
· المرض أوقفه عن مواصلة كتابة قصة حياته في إطار تجربة درامية تلفزيونية لصالح إحدى الفضائيات
استمر مدبولي في تدريباته المسرحية لصالح فرقة المسرح القومي للأطفال متأملا أن يستمر في نجاحه بقهر المرض الذي راح يتغلغل في جسده·
متطلعا إلى لقاء جماهيره، وبخاصة فلذات كبده من الأطفال، الذين وجدوا في شخصيته نموذجا صادقا للأب الحنون الصادق، حيث تعلقوا به من خلال شخصية (باب عبده)، ومن خلال أغانيه الجميلة والمتعددة للأطفال·
كان مسرح السلام بوسط القاهرة يشهد ليليا، ومن خلال مسرحية (أمير الخيال)، أجمل صورة من صور التماهي بين الإنسان وما يعشق، إنه العشق الأبدي والصوفي، بين عبدالمنعم مدبولي والمسرح، عشق لا يعترف بصعوبات ومعوّقات·
يقف بعناد، يعطر جسمه عرقا، يتصبب قلبه شوقا، يعانق بجسده وشيخوخته كل فضاءات المسرح، يجد فيه دواءه لمرض لا يرحم· يعصره المرض من الداخل فينتفض في وجهه عملاقا فوق خشبة المسرح، وتزداد قامته طولا وعبقرية في تاريخ مسرح بلاده، ويكتب بعرقه، وجهده واجتهاده أروع تجلياته المسرحية·· لراهب لم يعشق في حياته غير المسرح·
تتثاقل الخطوات فوق خشبة مسرح السلام، وتتعثر الكلمات، ويرفض الجسد أن يسقط، فالقلب لا يزال ينزف حبا لهذا الفضاء·· والفنان المسكون بالإلهام والإبداع يقاوم قدر إمكاناته، وبعمق خبرته·· يضغط على نفسه، ويستمر متسمرا فوق الخشبة، ولكن ماذا يفعل وللطاقة في جسده أحكامها ونظامها؟! فبعد أول ليلة عرض للمسرحية يضطر للاعتذار عن عدم إمكانية مواصلة المشوار، فالمرض قد استحكم في الجسد، ويغادر خشبة مسرح السلام من غير كلمة وداع واحدة، ليحل مكانه في العرض الفنان محمود الجندي·· على أمل أنْ يعود إليها ثانية، وثالثة، ورابعة، غادرها وأحلام العودة تداعب مخيلته وتستنهض فيه العزائم·
رحل الفنان المتجدد عبدالمنعم مدبولي تاركا في هذه المسرحية أهم علامة من علامات حياته، كونها كانت النقطة الأخيرة في السطر الأخير في رحلته المسرحية النصف قرنية ويزيد، وكونه سجل أثناء تدريباته المسرحية فيها آخر حوار مع الصحافة الوطنية، إذ نجح صحافي جريدة القاهرة المصرية (عيد عبدالحليم) من تسجيل حوار مقتضب مع الفنان الراحل قدر ما سمحت به ظروفه الصحية وقتذاك، ونشره مع آخر صورة له وهو واقف فوق خشبة المسرح في جريدة القاهرة المصرية، الإصدار الثاني، التي تصدر عن وزارة الثقافة المصرية، في العدد رقم 325، السنة السابعة، بتاريخ الثلاثاء الرابع من يوليو 2006 ، وذلك في الصفحة الرابعة عشرة، متضمنا بعض الآراء السريعة للفنان مدبولي، وجانبا من تاريخ حياته وذكرياته في المسرح، ومقارنته بين الجيل الحالي وجيل الزمن الجميل في ارتباطه بالمسرح، وكان من أبرز ما قال: "لكن نستطيع أنْ نقول: إن الجيل السابق كان يحب المسرح، أما الجيل الحالي فيريد الثروة والسيارة والشقة بخلاف جيلنا، فقد كنا في أحيان كثيرة نعمل بدون أجر من أجل الفن، ولذلك كان الجمهور يملأ قاعات المسرح، لدرجة أنني أذكر أننا في فرقة "المسرح الحر" ونحن نقدم إحدى روايات نجيب محفوظ وصل عدد الجمهور الى أكثر من ثلاثة آلاف، حيث تدافعوا لرؤية العرض مما أحدث تلفيات بالغة بمسرح الأوبرا القديمة"·· (القاهرة، ع. 325، 4 يوليو 2006 ص 14)·
ويشاء القدر، أن تكون إرادة الله سبحانه وتعالى، ألا يعود عبدالمنعم مدبولي الى خشبة المسرح بعد ذلك، حيث اعتلت صحته، وتفاقم مرض القلب لديه، فتم إدخاله الى غرفة العناية المركزة بمستشفى المقاولون العرب، ليتلقى العلاج على نفقة الدولة·
وفي هذا الجانب ثمنت أسرة الفنان الراحل مبادرة رئيس الجمهورية "محمد حسني مبارك" في تبني الدولة تكاليف علاج عبدالمنعم مدبولي·· حيث تلقى نجل الفنان اتصالا هاتفيا من السيد الرئيس للاطمئنان على صحته·· وشكره في الوقت نفسه على مبادرته·
ن·ق
