رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 14 يونيو 2006
العدد 1732

الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين "أبارثايد" في كل شيء ما عدا الاسم(4)

                                                    

 

·       الغرب لا يجرؤ على محاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الفلسطينيين بعد كل ما فعله باليهود

·         كاسريلز أثناء زيارة للأراضي الفلسطينية: نظام الفصل العنصري كان مجرد نزهة مقارنة بما تفعله إسرائيل

·      إحدى المستوطنات طالبت الداخلين إليها من الفلسطينيين بوضع علامة على جباههم لإظهار هويتهم!

·         شارون أبلغ نظيره الإيطالي أن نظام البانتونات هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية

·         الإسرائيليون "أنجزوا" خلال 50 عاماً مالم تحققه جنوب إفريقيا خلال 300 عام

·       كوهين يطالب بإعطاء مهلة 20 عاماً للسكان العرب للهجرة الى الأردن طواعية أو إجلائهم بالقوة

·       إسرائيل وجنوب إفريقيا حاولتا تجريد الضحايا من إنسانيتهم حتى لا يجدوا أي تعاطف عالمي

 

بقلم: كريس ماكغريل

(صحيفة الغارديان)

لقد تملك الإسرائيليون الرعب على الدوام من فكرة المقارنة بين دولتهم والتي هي ديمقراطية نشأت من رماد الإبادة الجماعية، وبين النظام العنصري الذي كان قائما في جنوب أفريقيا· ولكن هناك اتهامات حتى من داخل إسرائيل، بأن شبكة السيطرة التي تؤثر في كل جوانب حياة الفلسطينيين تحمل في طياتها تشابها يثير القلق مع نظام الفصل العنصري·

فبعد عمل استمر لأربع سنوات في القدس ولعشر سنوات في جوها نسبيرغ قبل ذلك، ربما يكون مراسل "غارديان" الحائز على جوائز عدة على عمله كمراسل في الشرق الأوسط، ربما يكون كريس ماكغريل في وضع استثنائي يمكنه من تقييم هذه المقارنة القابلة للانفجار بين الدولة العبرية وجنوب أفريقيا أبان نظام الفصل العنصري·

 

وحين انهار نظام الفصل العنصري، سارعت مؤسسة اليهود الجنوب إفريقيين التي كرمّت ذات يوم بيريس بوتار، الجلاد الذي سجن مانديلا، سارعت اليوم الى الترحيب باليهود الذين كانوا يشكلون خط المواجهة المتقدم في الصراع ضد الفصل العنصري من أمثال جو سلوفو وروني كاسريلز وروث فيرست·

يقول سوزمان "لقد حصلت على هذه الجوائز من المنظمات الصهيونية العالمية التي زعمت أن جذوري اليهودية هي الدافع الأول لي، وحين قلت إنه ليس لي جذور يهودية تغيّرت نظراتهم لي·

بالنسبة لكاسريلز، لم يدم الترحيب به طويلا· حيث يقول "إنهم ظلوا ينددون بي لسنوات طويلة بحجة تعريض حياة اليهود للخطر، ثم فجأة زعموا أنهم كانوا يقفون الى جانبي طوال سنوات الكفاح ضدد الفصل العنصري، ولم يدم الأمر طويلا، فحالما بدأت أوجه انتقاداتي لما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين بدأوا بمحاربتي مرة أخرى·

واليوم، وجدت لغة الكفاح ضد الفصل العنصري أفضلية مع المؤسسة اليهودية كوسيلة للدفاع عن إسرائيل، فقد وصف الحاخام الأكبر لجنوب إفريقيا وارني غولدشتاين، الصهيونية بأنها "حركة التحرير الوطني للشعب اليهودي"، واستعاد مصطلحات سياسات بريتوريا للنهوض بالمواطنين السود· ويضيف أن "إسرائيل قامت لحماية اليهود من الإبادة، لقد كنا في الماضي مستضعفين ولا يمكننا الاعتماد على نوايا العالم الحسنة"· ورفض غولدشتاين الإجابة عن العديد من الأسئلة أثناء مقابلة معه·

