
· إلحاق الديوان بمجلس الأمة رمزي فهو مستقل بالمعنى الصحيح
· مبدأ الحيادية يرتب أن يكون الديوان عونا للحكومة والمجلس
· 3 ملاحظات على اقتراح النواب... أهمها غموضه وإبهامه
كتب سالم العبيدان:
في جلسته المنعقدة بتاريخ 26 ديسمبر 2005 وافق مجلس الأمة على الاقتراح بقرار المقدم من بعض أعضاء مجلس الأمة بأحقية أعضاء مجلس الأمة أن يطلبوا من خلال رئيس المجلس أي بيانات أو معلومات أو مستندات عن سير العمل بديوان المحاسبة استنادا الى المبررات الثلاثة الآتية:
1 - أن الديوان ملحق بمجلس الأمة بنص المادة (151) من الدستور·
2 - أن استقلالية الديوان تتعلق بممارسته لاختصاصاته الرقابية دون ما يخص سير العمل بالديوان وشؤونه الإدارية والمالية·
3 - إن حرمان الأعضاء من البيانات يعني أن الديوان لا يخضع لأي رقابة من أي نوع·
إلا أن رد الديوان تضمن عددا من المحاور للرد على القرار المبين وبيان مخالفته لنص المادة (151) من الدستور· وفيما يلي التفصيل:
أولا: استقلالية ديوان المحاسبة كهيئة رقابية وفقا لأحكام الدستور وقانون إنشائه:
من حيث أن المادة (151) من الدستور قد نصت صراحة على استقلالية الديوان، وهو ما أفصحت عنه صراحة محاضر اجتماعات لجنة الدستور والمجلس التأسيسي والتي تعد جزءا لا يتجزأ من أحكام الدستور، وإن كان قد جرى النص على إلحاق الديوان بمجلس الأمة، فهو يعني بذلك الإلحاق الرمزي وليس التبعية الإدارية أو سلطة الإشراف على أعماله، وتأكيدا على ذلك ما جاء صراحة بمحاضر اجتماعات لجنة الدستور والمجلس التأسيسي، عند مناقشة حكم المادة (151) من الدستور لتحديد الجهة التي يلحق بها ديوان المحاسبة - مجلس الوزراء أو مجلس الأمة - إذ جاء ما يلي:
(وجدت اللجنة أن هذا الديوان يجب أن يكون مستقلا تمام الاستقلال، وأن تبعيته بعد ذلك يجب أن تكون مجرد إلحاق رمزي وليس تبعية بالمعنى الصحيح، فإذا كفل الدستور استقلاليته بنص الدستور أصبح إلحاقه بمجلس الوزراء أو بمجلس الأمة مسألة أقرب من أن تكون رمزية منها الى أن تكون تبعية بالمعنى الصحيح، ولذلك رأت اللجنة أن تؤكد على استقلالية الديوان عن كل من الجهتين وما دام النص الدستوري على استقلالية الديوان تبقى التبعية بعد ذلك تبعية رمزية)·
وعليه جاء النص (ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون استقلاله، ويكون ملحقا بمجلس الأمة··)·
المقصود بالاستقلالية:
هذا ويقصد باستقلالية الديوان كهيئة للرقابة المالية، كما هدف بذلك المشرع الدستوري هي استقلاليته عن كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية في مباشرته لاختصاصاته الرقابية، وكذا استقلاليته في إدارة شؤونه وشؤون موظفيه، لتوفير الطمأنينة والأمان لهم في مزاولتهم لمهامهم دون تأثير عليهم أو تدخل في أعمالهم بأي وجه كان·
وغني عن البيان أن الاستقلالية التي منحها الدستور للديوان لا تتجزأ، إذ لا يمكن فصل استقلاليته في مزاولته لمهامه الرقابية عن استقلاليته في إدارة شؤونه وشؤون موظفيه، إذ لا يجوز الفصل بينهما فاستقلالية الرقابة تلزم وتستوجب استقلالية القائمين عليها، إذ إن إهدار استقلاليته في الإدارة وفي شؤون موظفيه يترتب عليها حتما وأثرا لها العصف باستقلاليته الرقابية مما يفرغ الاستقلالية التي منحها له الدستور من مضمونها، ومما يؤكد ويؤيد ذلك ما كفله المشرع في أحكام القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء الديوان من استقلالية تامة وكاملة للديوان في شؤونه وشؤون موظفيه على النحو الذي سيرد فيما بعد·
