الشارقة 16
د· نادر القنّة
إن أيام الشارقة المسرحية بوصفها فعلا ثقافيا مهرجانيا إماراتيا··· تجاوزت دائرة الانغلاقية المحلية، عبر ما تطرحه من أسئلة مشروعة مقلقة تمس صميم الراهن، وتلقي بظلالها نحو آفاق مستقبلية استشرافية·
أسئلة محفزة على البحث والاستقصاء وتجاوز ما هو سائد ودارج، حيث ستظل مشروعا ثقافيا قوميا ناجحا، وناضجا، بكل ما تشير إليه هذه المعاني من دلالات، كما ستظل علامة مضيئة في فضاءات تاريخ ثقافتنا المعاصرة، بعد موجات متتالية من الانتكاسات والانهيارات التي أصابت بنية العقل العربي المنتج للثقافة والمعرفة··· وهي ذاتها التي أصابت أيضا عواصمنا الثقافية ومدننا المعرفية وجردتها من كل مقومات الإنتاج الثقافي والمعرفي والحضاري، حتى صارت طاردة للحراك الثقافي والعلمي·
فمما لا شك فيه أن حضور النخب الثقافية المسرحية الخليجية والعربية لوقائع أيام الشارقة المسرحية من شأنه إثراء طبيعة هذه الأيام، وتفعيل برامجها وأنشطتها الثقافية والفنية والفكرية بشكل ديناميكي على النحو الذي يتوازى ومستويات الطموح المعلنة·
من الواضح أن أيام الشارقة المسرحية حققت في هذه الدورة إنجازا ثقافيا مسرحيا مهما تجسد بتلك الإرادة البشرية الخلاّقة على استمرار المهرجان مهما تضاعفت التحديات، وتشعبت العثرات· فالفنان الإماراتي صارت لديه قناعة راسخة أن هذه الأيام هي نافذته الشرعية نحو التطوير والابتكار والاشتغال، ونحو إقامة علاقات ثقافية مع الآخر، بتعددية هذا الآخر، وبالتالي فهم دوره وموقع قدمه على وفق سياسة ما يقدمه هذا الآخر من نتاجات مسرحية تعنينا·
وفوق هذا وذاك، فإن هذه الدورة سجلت نجاحا ملحوظا في إطلاق عروض مسرحية من حاضنتنا البيئية والشعبية والاجتماعية، الأمر الذي جعلها أكثر قربا من وعي المتلقي، ومن وجدانه، ومن خصوصيته··· حيث حققت معادلة "المسرح والجمهور علاقة تجاور لا تنافر" فأحب المتلقي هذه النوعية من التجارب، وهضم بساطتها وشفافيتها من غير تعقيدات، بل جعلته يسهر حتى منتصف الليل وهو يتابع محاكمتها نقديا وأدبيا من قبل أهل الاختصاص· لتزداد علاقته بالمسرح فرجة، وثقافة، ووعيا، واهتماما·
fonon@taleea.com