وفي عام 2004 زار روني كاسلريلز الأراضي الفلسطينية لتقييم الآثار المدمرة للهجوم الإسرائيلي على الضفة الغربية في عام 2002 ردا على عدد من الهجمات الانتخابية التي أودت بحياة العشرات من الإسرائيليين· وقال إن "الوضع هنا أسوأ من نظام الفصل العنصري، فالإجراءات الإسرائيلية والوحشية في معاملة الفلسطينيين، تجعل نظام الفصل العنصري أشبه بالنزهة، فلم يحدث أبدا في جنوب إفريقيا أن تقوم الطائرات المقاتلة بقصف المدن والبلدات، ولم تفرض حصارات في جنوب إفريقيا لأشهر· ولم يحدث أن قامت الدبابات بتدمير المنازل، لقد حدث في جنوب إفريقيا، في عهد نظام الفصل العنصري، أن استخدمت عربات مدرعة وقوات شرطة في إطلاق النار من أسلحة خفيفة على الناس، ولكن لم يكن ذلك على نطاق واسع أبدا"·

 

مناشدة الضمير:

 

وضع أكثر من مئة من يهود جنوب إفريقيا على عريضة رعاها كاسريلز مع يهودي آخر ناضل ضد الفصل العنصري هو ماكس أوزنسكي، تندّد بمعاملة إسرائيل للفلسطينيين وتشبهها بسياسة الفصل العنصري، وقد أطلق على تلك العريضة "إعلان الضمير" وأثارت جدلا واسعا داخل الجالية اليهودية، وكان أرثر غولدريتش أحد رفاق السلاح لنيلسون مانديلا قد وقع على العريضة، لكنه سجل ملاحظة تتعلق بتأثير العمليات الانتحارية على نظرة الإسرائيليين للفلسطينيين·

ويقر كاسريلز بتأثير هذه العمليات لكنه يقول إن "استراتيجية الفصل العنصري" الإسرائيلية كانت قائمة قبل وقت طويل من بدء تنفيذ العمليات الانتحارية· وأشار الى التشابه بين الأراضي المحتلة وأحياء المواطنين السود في جنوب إفريقيا (أو ما يسمى البانتونات)، التي كانت تهدف الى التخلص من معظم السكان السود مع الاحتفاظ بأراضيهم·

والآن، يعيش حوالي ستة ملايين إسرائيلي في 85 في المئة من فلسطين التاريخية، بينما ىُحشر 3,5 مليون فلسطيني في 15 في المئة منها، حيث يعيشون في مدن وقرى بين المستوطنات الآخذة في الاتساع والطرق المخصصة لليهود والأخرى المخصصة للفلسطينيين والجدار العازل والمنشآت العسكرية·

وربما يقول قائل إن إسرائيل وجنوب إفريقيا وجدتا نفسيهما ضحايا للتاريخ· لكن عالم 1948 حيث قيام الدولة اليهودية وسيطرة البيض على الحكم في جنوب إفريقيا، لم يكن يعبأ كثيرا بـ "ذوي البشرة الداكنة" الذين وقفوا دونهم دون تحقيق رؤاهم الأوسع، كما أن أيا من الحكومتين لم تفعل شيئا أسوأ مما فعلته بريطانيا الاستعمارية قبلهما·

وإذا كانت إسرائيل تكافح من أجل البقاء وتطرد الفلسطينيين من ديارهم، فمن يجرؤ في الغرب على محاسبتهم بعد كل ما تعرضوا له (في الغرب ذاته)؟·

لكن الحقبة الاستعمارية تهاوت في جنوب إفريقيا، لكنها تعززت في إسرائيل، وأصبح العالم أقل نزوعاً لقبول المبررات التي تسوقها كل من بريتوريا وتل أبيب لانتهاج مثل هذه السياسات· وقد سلمت قيادة البيض في جنوب إفريقيا أخيرا بالحقائق وتنحّت، وتقف إسرائيل الآن عند مفترق طرق حاسم من تاريخها·