نفاذا لأحكام الدستور وعملا بمقتضاه صدر القانون رقم 30 لسنة 1964 بإنشاء ديوان المحاسبة، وقضى في حكم المادة الأولى منه بأن الديوان هيئة مستقلة للمراقبة المالية، وذلك تكريسا لأحكام الدستور·
إذ حرص القانون رقم 30 لسنة 1964 على تأكيد استقلالية الديوان في إدارة شؤونه وشؤون موظفيه، فمنح رئيس الديوان الاختصاص في إصدار الهياكل التنظيمية لإدارات ومراقبات وأقسام الديوان وتحديد عددها واختصاص كل منها (م4)، كما منح رئيس الديوان السلطات التي تساعده على تحقيق الاستقلالية، وذلك بالنص على ولايته دون غيره في الإشراف الفني والإداري على أعمال الديوان وموظفيه وإصدار اللوائح والقرارات اللازمة لتنظيم الديوان وإدارة أعماله (36)، كما خوله بالنسبة لموظفي الديوان كل الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح للوزير بالنسبة الى موظفي وزارته وله السلطة المخولة لوزير المالية في تنظيم وإدارة أعمال الديوان، وبالجملة في كل شؤون التوظف (م41)· والكثير من الأحكام الأخرى التي عددها القانون والتي منحت الديوان الاستقلالية في شؤونه وشؤون موظفيه وفي مباشرته وأدائه لاختصاصاته الرقابية· ومنها ما قضت به المادة (م47) من إنشاء لجنة عليا لشؤون موظفي الديوان برئاسة رئيس الديوان تختص دون غيرها في شؤون موظفي الديوان بكل الصلاحيات التي تخولها القوانين واللوائح لمجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية في شؤون التوظف بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين·
وترسيخا لاستقلالية الديوان وعدم تبعيته لأي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية كهيئة للرقابة المالية ليقدم يد العون لكل من السلطتين، أشرك المشرع كلا من مجلس الأمة ومجلس الوزراء في إجراءات تعيين رئيس الديوان (م34)، وسار على النهج ذاته في إجراءات تعيين نائب لرئيس الديوان (م37) وفي تعيين كل من وكيل الديوان والوكلاء المساعدين (م38) والحكمة من ذلك حتى لا تنفرد أي من السلطتين بإجراءات التعيين، تأكيدا على جعل الديوان هيئة رقابية في مرتبة وسط ما بين السلطتين كجهاز رقابي معاون لكل منهما·
وتأكيدا وحرصا على إضفاء الحماية الخاصة لموظفي الديوان الفنيين ووظائفه القيادية أفرد لهم المشرع نظاما تأديبيا خاصا بهم بأن أسند محاكمتهم تأديبيا الى مجلس تأديب خاص بهم (م49)، كما حظر المشرع عزلهم بغير الطريق التأديبي (م49) إلا بضمانات خاصة أوضح إجراءاتها ورسم قواعدها·
وإمعانا في منح الديوان الاستقلالية أفرد المشرع لديوان المحاسبة خصوصية خاصة في إعداد ميزانيته، إذ إنه أطلق لرئيس الديوان بالاتفاق مع رئيس مجلس الأمة الحرية الكاملة في إعدادها بأبوابها وبنودها، ويدرج وزير المالية مشروع الميزانية كما وردت له دون تعديل تحت قسم خاص بالميزانية العامة للدولة·
وإذا تضمن المشروع زيادة على مجموع اعتمادات العام السابق، جاز لوزير المالية، عرض الأمر فيما يتعلق بالزيادة على مجلس الأمة للبت فيه (م75)·
والحاصل في ضوء ما تقدم جميعه أن إرادة المشرع بدءا من الدستور وحتى قانون إنشاء الديوان قد أفصحت جهارا على استقلالية ديوان المحاسبة كهيئة رقابية، وأن إلحاقه بمجلس الأمة مجرد إلحاق رمزي وليس تبعية بالمعنى الصحيح، ويقصد بالاستقلالية، استقلاليته في مزاولته اختصاصاته الرقابية، واستقلاليته في إدارة شؤونه وشؤون موظفيه إذ لا يجوز فصل أي منهما عن الآخر، وإلا يعد ذلك تفريغا للنص الدستوري من مضمونه وفحواه، والحكمة من ذلك أن يكون الديوان بمنأى عن التدخل في شؤونه وشؤون موظفيه، وما يترتب على ذلك من تأثير في اختصاصاته الرقابية·
