رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء غرة صفر 1427هـ - 1 مارس 2006
العدد 1717

الانتقالة العظمى للثروة والسلطة الى الشرق
الظل الصيني

                                                                            

 

 

·        القرن الحادي والعشرون يتحول من حلم "بقرن أمريكي" الى "كابوس صيني"

·     أمريكا تراقب بقلق وارثها المحتمل ذا الخطوات المتأنية، وهي تسارع إلى إقامة المتاريس

·      السؤال: هل سيكون بزوغ الصين  كدولة عظمى سلمياً أم عنيفاً؟

·      تنبأ بول كيندي بانحدار أمريكا، ويبدو أن نبوءته تأخذ طريقها وتهبط الى أرض الواقع

 

روبرت سكد لسكي*

فجأة أصبح "بزوغ" الصين الموضوع الرئيس والشغل الشاغل لأولئك المعنيين مهنياً بمستقبل كوكب الأرض، هل سيكون القرن الحادي والعشرون قرنا صينياً، وإذا كان الأمر كذلك، بأي معنى؟ هل سيكون صعود الصين سلمياً أم عنيفاً؟ وكيف سيؤثر هذا على الولايات المتحدة، القوة العظمى الحالية؟ الصين في الحقيقة كانت آخذة "بالبزوغ" منذ زمن، بعد بضع مئات السنين من "السقوط"، إلا أن الانتباه إليها عتمت عليه أحداث أكثر إثارة، فقد تركز الانتباه في التسعينات على سقوط الشيوعية السوفييتية و"العولمة" وانتشار الديمقراطية، والثورة التقنية المعقدة· وبدأ أن هذه التطورات التي تركت أمريكا كقوة عظمى وحيدة اقتصاديا وسياسياً، تكذب نبوءة "بول كيندي" بالانحدار النسبي للولايات المتحدة الأمريكية، وبنظام "عالمي متعدد الأقطاب"· في كتابه "نهوض وسقوط القوى العظمى" (1987)·

لقد أظهر الهجوم على مركز التجارة العالمي في العام 2001، جنبا الى جنب مع الانهيار المتزامن لفقاعة التقنية المعقدة، هشاشة أمريكا، ولكن هذه الهشاشة وضعت عليها قناعاً إدارة بوش بنشاطها غير المعتاد، وزرعت "الحرب على الإرهاب جيوشاً أمريكية في أفغانستان والعراق، وخلف فوائض كلينتون عجز الميزانيات في عهد بوش لإنقاذ الاقتصاد وتمويل العمليات العسكرية· ولكن في ضوء مغامرة العراق المتعثرة وتضخم العجز في الموازنة، أعاد الإحساس بالانحدار النسبي تأكيد نفسه· وعلى خلاف العام 1987، هناك الآن مرشح واضح للخلافة ألا وهو الصين، وكان هذا وارداً بخاصة مع اعتماد الولايات المتحدة على الصين في التسوية المصرفية لعجز ميزانها التجاري الهائل، وتراجع وانحسر الحلم بـ "قرن أمريكي" ليحل محله كابوس "قرن صيني"

عودة الميزان الى الشرق

التركيز على الصين جاء متأخرا، فقد كان اقتصادها طيلة آخر ربع قرن ينمو بنسبة %9 سنويا، ويتزايد في ثمانية اتجاهات، ولكن ليس معدل النمو العالي الطويل الأمد هذا هو ما يدهش ويروع المراقب فقط، بل هو حجم الاقتصاد الآخذ بالنمو، فعدد سكان الصين رسمياً يقدربـ 1.3 بليون نسمة، وربما هو أكبر، إنه خمس سكان العالم مجتمعين· وهذاهو ما يجعل جهودها أكثر أهمية، لنقل، من صعود اليابان في الستينات، فمن وجهة نظر اقتصادية فإن يدها العاملة الرخيصة أكثر وفرة، وهكذا فإن ميزة تكاليفها لن تتوقف عند حد قريبا·

إن حجم الاقتصاد ذو أهمية جلية أيضا في معايير القوة· الاقتصاد الصيني، بتعابير القوة الشرائية للشعب الصيني يبلغ تقريبا ثلثي حجم الاقتصاد الأمريكي· فإذا  واصلت الصين النمو بنسبة %9 سنويا، فستلحق بالولايات المتحدة في العام  2014· ويعتقد "لي كوان يو" السنغافوري أن صعود الصين سينقل ويعيد ميزان القوة الى الشرق لأول مرة منذ وصول المراكب البرتغالية إلى هناك في القرن السادس عشر·