فالآن، وبعد غياب أرئييل شارون، وتولي إيهود أولمرت رئاسة الوزراء خلفا له، فإن أحدا لا يعرف إلى أي مدى ستمضي إسرائيل في خطواتها "الأحادية الجانب" بعد الانسحاب من غزة، لقد وجدت جنوب إفريقيا زعيما تاريخيا ذا رؤية ثاقبة واتخذ قراره الحاسم والشجاع بتفكيك سياسة الفصل العنصري اسمه فريدريك دي كليرك، فهل يظهر دي كليرك آخر في إسرائيل يقود بلاده الى تسوية مقبولة لدى الفلسطينيين؟

الفلسطينيون ينظرون بتشاؤم إزاء المستقبل ويعتقدون أن الإسرائيليين يحاولون السيطرة على أكبر قدر من الأرض وأقل عدد من السكان الفلسطينيين·

 

الحل الأمثل

 

وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وغيره من القادة في الغرب والعالم يمتدحون شجاعة أريىل شارون لانسحابه من غزة، كان هذا الأخير يستولي على مزيد من الأرض في الضفة الغربية ويشدّد قبضته على القدس، ويوسع المستوطنات ويسرّع في عملية بناء الجدار الفاصل الذي يريد له الإسرائيليون أن يشكل حدودهم المستقبلية مع الفلسطينيين·

ويقول الفلسطينيون أنه شبه الدولة التي سيحصلون عليها بأنها ستكون ذات سيادة محدودة وسيطرة محدودة على الحدود والأموال السياسية الخارجية، ستكون أشبه بالبانتونات في جنوب إفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري·

فخذ الطرق على سبيل المثال، لقد بدأت إسرائيل في التسريع ببناء شبكة طرق "موازية" في الضفة الغربية كي يستخدمها الفلسطينيون الذين يحرمون من استخدام الطرق الراهنة،، وقد وصفت منظمة "بيت ساليم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان هذا النظام بأنه يحمل "نقاط تشابه واضحة مع نظام الفصل العنصري الذي كان قائما في جنوب إفريقيا"·

ويقول الجيش الإسرائيلي الذي يصف الطرق الممنوع استخدامها من قبل الفلسطينيين بأنها لاعتبارات أمنية فقط، ولكن من الواضح أن أنظمة الطرق في الضفة الغربية ليست سوى أداة - إضافة الى الجدار الفاصل - لتعزيز الكتل الاستيطانية وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، ويقول غولدريتش إن "نظام الطرق ليس تشريعا، بل هو عبارة عن قرارات سياسية وأوامر عسكرية" وحين أنظر الى هذه الطرق على الخريطة، يبدو لي الأمر أشبه بقصة (اليس في بلاده العجائب)، فهناك طرق للفلسطينيين معا، وحين أنظر الى هذه الطرق وإلى نقاط التفتيش والجدار، فإنني أحار في الحكمة وراء كل ذلك"·

لقد أوردت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل ثلاث سنوات، أن رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ماسيمو داليما أبلغ ضيوفه على العشاء في أحد فنادق تل أبيب، أن شارون أبلغه قبل عدة سنوات في أثناء زيارة له الى روما أن نظام البانتونات هو أفضل حلّ للصراع مع الفلسطينيين·

وحين أشار أحد الحضور بأنه ربما كان يؤول كلمات شارون وليس يردّدها، ردّ عليه ما سيمو داليما "لا يا سيدي، هذا ليس تأويلا· هذا اقتباس دقيق مما قاله رئيس وزرائكم"· والآن، وبعد غياب شارون وتولى أولمرت رئاسة الحكومة، فإنه يكرر تعهده برسم حدود إسرائيل النهائىة التي تقتطع أجزاء واسعة من الضفة الغربية، فضلاً عن ضم القدس الى الدولة العبرية·