ثانيا: حيادية ديوان المحاسبة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية:
إرادة المشرع بدءا من الدستور ثم قانون إنشاء الديوان رقم 30 لسنة 1964، قد حرصت كل الحرص على حياد ديوان المحاسبة كهيئة رقابية بين كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في مزاولته لأعماله الرقابية دون أن تتأثر أو تسيطر عليه سلطة دون أخرى، ليعاون كل منها في إحكام الرقابة على الأموال العامة دون تأثير أو ولاء لأي منهما، ومن مظاهر حيادية الديوان بين السلطتين ما يلي:
1 - ما قضت به المادة (151) من الدستور من أن الديوان يعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها، ويقدم الديوان لكل من الحكومة ومجلس الأمة تقريرا سنويا عن أعماله وملاحظاته·
(م151 دستور)
2 - إشراك كل من مجلس الأمة ومجلس الوزراء في إجراءات تعيين رئيس الديوان ونائب لرئيس الديوان وفي إجراءات تعيين كل من وكيل الديوان والوكلاء المساعدين·
(م34، م37، م38)
وهذا يعد ترسيخا لحيادية الديوان بين كل من السلطتين، وحتى لا تنفرد أي من السلطتين بإجراءات التعيين، ليكون المنصب بمعزل عن الولاء والتبعية لأي منهما·
3 - ما أجازه المشرع لكل من مجلس الأمة ومجلس الوزراء، بأن يعهدا الى الديوان القيام بفحص ومراجعة كل حساب أو عمل آخر·
(المادة 25)
مما يدلل على أن ديوان المحاسبة كهيئة للرقابة المالية يعاون كل من السلطتين في حيدة تامة في إحكام الرقابة على الأموال العامة·
4 - يقدم رئيس الديوان الى كل من رئيس الدولة ومجلس الأمة ومجلس الوزراء ووزير المالية تقريرا سنويا عن كل من الحسابات الختامية لكل من الدولة والهيئات والمؤسسات العامة التي تربط ميزانيتها بقوانين، وتقريرا في المسائل التي يرى رئيس الديوان بأنها بدرجة من الأهمية والخطورة التي تستدعي نظرها·
(المادة 22)
ويتبين من ذلك أن ديوان المحاسبة عون لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في بسط الرقابة على المال العام، وهو على الحياد بينهما، دون تمييز ما بين سلطة وأخرى ومن ثم فإن محصلة ونتاج أعماله تعرض على كل من السلطتين·
5 - إن اللجنة العليا بالديوان التي أسند لها المشرع بالنسبة لموظفي الديوان كل اختصاصات مجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين، يشترك في عضويتها ممثلون لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية·
(المادة 47)
ولا شك في أن ما قرره المشرع من اشتراك كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية بعدد مساو ممثلا عن كل منهما في عضوية اللجنة العليا للديوان، وهي اللجنة التي اختصها المشرع باختصاصات على درجة عالية من الأهمية، يدلل على مراعاة المشرع الحيادية بين السلطتين·
ومن حيث إن الثابت من سياق ما تقدم أن المشرع نفيا لتبعية الديوان لأي من السلطتين ولدواعي تطمين كل منهما بعدم التدخل في أعمال الديوان والتأثير عليه، قد حرص كل الحرص على حيادية الديوان بين السلطتين، حتى يقوم بعمله في اطمئنان بعيدا كل البعد عن كل المؤثرات وليتوافر له ولقياداته ولموظفيه الطمأنينة بما يمكنهم من تأدية أعمال وظائفهم على خير وجه بعيدا عن الصراعات، ليكون الديوان عونا لكل من السلطتين في حياد تام حتى تصدر تقاريره وأعماله مصفاة من شوائب الميل ومعصومة من شبهات التدخل·
