كتب برجس النومان:
يتردد في الأوساط الحكومية العليا قلق من قبول فكرة تقليص الدوائر الانتخابية إلى خمس أو عشر، ويوصف ذلك القلق بمقولة "القفز إلى المجهول" وهي مقولة تفضح قائليها أكثر مما تطمئن الساعين إلى مزيد من الديمقراطية وإصلاح النظام الانتخابي الفاسد·
ونقول إنها تفضح قائليها لأنها تشرح بالضبط ما يريدونه وهو الإبقاء على التقسيم الحالي للدوائر رغم فساده لأنه "بقاء في المعلوم" أي أن الديمقراطية في مفهوم هؤلاء هي انتخابات معروفة النتائج مسبقاً ومعروف مَنْ سينجح فيها ومَنْ لن يحالفه الحظ وربما بالاسم في كل دائرة·
إذن نحن أمام عبث صارخ في العملية الديمقراطية وفي الفصل بين السلطات أي تنقيح فعلي للدستور بعد أربعة عقود من إصداره وإفراغه من محتواه وتحويله إلى مجرد نصوص على الورق ما دامت الحكومة تضمن أغلبيتها المعتمدة على تخليص المعاملات والتنفيع والتمويل مقابل الخضوع للسلطة والتغاضي عن الفساد وهذا مما يوفر الشعور بالاطمئنان التام في مجلس من هذه النوعية وبالتالي لا داعي الى تغيير آلية الوصول إليه لأن ذلك قد يؤدي الى عدم ضمان هذه الأغلبية ويهدد قدرتها على تحجيم مؤسسة مجلس الأمة وشل قدرتها في العمل الرقابي والتشريعي، ويعيق قدرتها على التنقيح الفعلي غير المباشر للدستور وهذا حتما سيعتبر قفزاً الى المجهول بالنسبة لها وهو ما يفسر استذباح مهندسي الحكومة للإبقاء على هذا التوزيع·
ووفق هذا الفهم فالديمقراطية ما هي إلا ثوب يفصل على القياس ولا مجال للتعديل فيه، وفي حال طالب الشعب وسعى نحو مزيد من ممارسة حقوقه الدستورية يصبح في نظرهم شعباً مشاغباً يستدعي إرسال القوات الخاصة للتعامل معه وسيارات أمن الدولة المجهزة للتنصت والتسجيل والنقل المباشر، وممارسة الناس حقوقهم في التعبير عن آرائهم وفق هذا المفهوم لا يمكن أن يفسر سوى كونه شغباً يجب أن يوقف بأي أسلوب وبأي ثمن ولولا تدخل العقلاء لمورس علينا ما تمارسه قوات الأمن المصرية ضد شعبها·
الزبدة، المسألة ليست في عدد الدوائر إنما في قبول الديمقراطية والدستور كأسس للحكم·