 

إنه "الأبارثايد" بعينيه:

 

يلاحظ الزائرون لإسرائيل ممن لهم معرفة بجنوب إفريقيا، للوهلة الأولى عدم وجود أوجه شبه كثيرة بين الحالتين، فليست هناك لوحات تنص على الفصل بين اليهود وغير اليهود، ولكن هناك، في جنوب إفريقيا سابقا وفي إسرائيل اليوم، عالم من التمييز والقمع، ولكن معظم الإسرائيلين قرروا أن يغضوا الطرف عن ذلك·

فالجنود الإسرائيليون يقومون، بشكل روتيني، بإهانة ومضايقة الفلسطينيين عند نقاط التفتيش، ويقوم المستوطنون بكتابة الشعارات المليئة بالكراهية على جدران منازل الفلسطينيين في مدينة الخليل، وتقوم الشرطة الإسرائيلية بإيقاف كل من تشتبه بكونه عربيا في شوارع القدس الغربية وتطلب منهم بطاقات الهوية بشكل روتيني·

وترفض بعض التجمعات اليهودية السماح للفلسطينيين بالعيش وسطهم على أساس الاختلافات الثقافية، وقد طلب رئيس بلدية إحدى المستوطنات من الفلسطينيين الذين يدخلون الى المستوطنة وضع علامة تُظهر أنهم فلسطينيون(!)· وفي التسعينات، طلب اليهود المتطرفون من أصحاب العمل اليهودي طرد العمال العرب الذين يعملون لديهم، وأعطي أصحاب المحلات الذين انصاعوا لذلك الطلب، لافتات كتب عليها أن "لا عرب يعملون لدينا"· وكثيرا ما تعلو في إسرائيل هتافات "الموت للعرب"·

وكثيرا ما تتجاهل الصحف الإسرائيلية ممارسات قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، ومع ذلك، هناك تقارير تنشر في هذه الصحف حول عدد القتلى من الأطفال الفلسطينيين والذي وصل خلال الانتفاضة الثانية منذ عام 2000 وحتى الآن، إلى أكثر من 650 طفلا، رُبعهم كانت أعمارهم أقل من اثني عشر عاما، وحول عمليات التنكيل التي يقوم بها المستوطنون اليهود للمواطنين الفلسطينيين، فضلا عن الإهانات التي يتعرضون لها على نقاط التفتيش الإسرائيلية المنتشرة في مختلف أرجاء الضفة الغربية·

ولا يرى سكان القدس الغربية من اليهود، الجدار الفاصل الذي يعلو لثمانية أمتار ويمتد في قلب الضفة الغربية ليفصل بين الشوارع والعائلات وبين الأراضي والمزارع وأصحابها، تماما كما كان عليه الوضع في جنوب إفريقيا، حيث كان معظم البيض لا يرون أو يغضون البصر عما كان يفعله نظام الفصل العنصري بالسود، باسمهم·

وبعد وصولي إلى مدينة القدس بوقت قصير دعيت لتناول طعام العشاء في منزل عائلة يهودية ليبرالية، وكان من بين الحضور ناشر مجلة أمريكي ومؤرخ  مشهور وناشط سياسي، وتركز النقاش حول الفلسطينيين وأخذ منحى باتجاه كيف أنهم لا يستحقون دولة فقد جعلوا من الانتفاضة والعمليات الانتحارية مبررا لسبعة وثلاثين عاما من الاحتلال ومسوغا لكل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال·

 

تطهير عرقي

 

لقد ذكرني ذلك النقاش بالحوارات التي كانت تجرى في جنوب إفريقيا، وفي الواقع فإن النظرة الشعبية للفلسطينيين في إسرائيل لا تختلف كثيرا عن نظرة البيض للسود في حقبة الفصل العنصري، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن أعدادا كبيرة من الإسرائيليين يعتبرون العرب مجرد "قذارة" و"بدائيين" و"عنيفين" ولا يقدرون حياة الإنسان··