ثالثا: علاقة ديوان المحاسبة بمجلس الأمة كهيئة رقابية معاونة على النحو الذي رسمه الدستور والقانون:
كما سبق البيان أن المادة (151) من الدستور قضت صراحة باستقلالية الديوان على النحو الثابت بالنص الدستوري وبمحاضر اجتماعات لجنة الدستور والمجلس التأسيسي والتي تعد جزءا لا يتجزأ من أحكام الدستور، وذلك حماية له من التدخل في شؤونه واختصاصاته حتى يستطيع أن يقدم يد العون والمساعدة "كهيئة رقابية" لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية دون افتئات أو تعد على استقلاليته، وحتى يكون الديوان عونا لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية رسم القانون وحدد وحصر اختصاصات وسلطات كل من السلطتين إزاء الديوان، إذ إن القاعدة الأصولية أنه لا يجوز مزاولة أو مباشرة اختصاص إلا بموجب قانون يقره ويحدده ولا تمارس ولاية عامة إلا بشروطها وفي نطاقها المعين وبالقيود الضابطة لها·
فالدستور والقانون هما اللذان يحددان الاختصاصات، ولا يجوز مخالفة ذلك أو الالتفاف عليه، وقد حدد وحصر القانون رقم 30 لسنة 1964 اختصاصات مجلس الأمة حيال ديوان المحاسبة على سبيل الحصر·
هذا ويمكن حصر ما منحه المشرع للسلطة التشريعية من اختصاصات حيال ديوان المحاسبة في الآتي:
1 - أشرك المشرع مجلس الأمة في إجراءات تعيين رئيس الديوان ونائب لرئيس الديوان، وسار على النهج ذاته في إجراءات تعيين كل من وكيل الديوان والوكلاء المساعدين·
(م34، م37، م38)
2 - ما أجازه المشرع لمجلس الأمة بأن يعهد الى الديوان القيام بفحص ومراجعة كل حساب أو عمل آخر·
(المادة 25)
3 - يقدم رئيس الديوان الى مجلس الأمة تقريرا سنويا عن كل من الحسابات الختامية لكل من الدولة والهيئات والمؤسسات العامة التي تربط ميزانيتها بقوانين، وتقريرا في المسائل التي يرى رئيس الديوان أنها بدرجة من الأهمية والخطورة التي تستدعي نظرها (المادة 22 من القانون 30 لسنة 1964)، وكذا تقريرا عن العمولات وفقا لأحكام القانون رقم (25) لسنة 1996)، والذي يقدم الى مجلس الأمة، وتقريرا بشأن الأموال المستثمرة وفقا لأحكام القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة·
4 - يمثل في عضوية اللجنة العليا لشؤون موظفي الديوان المنصوص عليها في حكم المادة (47) من قانون الديوان - وهي اللجنة التي أسند لها القانون اختصاصات مجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية - ممثلين عن السلطة التشريعية·
(المادة 47)·
5 - يضع رئيس الديوان مشروع ميزانية الديوان بالاتفاق مع رئيس مجلس الأمة·
(المادة 75)·
6 - لمجلس الأمة أن يدعو رئيس الديوان لحضور جلساته التي تناقش فيها تقارير الديوان·
(المادة 84)·
7 - يخطر رئيس الديوان رئيس مجلس الأمة قبل قيامه بإجازته السنوية·
(المادة 86)
رابعا: مزاولة الديوان لأعماله الرقابية "كهيئة رقابية" وسلطات الرقابة عليه:
بادئ ذي بدء يتعين توضيح وبيان أن ديوان المحاسبة، لا يقوم بأي دور تنفيذي، ودوره رقابي فقط، وليس له السلطة في إصدار قرار ملزم لأي جهة من الجهات الخاضعة للرقابة، وأناط القانون به اختصاصات رقابية فقط ومنحه الوسائل الكافية للقيام بها، ومحصلة نتاج أعماله هي التقارير التي يقدمها الى كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومع ذلك فإن أعماله تتم في نطاق من المشروعية أي طبقا لأحكام القانون الذي ينظمها ويضع ضوابطها ومن بين هذه الضوابط الآتي:
