناني أو بعض قواه ضد مقاومته كان على رأس الأولويات، إلا أن دخول الحرب أسبوعها الثاني، من دون أن تظهر بادرة على تحقيق هذا الهدف، ومن دون تحقيق شيء على الأرض يمس القوة العسكرية للمقاومة، هو الذي عجل في الحقيقة بزيارة رايس، بل وعجل بزيارتها بيروت أولا، ربما لا ستنهاض قوى لبنانية لا تخفي عداءها للمقاومة اللبنانية، وانخراطها في المشروع الأمريكي - الإسرائيلي· وستحاول في الجانب الآخر نقل وعد بشيء ما إلى الإسرائيليين العاجزين عن منع تساقط الصواريخ على مستعمراتهم، ودفعهم الى مواصلة الزج بجنودهم في هذه الحرب الأمريكية·
هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها خطوط المواجهة بهذا الوضوح، ويبدأ فيها مع الأسبوع الثاني تخوف "عربي رسمي" من استمرار الحرب، فيتنقل وزير الخارجية السعودي من إدانة المقاومة اللبنانية، إلى المطالبة بوقف إطلاق النار·
وتبدأ بعض دول التحالف الغربي بإعادة حساباتها وسط إحساس بأن الجيش الإسرائيلي أخفق للمرة الثالثة في ظرف عشر سنوات، الأولى "حين أخفق في الحفاظ على احتلاله للجنوب اللبناني، والثاني حين أخفق في الحفاظ على مستعمراته في غزة، أما حكومة بوش فيبدو أن إغراء خلق نموذج يشبه النموذجي العراقي يأخذ بخناقها، فتسارع الى ترسانتها العسكرية، وتخطىء الحساب مرة أخرى·