لقد ضم أرييل شارون الى حكومته أناسا يدعون الى التطهير العرقي الكامل ضد الفلسطينيين، والذي يعتبر أسوأ مما كان يحدث من عمليات نقل للسكان السود في جنوب إفريقيا، بالقوة، ومن هؤلاء وزير السياحة رحبعام زئيفي الذي دعا الى طرد "الترانسفير" السكان الفلسطينيين من إسرائيل ومن الأراضي المحتلة، حتى أن الصحافة الإسرائيلية تصفه بـ "العنصري" وقد اغتيل زئيفي على يد فلسطينيين قالوا إن سياساته جعلت منه هدفا مشروعا·

ولكن أفكار زئيفي لم تمت بموته· فقد صرح عضو الليكود البارز أوزي كوهين أن إسرائيل وحلفاءها الغربيين يجب أن يطالبوا بإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من أراضي الأردن، وأنه يجب إعطاء سكان الأراضي المحتلة مهلة لمدة عشرين عاما لـ "المغادرة الطوعية" أو إن لم يغادروا، يجب وضع خطط لطردهم بالقوة، وأبلغ كوهين راديو إسرائيل في مقابلة معه أن "كثيرا من الإسرائيليين يؤيدون الفكرة، لكن قليلين هم الذين يرغبون بالإعلان عن مواقفهم"، كان كوهين من بين 70 عضوا في الكنيست ممن أيدوا مشروع قانون لجعل يوم اغتيال زئيفي مناسبة وطنية وإنشاء معهد لتعليم أفكاره·

في عام 2001، عين شارون، عوزي لاندوا وزيرا للأمن الداخلي، وهو المنصب الذي استخدمه الأخير للمطالبة بطرد الفلسطينيين الى الأردن لأنهم يقفون حجر عثرة أمام التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية، يقول لانداو "بالنسبة للكثير من الإسرائيليين،، يشكل الفلسطينيون عقبة أمام وجودنا هنا"·

ومن النادر أن أعترض شارون على التعبير عن مثل هذه الآراء، وأن فعل، فلم يكن ذلك لكون هذه الآراء عنصرية وغير أخلاقية، فقد أبلغ شارون أعضاء اللكيود الذين ضغطوا عليه من أجل طرد الفلسطينيين إنه لا يستطيع أن يفعل ذلك "لأن الوضع الدولي لا يسمح بذلك"·

ويقول كراوس إنه "كان لدينا دائما المتطرفون الذين يتحدثون عن إسرائيل الكبرى، وهناك من يقول إن التوراة تنص على أن هذه الأرض لنا وأن الله قد وهبنا إياها، لكن هذه هي الفاشية بعينها"·

 

بداية النهاية

 

عضو الكنيست اليساري يوسي ساريد، قال عن عضو في مجلس الوزراء كان يدعو الى طرد العرب بالقوة إن "تصريحات تذكرني بأناس آخرين وأراض أخرى قادت في نهاية الأمر الى إبادة الملايين من اليهود"· كما أنها تذكرني بتصريحات رئيس جنوب إفريقيا الأسبق بيغ بوثا قبل أن يصبح رئيسا، ففي حديث له أمام البرلمان عام 1964 حين كان وزيرا لشؤون الملونين، قال "أنا واحد من أولئك الذين يؤمنون أن لا موطن دائماً لجزء من البانتو في المنطقة البيضاء لجنوب إفريقيا وأن مصير جنوب إفريقيا يعتمد على هذه النقطة الأساسية، فإذا ما قبلنا بمبدأ الإقامة الدائمة للسود في مناطق البيض، فإنها ستكون بداية النهاية للحضارة في هذه البلاد كما نعرفها"·