1 - يضع رئيس الديوان مشروع ميزانية الديوان بالاتفاق مع رئيس مجلس الأمة·
2 - أن تقارير الديوان وهي محصلة أعماله من الفحص والتدقيق على الجهات الخاضعة لرقابته، تقدم الى السلطتين التشريعية والتنفيذية·
3 - أن لمجلس الأمة أو لمجلس الوزراء أن يعهدا الى الديوان القيام بفحص ومراجعة كل حساب أو عمل آخر·
4 - أن اللجنة العليا للديوان يمثل فيها كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية·
5 - أن المشرع في حكم المادة (82) من قانون إنشاء الديوان أناط بوزارة المالية مراجعة مستندات وحسابات ديوان المحاسبة·
ومن هنا يبين أن القانون قد تكفل بوضع الإجراءات والضوابط الخاصة بضبط سير العمل بالديوان·
خامسا: اختصاصات السلطة التشريعية ووسائلها في ممارستها طبقا لأحكام الدستور:
1 - مبدأ الشرعية:
من المبادئ الأساسية والراسخة في القانون الدستوري، مبدأ الشرعية، وهو في أبسط تعريف له هو خضوع سائر السلطات بالدولة - التنفيذية والتشريعية والقضائية - للقانون بدءا من الدستور ثم القواعد التشريعية الصادرة من السلطة التشريعية، فالقواعد اللائحية فالقرارات، وهو ما يطلق عليه سيادة القانون، أي خضوع سائر سلطات الدولة للقانون طبقا للتدرج التشريعي·
وهذا المبدأ يعد من المبادئ الدستورية التي تحرص كل الدساتير في الدول الديمقراطية على احترامه، وتأتي قواعده وأسسه العامة في صدر الوثيقة الدستورية وفي الدستور·
وقد نص الدستور الكويتي على مبادئ أساسية عدة لضمان مبدأ الشرعية، ومنها حكم المادة السادسة من الدستور والتي تقضي بأن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور·
ومبدأ الشرعية يلزم كل سلطات الدولة، بأن تلتزم كل سلطة في تصرفاتها المادية والقانونية بأحكام القانون حسب التدرج التشريعي، فالقانون يتعين أن لا يخالف قاعدة أو مبدأ دستوري، واللائحة لا تخالف قانونا، والقرار مهما كانت السلطة التي أصدرته يتعين أن يكون متفقا مع أحكام الدستور ثم القانون، والسلطة التشريعية ملتزمة بمبدأ الشرعية، فعليها أن لا تصدر قانون مخالفا للدستور أو تصدر قرارا أو أي عمل مخالف للدستور أو القانون وإلا اتسم القانون أو القرار أو العمل المخالف بالبطلان·
2 - مبدأ الفصل ما بين السلطات:
لكي تسير مصالح الدولة سيرا حسنا يتسم بالمشروعية ولضمان الحريات الفردية والحيلولة دون الاستبداد، فإنه كان من اللازم أن لا تركز السلطات كلها في هيئة واحدة، حتى وإن كانت هذه الهيئة هيئة نيابية تعمل باسم الشعب - البرلمان - لذلك تقرر مبدأ الفصل ما بين السلطات وذلك بتقسيم وظائف الدولة الى وظائف تشريعية وتنفيذية وقضائية، وعدم جمع هذه الوظائف في هيئة واحدة وذلك لمنع الاستبداد وصيانة الحريات·
وإن كان مبدأ الفصل ما بين السلطات من المبادئ العامة في القانون العام وتحرص عليه الدساتير ضمنيا وذلك بتحديدها السلطات في الدولة مع بيان وحصر اختصاص كل منها وعلاقة كل منها بالأخرى إلا أن الدستور الكويتي هو الدستور العربي الوحيد الذي واجه مبدأ فصل السلطات صراحة إذ نصت المادة (50) منه على: "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور"·
وبين الدستور وحدد بوضوح وإفصاح جهير اختصاصات كل سلطة والعلاقة المتبادلة ما بين السلطات في الدولة·
اختصاصات السلطة التشريعية:
