رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 31 مايو 2006
العدد 1730

عبدالعزيز المنصور الرائد الذي رحل
للذكرى فقط.. كان مبدعاً وممنوعاً أيضاً

                                                                                 

 

يترك رحيل الفنانين الكبار مرارة لا بد منها، وبخاصة إذا كانوا من النوع الذي حمل مشروعا فنيا ورؤية، وصارعوا طيلة مسيرتهم الفنية من أجل وضع الأمور في نصابها، وإنجاز ما هو ضروري لتستمر المسيرة بلا تعثر ولا عقبات· هذا النوع من الرحيل هو الأكثر انطباقا على حالة ومسيرة الفنان عبدالعزيز المنصور الذي غادر دنيانا يوم الجمعة الماضي بعد ما يقارب الأربعين عاما من العطاء المتواصل·

نتذكر الآن ما كانت الأوساط الفنية تعرفه· نتذكر أحد كبار مسرح الخليج العربي في ذروته السبعينية، وهو يصعد من مهنة الماكيير في تلفزيون الكويت، مرورا بإخراج المسرحيات، ثم بالأعمال التلفزيونية، وصولا الى ابتكار الأساليب السينمائية، وإدخالها في الأعمال التلفزيونية، ولكن هذه الذكرى تعود الآن فجأة ودفعة واحدة الى الزملاء والعاملين معه، حية كما لم تكن حية في الماضي·

ما الذي يلفت النظر الآن؟

ربما أبرز ما في مسيرة هذا الفنان الكبير الذي كان جزءا من عائلة فنية أصغر، ثم عائلة أكبر، إصراره على تقديم رؤية متطورة غير مألوفة في سياق الأعمال الشائعة، رؤية اجتماعية - فنية، تمازج بين المهارة والاتقان وبين الموقف الذي لا تشغله النجاحات العابرة، أو خشية الإخفاق في إرضاء المتداول والشائع وربما لهذا السبب أيضا، نجد أن الأصدقاء والمتعاونين معه من الفنانين أعاد رحيل الفنان الى أذهانهم بعضا من أعماله الممنوعة، ليعرف الناس أن هذا الفنان سبق أن قدم أعمالا منع تلفزيون الكويت عرضها، ومنها مسلسل "المنزل" (1982) ومسلسل الاعتراف (2003)· أما الأسباب فهي حساسية القضايا التي تناقشها هذه المسلسلات· ترى هل هناك أكثر حساسية من الفنان؟

لفنان آخر من الرائجين كان يمكن تجاوز موانع الرقابة بالاستجابة لمتطلباتها غير الحساسة، وصياغة مسلسلات تتخذ طريقها الى الشاشة، ولكن الأمل مع عبدالعزيز المنصور اختلف، وظل مختلفا، فحساسية الفنان لا تعلق لها بقبول أو رفض أعماله، ولا تعلق لها بالخسارة والربح المالي، لأنها تنبع من جغرافية أخرى، هي جغرافية الروح والمعنى· فتبا للخسارة إن كان استجداء القبول يعني خسارة الفنان لمعنى عمله·

القليلون بالطبع يمكن أن يراهنوا، أو يضعوا رهانهم على صدق الحساسية، والأمانة، والاستقامة في عالم الفنان، إلا أن هؤلاء هم الذين يحفظون للفن شرفه وكرامته في نهاية المطاف·

حين يرحل فنان من هذا النوع قد يكون غاضبا أو متألما· إلا أنه في كل الحالات سيشعر أنه قام بأداء رسالته على الوجه الذي يرضي الضمير· ويرضي المستقبل، رهان الحساسية الصادقة هو المستقبل دائما، مستقبل الحركة الفنية، ومستقبل أبنائها، والجمهور الواسع حتى وإن وقفت الأجهزة البيروقراطية في طريقه، حتى وإن وضعت الحواجز دونه وأبعدته عن الجمهور· هل غاب عبدالعزيز المنصور قبل أن يغيب وراء الحواجز؟ نعتقد أن أفضل وفاء لذكرى الكبار أن يحتفى بأعمالهم، أي أن يعودوا من المستقبل الى الناس الذين عملوا لهم ومن أجلهم·

طباعة  

صورة وتعليق