لقد كان هناك وقت حين كان عدد كبير من الإسرائيليين يتفق مع زئيفي وكوهين، ولكن على مدى العقد المنصرم، أصبحوا يؤيدون قيام دولة فلسطينية كوسيلة للتخلص من المسؤولية عن الجزء الأكبر من العرب، واضطرارهم لإقامة نظام فصل عنصري، على غرار جنوب إفريقيا·

ولكن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا كان أكثر من مجرد فصل، حيث يقول جون دوغارد المحامي الجنوب إفريقي ومراقب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إن "نظام الفصل العنصري كان يستهدف الأرض بالدرجة الأولى، ومحاولة الاحتفاظ بأفضل الأراضي للبيض وإعطاء أسوئها للسود·

وهذا ما يفعله الجدار الفاصل في الضفة الغربية، إنها عملية طرد منظم للفلسطينيين من ديارهم باستخدام الجرافات· ويمكن مقارنة ما يحدث الآن في فلسطين بما حدث في أوج نظام الفصل العنصري (الأبارثايد)، حيث كان يرافق عمليات نقل السكان أيضا، تدمير للمتلكات، ولكن ذلك التدمير لم يصل في أي وقت حجم التدمير الذي تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية أو غزة"·

ولا يقاوم أرثرغولدريتش إغراء استخدام المقارنة "إنها قائمة وجذابة لقد كنت أحجم في الماضي عن المقارنة بين الحالتين في إسرائيل وجنوب إفريقيا، ولكني أعتقد الآن أن هناك أوجه تشابه تثير الدهشة في شتى أشكال  تثير الدهشة في شتى أشكال التمييز العنصري"·

وأضاف: "أعتقد أن إقامة نظام البانتونات الذي نراه من خلال سياسات الاحتلال والفصل، يذكرنا بالكلمات والمضامين ذاتها لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا"·

ويتفق كاسريلز مع هذا التحليل قائلا: "نعم، هناك فقط نقاط تشابه هائلة مع الأبارثايد، ولكن مشكلة المقارنة هنا أنها مشتقة من المواقف ووجهات النظر الفلسطينية·

علينا أن نبحث عن تعريف آخر لما يحدث، إن أكثر ما يثير صدمتي هو عمليات اقتلاع السكان، اقتلاع استعماري، وقد حدثت معظم عمليات الاقتلاع الاستعماري عبر العصور من خلال المستوطنين والطرد بالقوة، في جنوب إفريقيا، استغرقت العملية ثلاثمئة عام، لكنها تمت هنا خلال خمسين عاما، في عام 48 وفي عام 67 والآن، وبلغت أوجها بإقامة جدار الفصل الذي لا أرى فيه جدارا أمنيا، بل جدارا يستهدف ترحيل السكان"·

 

مجتمع استعماري

 

لقد هاجر هيرش غولدريتش الى إسرائيل بعد ثلاثة عقود حين انتهى من الخدمة الوطنية في جيش جنوب إفريقيا، ويقول غودمان المحلل الأمني في جامعة تل أبيب "إن الجيش الإسرائيلي بعثه الى الأراضي المحتلة وقال إن لن يغفر لهذه البلاد ما فعلته به"· ويقول إن على إسرائيل الإجابة عن الكثير من التساؤلات، ولكن ربما يكون من المبالغة مقارنتها بنظام الفصل العنصري·

ويضيف أن إسرائيل إذا احتفظت بالأراضي المحتلة فلن تظل دولة ديمقراطية، وبهذا المعنى تصبح نظام فصل عنصري لأنها تُميّز بين طبقتين من الناس وتفصل بينهم وتنشىء مجموعتين من القوانين إحداهما لليهود والأخرى للفلسطينيين، وهذا ما كان يحدث في نظام الفصل العنصري· فقد كان هناك مستويان للتعليم والصحة والإنفاق الحكومي، ولكن لا يمكن وصف النظام في إسرائيل بالأبارثايد في وقت تُظهر فيه الاستطلاعات رغبة 76 في المئة من الإسرائيليين بالتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، نعم، هناك تمييز ضد الفلسطينيين والإثيوبيين وغيرهما، ولكن المجتمع الإسرائيلي ليس مجتمعا عنصريا، إنه مجتمع استعماري، لكنه ليس أبارثايد"·