اختص الدستور السلطة التشريعية بوظيفتين الأولى تشريعية وهي سن القوانين كقواعد عامة مجردة لها صفة الإلزام، والثانية رقابية وهي رقابة أعمال السلطة التنفيذية (الحكومة)، وحدد وبين وسائلها في ذلك على سبيل الحصر: وهي السؤال، وطرح موضوع عام للمناقشة، وتأليف لجان تحقيق، والاستجواب وطرح الثقة بالوزير، وكذا سلطة الموافقة المسبقة على عقود الالتزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة، فضلا عن الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة والحساب الختامي للدولة·
ومن بين أوجه الرقابة البرلمانية حق السؤال، الأمر الذي يتعين معه بيان المقصود بالسؤال وشروطه ومقوماته وفقا لحكم المادة (99) من الدستور ومدى صحة انطباقها على القرار المشار إليه، وذلك على التفصيل الآتي:
جاء نص القرار كالتالي: "لأعضاء مجلس الأمة أن يطلبوا من خلال رئيس المجلس أي بيانات أو معلومات أو مستندات عن سير العمل في ديوان المحاسبة، وعلى رئيس الديوان الاستجابة لهذه الطلبات"·
ويتبين من النص السابق ما يلي:
- أن الطلب يتعلق بسير العمل بالديوان، وليس بموضوع عام وهو يتعلق بإدارة شؤون الديوان وأعماله·
- أن الطلب لم يقتصر على السؤال بل جاء بطلب مستندات·
- أن القرار لم يحدد الموضوعات محل الطلب وترك ذلك للمجهول أي جاء الطلب يكتنفه الغموض والإبهام وعدم التحديد والبيان·
ومن حيث أن المادة (99) من الدستور تنص على أنه "لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه الى رئيس مجلس الوزراء والى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة"·
واستقر الفقه وأحكام المحكمة الدستورية على أن المقصود بالسؤال البرلماني والهدف منه وغرضه الأساسي هو طلب بيانات أو استفهام أو استفسار أو استيضاح عن أمر يجهله السائل أو توجيه نظر الى أمر من الأمور أو التحذير من تصرف ما أو درء خطر يتوقع حصوله·
وهناك شروط ومقومات للسؤال يتعين توافرها، ومن أهم هذه الشروط والمقومات ما يلي:
1 - بالنسبة لطرفيه وفقا لصريح حكم المادة (99) من الدستور أن يكون طرفاه عضو المجلس ورئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء من أعضاء مجلس الوزراء·
2 - أن يكون السؤال محددا وواضحا ومفهوما وغير مجهل·
3 - أن يكون السؤال مختصا بشأن عام أو مسألة عامة·
4 - أن لا يتضمن السؤال اتهام أو كيد أو انتقام·
5 - ليس من بين السؤال إلزام المسؤول بأن يقدم مستندات أو أوراق أو وثائق لصحة إجابته - إلزامه بذلك يحول السؤال الى اتهام أو تحقيق في غير أوضاعه الدستورية-·
6 - الرقابة التي يمارسها المجلس عن طريق الأسئلة تتم داخل المجلس وتحت قبته·
فإذا فقد السؤال أيا من الشروط والمقومات سالفة الذكر، لا يعد سؤالا وفقا لحكم المادة (99) من الدستور، ولا يعتد به لمخالفته لأحكام الدستور·
وبتطبيق ما تقدم من شروط على القرار سالف الذكر، يكون الثابت أن ما تضمنه القرار يخرج عن مفهوم السؤال وشروطه لتخلف كامل مقوماته وشروطه وأهمها: أطراف السؤال إذ إن رئيس الديوان لا يعد عضوا بمجلس الوزراء، كما أن ما تضمنه القرار جاء مبهما ومجهلا وغير معلوم مسبقا، بالإضافة الى افتقاده عمومية الهدف والغرض أي عدم تعلقه بشأن عام، وتركيزه على أمور خاصة وهي سير العمل في الديوان وإدارته· وكذا إلزامه بتقديم مستندات أو أوراق وعدم طرح السؤال في حينه تحت قبة البرلمان·
وعليه فإن ما تضمنه القرار سالف البيان، يخرج عن مفهوم السؤال وفقا لحكم المادة (99) من الدستور ويعد مخالفا لصريح حكمها·