كتب: مظفر عبدالله
أكثر الأوصاف استخفافا تلك التي أطلقها البعض على تجمع الطلبة والشباب أصحاب الشعارات "البرتقالية" تنم عن عدم فهم ووعي لما يحدث!
نتحدث اليوم عن ثلاثة تجمعات ناجحة خططت لها قوى طلابية من داخل جامعة الكويت، والجامعات والمعاهد الخاصة منذ مدة، وموظفين من خارج الرحم الطلابي وهي بالمناسبة لم تكن من الترتيبات التي رافقت قضية الدوائر الانتخابية إذ إن التواصل الشبابي عبر الحوارات الفكرية وإقامة الندوات والتأثر ببعض أساتذة الجامعة الذين يعون مهنة الأستاذ الجامعي على حقيقتها، والانفتاح على قضايا البيئة وحقوق الإنسان والديمقراطية وثقافة التسامح، كل ذلك كان سابقا على ترتيبات اليوم الخاصة بالتحرك نحو تعديل نظام الدوائر الانتخابية والقاضي بتقليصها·
منيت الحركة الطلابية طوال عقد وأكثر من الزمن بهزيمة داخل الحرم الجامعي وفي أوساط الطلاب، ولذلك أسباب كثيرة، لسنا هنا في وارد مناقشتها، لكن ثمة تغيير يحدث على السطح مصدره إنشاء عدد من الجامعات الخاصة والتي ربما يختلف الوسط الطلابي فيها قليلا عما هو في جامعة الكويت، فهذه الجامعات تطلب رسوما لأي راغب في الدراسة فيها على عكس جامعة الكويت والتي هي جامعة "الحكومة" اختصارا!
وفي أوساط طلابية كالتي تتمثل في الجامعات الخاصة يصبح التلاقي بين الجنسيات الأخرى والطلبة الكويتيين أكثر تهيئة· كما أن هذا التلاقي يؤدي الى "تداول الأفكار والهموم" ما يؤثر لاحقا على انفتاح كل من الطرفين على الآخر والخروج من الدوائر الضيقة في التفكير والتعامل مع المحيط، ولا يمكن الجزم بأن هذه الرؤية هي الوحيدة لتفسير ما يحدث لكن الأجواء التي تتيح التعرف على الغير والمختلف تخلق إنسانا مختلفا في كل شيء·
التجمع الشبابي "البرتقالي" الذي يقوده مجموعات منظمة من الطلاب والطالبات والموظفين والموظفات، يبدو في نظر البعض بذرة صالحة لتحريك الكثير من القضايا الكامنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، هذا إن كان هناك وعي من قبل هؤلاء الشباب بالدور المطلوب منهم، بمعنى، أن تمنيات المراقبين تنصب نحو استمرار هذا التجمع لتشكل حركة كامنة وجاهزة لتحريك الشارع لأي فكرة مطلبية، وألا يكون موضوع الدوائر الانتخابية هو أجندتهم الوحيدة، بالطبع هناك تساؤلات كثيرة يثيرها البعض ممن تفاجأ بالـ "تي شيرت" البرتقالي أمام شاطئ مجلس الأمة، بعد أن كان يسمع عن شيء شبيه في أوكرانيا، حيث انطلقت الثورة البرتقالية ضد السلطة بوقود الطلبة ناصبي الخيام ومفترشي الطرقات·
التساؤلات، هنا في الكويت، تدور حول: من هؤلاء؟ ومن يحركهم؟ وهل تقف بعض التنظيمات السياسية وراءهم وتمولهم؟ أسئلة أخرى نجد أن محاولات البحث عن أجوبة حولها لا تعدو كونها مضيعة للوقت، فأن تكون الإجابات كلها معروفة، أو أن لا تكون الأمور مرتبة سلفا فلا يغير في الموضوع شيئا· وسيظل أمامنا أن نؤكد أن ثمة تغيير يحدث في المجتمع يقوده شباب يعي السياسات الحكومية ونمط المواجهة البرلماني المريض تجاهها·
استطاع هؤلاء الشباب عبر نومهم ليلة أمام مجلس الأمة أن يثيروا حفيظة عدد من النواب الذين خرجوا من مؤسستهم ليتواصلوا مع هؤلاء في الجهة المقابلة من شارع الخليج العربي، وأصبح مفترشهم الذي أطلق عليه "ساحة الحرية" منبرا لمن يريد من النواب الحديث عن موقفه تجاه ملف الدوائر الانتخابية، واستطاع الطلاب في نهاية الأمر وعبر الترتيب لأكثر من تجمع بعد تظاهرة "المبيت" أن يجمعوا كل التيارات السياسية والتشكيلات الاجتماعية في الكويت "بالغصب، بالرضا، بالإحراج، لا فرق"، وهذه هي نتيجة عمل "الأطفال" كما قال بعض "الجهال" عنهم!!
شيء ما في الكويت يحدث! نعم، ليس على صعيد الشباب البرتقالي، بل على جبهات أخرى، فلقد بدأ حزب الأمة ذو التوجه الديني خطوته الجريئة بإشهار تنظيمه كحزب، وتعرض للمساءلة القانونية التي أسفرت عن أن ما قام به ليس جريمة يعاقب عليها القانون، وهذا هو عين التناغم مع روح الدستور في جزئيه الأحزاب والتشكيلات السياسية التي تركت لتطور المجتمع، وها هو يتطور·· ثم جاءت قضية الحكم القضائي الذي أكد عدم دستورية قانون التجمعات إثر قضية رفعها مواطنون تضرروا من هذا القانون، وثمة كتاب صحافيون بدأوا يكتبون عما يعتبره كثيرون من داخل السلطة وخارجها بأنه خطوط حمر، الكل ينظر مقالاتهم بفارغ الصبر، ولا ننسى هنا الحركة المطلبية التي قادها موظفو الدولة لترسيخ نقاباتهم وعامليهم، ولا نستطيع تفويت قراءة "أحلام الشباب" الجميلة في صفحات جريدة القبس الجامعية والشبابية، فكم هم شفافون وأنقياء، والأمور لديهم واضحة· هذه التحركات والتغييرات تحدث خارج رحم الجمعيات الأهلية التقليدية التي ماتت عبر عقدين وأكثر من الزمن بفعل أمراض استشرت في جسم العمل الأهلي، جمعيات النفع العام إلا ما ندر ماتت منذ زمن ولم يعد لها وجود، وهي إن انتفضت ولدت "بيانا" صحافيا، ولذلك أدار الناشطون من الشباب ظهورهم لها ولم يعد مغريا اليوم أن تكون عضوا في جمعية، فالوجوه لم تتغير منذ سنين·
لكن ثمة خطر يجب أن يعيه هؤلاء الشاب، فإن هم أرادوا أن يواصلوا طريق "الوعي" فيجب عليهم الحذر من أن يأتي الغير "ويا كثرهم" ليمتطي جهدهم ويرفع صوته ويغني وينشد بالإنابة عنهم، وبوادر ذلك "ربما" بانت· ما نتمناه أن يحذر الشباب من أي تدخل أو مساهمة، خاصة المادية منها من الغير، وإن حصل فيجب أن لا تكون بشروط·
الزمام·· زمام كل حشد، وكل موضوع يجب أن يكون بيدكم أنتم، يجب أن تظل الحركة برتقالية دوما وأبدا·