ولكن دانيال سايدمان المحامي الإسرائيلي الذي يتحدى قوانين المواطنة والتخطيط الإسرائيلية في مدينة القدس يقول إنه اعتاد أن يرفض مقارنة الوضع في إسرائيل بالأبارثايد، ولكن يجد من الصعب عليه أن يفعل ذلك هذه الأيام·

وأعتقد أنه يمكن قول الكثير حول تجذر الأبارثايد في إيديولوجية عنصرية عملت على تغذية الحقائق الاجتماعية والنظام السياسي ونظام الهيمنة الاقتصادية، إنني أجد من الصعب علي - كيهودي - تقبّل فكرة إخضاع الشعب الفلسطيني لسيطرتنا، ولكن، لسوء الحظ، أن غياب الإيديولوجية العنصرية لا يكفي لنفي تهمة الأبارثايد عن إسرائيل، لأن الحقائق التي برزت بشكل أو بآخر، تعيد الى الأذهان أبرز معالم نظام الفصل العنصري (الأبارثايد) في جنوب إفريقيا"·

وهكذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو الى أي حدّ اقتربت إسرائيل من نقطة أصبح عندها من الصعب مقارنتها بنظام الأبارثايد أو تخيّل مثل هذه المقارنة· فهل هي ضحية الظروف وهل تجبرها الحاجة للبقاء، إلى ممارسة القمع؟ أم أن التعطش للأرض كان عنصرا مركزيا في المشروع الصهيوني، وبالتالي كانت الهيمنة هي نتيجة حتمية؟

لقد عمل كراوس في إسرائيل لعدة سنوات في السنوات الأولى لقيام الدولة، "لقد أدركت منذ البداية أن الصراع يدور حول محاولة سلب الفلسطينيين أرضهم التي عاشوا عليها منذ قرون، وأدركت أن حرب الاستقلال عام 48 لم تكن بين طرفين أحدهما على حق والآخر على باطل·

فأنا أعرف أن المكان الذي أنقب فيه عن النفط كان موقعا لقرية فلسطينية مدمرة، وحين أقوم بجولة في المناطق الريفية أجد العشرات من القرى الفلسطينية المهجورة والتي دُمّرت عن بكرة أبيها"·

 

حالة خوف

 

حتى نهاية السبعينات، كان الخطر على إسرائيل من جيرانها حقيقيا في أذهان الإسرائيليين، ولكن أيضا، لعب دورا لدى الجنوب إفريقيين البيض الذين تابعوا بهلع متزايد، ثم إرهاب متزايد، في تراجع البيض عن مواقفهم وتسليم الحكم للغالبية السوداء·

لقد استخدمت جنوب إفريقيا الشهادات حول النساء البيض اللواتي تعرضن للاغتصاب في الكونغو، وبعد سنوات، مشاهد النساء البيض وهن يهربن من أنغولا وموزمبيق وروديسيا (زيمبابوي) لترويع المواطنين البيض حتى يقبلوا بالإجراءات القمعية ضد السود· ومع ذلك، فإن الخوف في أوساط البيض كان حقيقيا، لقد رأوا - كما الإسرائيليين - أنهم يخوضون صراعاً من أجل البقاء·

ويقول منتقدو إسرائيل إنه ما إن تآكلت التهديدات التي تتعرض لها الدولة حتى أصبحت أقرب الى نموذج الأبارثايد، خاصة في استخدام قوانين الأرضي والمواطنة، حتى أصبحت نقاط التلاقي مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أكثر من نقاط الاختلاف·

ويقول إن "الأخطار الوجودية على إسرائيل حقيقية، وقد شعرنا دائما بالعار للظلم الذي ألحقناه بالفلسطينيين ونحاول دائما أن نتصرف بشكل ديمقراطي، وبالطبع، كان هناك الكثير الكثير من التمييز على مستوى القطاع الخاص، ومن قبل الحكومة أيضا، ولكنها لم تكن فلسفة قائمة على العنصرية، بل كان أكثرها لدوافع أمنية"·

ولكن غولدريتش يختلف مع هذا التحليل، ويقول "إنها عملية تشويه خطيرة وإنني متفاجئ من ليل، ففي حرب الأيام الستة عام 67 قامت إسرائيل وعن سبق إصرار وتخطيط، وليس بمحض الصدفة، باحتلال الضفة الغربية وغزة بهدف توسيع مساحة الدولة العبرية"·

وأضافت يقول "لقد سعيت أنا وغيري بعد الحرب مباشرة، إلى إقناع الجمهور الإسرائيلي دون جدوى، أن اتفاقات السلام مع الفلسطينيين هي التي توفر الأمن لإسرائيل وليس احتلال المزيد من الأراضي وبناء المستوطنات، لكن الحكومة كانت تريد الأرض أكثر مما كانت تسعى إلى الأمن· وإنني واثق أنه كان في أذهان الكثير من قادة إسرائيل تفريغ هذه المناطق من سكانها العرب، لقد قال لي نيلسون ما نديلا ذات يوم إن الأفارقة البيض كانوا يحاولون تجريد السود من إنسانيتهم، وكأنهم ليسوا موجودين"·

 

أسطورة سقطت

 

ولكن مثل هذا النظام - كان كما اكتشف المواطن الإسرائيلي العادي - لا يمكنه الاستمرار دون أن يواجه المقاومة، لقد انهار نظام الأبارثايد لعدة أسباب منها، إن المجتمع الجنوب إفريقي قد أرهق من متطلبات هذا النظام، ولأن أسطورة الأبيض الضحية سقطت أيضا، إسرائيل لم تصل الى هذه النقطة بعد، فالكثير من الإسرائيليين مازالوا يعتقدون أنهم الضحايا الرئيسيون للاحتلال(!)·

وبالنسبة لسيدمان، فإن المسألة الحاسمة ليست هي كيف عمل نظام الأبارثايد، بل كيف بدأ يتفكك، ويقول إن "الأبارثايد استنفد الكثير من طاقات مجتمع جنوب إفريقيا فضلا عن العقوبات الاقتصادية والضغوط الدولية التي أقنعت دي كليرك أن هذا النظام لا يمكن أن يستمر، وهذا ما سيحدث لإسرائيل"·

أو ربما أن هذا الصراع سيتحول الى شيء أسوأ شيء تنتج عنه كوارث تثير الصرحة أكثر مما حدث في نظام الأبارثايد·

لقد أمضى أرنون سوفر سنوات يقدم النصح للحكومة الإسرائيلية حول "الخطر الديموغرافي" الذي يمثله العرب· لقد رسم هذا الأستاذ في علم الجغرافيا بجامعة حيفا، صورة قاتمة لقطاع غزة بعد جيل على الانسحاب الإسرائيلي·

يقول سوفر في مقابلة مع صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية إنه "حين يعيش 2,5 مليون إنسان في غزة المغلقة، فهذه كارثة إنسانية، فهؤلاء الناس سيصبحون أكثر تطرفا مما هم الآن، بمساعدة الأصوليين المتشددين· فالضغط على الحدود سيكون مخيفا، ونحن بانتظار حرب رهيبة، وإذا أردنا البقاء على قيد الحياة، فسوف يتعين علينا مواصلة القتل طوال اليوم وكل يوم، وإذا لم نقتل، فلن يعود لنا وجود، وإن أكثر ما يقلقني هو كيف يمكن للصبي والرجل اليهودي الذي يقوم بعمليات القتل، العودة الى بيته وعائلته ويتصرف ككائن بشري طبيعي"·

انتهى

طباعة