نمو الصين، بسبب حجمها فقط، يميل الى خلق مشاكل لها وللآخرين على حد سواء، ومن وجهة نظر القيادة الصينية، المشكلة الرئيسية هي كيفية الحفاظ على التماسك الاجتماعي في خضم الغليان الاجتماعي - الاقتصادي الواسع المتواصل· وبمعزل عن التدهور البيئي والفساد المتفشي، فإن نمو الصين غير المكبوح، وغير المسيطر عليه إلى حد كبير، يخلخل استقرارها المحلي بطريقة عميقة: هناك طوفان سكاني هائل بلا أعمال أو ظائف مستقرة، وهناك تطور وفجوة في الدخل بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية يشبه بحجمه ذلك الذي بين الولايات المتحدة وشمالي إفريقيا· ووفقاً لإحدى التقديرات، فإن %30 من قوة العمل الصينية في المدن، أي 200 مليون إنسان عاطلة عن العمل أو ما دون ذلك، ومعيشة 100 مليون أخرى من العمال الزراعيين مهددة مع زيادة قواعد منظمة التجارة العالمية لاعتماد الصين على المواد الغذائىة الأجنبية· إن شبح الفوضى يخيف الحاكمين في بكين·

 

السياسة لا تنفصل

عن الاقتصاد

 

في مضمار العلاقات الدولية، القضية هي ما إذا كان تأثير الصين على العالم سيكون سلمياً أم عنيفاً، ويتبع النقاش هنا خطين· فأولئك الذين يركزون على الاقتصاد يميلون الى رؤية شراكة وتعاون وأسباب للتفاؤل رغم التوترات العديدة، بينما يبدو خبراء الأمن أكثر تشاؤما، ويتوقعون نزاعا استراتيجيا كمستقبل محتمل لنظامين سياسيين مختلفين تماماً، كما كتب أحد المعلقين الصحافيين في نيويورك تايمز (24 يوليو 2005)· كلتا وجهتي النظر يمكن أن تجد براهين لصالحها· فمن جانب، تظهر التنازلات التي أقدمت عليهاالصين للمستثمرين الأجانب والشركات الأجنبية لتدخل منظمة التجارة العالمية، استعدادا للعب وفق قواعد اللعبة القائمة، ولكن من جانب آخر، فإن شهيتها النهمة للنفط والمواد الأولية تفتح صراعاً جغرافياً - سياسياً مألوفاً للسيطرة على مصادرهما·

إن تقدمها لشراء شركة "يونوكال" (تاسع أكبر شركة نفط في الولايات المتحدة) كان عليه أن يُسحب في مواجهة رفض الكونغرس الأمريكي، والصين بوصفها البلد الوحيد الذي من المحتمل أن يعادل وزن الولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا، يتقرب منها الآن أولئك الذين يريدون تأميناً ضد الهيمنة الأمريكية، ومن جانبها، تلعب الصين دور المضيف لشخصيات من أمثال "روبرت موجابي" رئيس زمبابوي، و"إسلام كريموف" رئيس أوزبكستان، الأول الذي تراه الولايات المتحدة شخصا "كريها" والثاني الذي ترى فيه رئيسا "متوحشا"· ويتحدى صعود الصين "السلمي" القوميون الصينيون في وزارة الخارجية والمؤسسة العسكرية ومن ينتسب إليهم من الباحثين الذين يؤكدون أن الصعود السلمي يشجع تايوان على التقدم نحو الاستقلال·

على أي حال، فإن النظرية القائلة بأن العلاقات الاقتصادية هي الشكل السلمي للعلاقات الدولية، وإن الجغرافية السياسية هي الشكل الشبيه بالحرب بالغة التبسيط· إن نمو قوة الصين التصديرية (ارتفعت صادراتها الى الولايات المتحدة خلال عشر سنوات من 35 بليون دولار إلى 200 بليون دولار في السنة)، قد أنتج سلفاً درعا مع أوروبا، وتوتراً حول العملة مع الولايات المتحدة (إعادة رفع قيمة عملة الصين بنسبة %2,1 أخيرا لم يوقف اتهامات الولايات المتحدة لها بأنها تتعمد تخفيض قيمة عملتها لتحصل على مزية في التصدير)· بالإضافة الى هذا، لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة بسهولة، فالصين هي آلة عولمة وقوة عسكرية صاعدة على حد سواء؛ تاجر بوساطة جيش· وتخشى الولايات المتحدة أن يأتي بعد توسع حضورالصين الاقتصادي ويرافقه توسع لحضورها العسكري، وتميل التغيرات في التوزيع الدولي للثروة الكوكبية، حتى لو تحققت سلما، الى أن تكون لها متضمنات توزيع عالمي للقوة، ولئن كانت الصين تصعد اقتصاديا، فإن الولايات المتحدة تنحدر سياسيا، ويذكر هذا الوضع تاريخيا بسنوات التنافس التجاري الإنجلو - ألماني الذي سبق الحرب العالمية الأولى·

 

شيوعية أخرى

 

إن الاهتمام بتأثير الصين على العالم تثقله طبيعة نظامها، ولو أخذنا الهند مثالاً، فإن نموها السريع كما هو نمو الصين، بل حتى سكانها الذين يتنامى عددهم، لا تمثل بالنسبة للغرب نذير الشر  نفسه، لأنها دولة ديمقراطية، وكما يقال لنا دائما، فإن "الديمقراطيات لا تخوض حروباً ضد بعضهاالبعض"، ولقد أدى نجاح الحزب الشيوعي الصيني في الحفاظ على سيطرته السياسية على الصين الى التعتيم على الإحساس الغربي بالنصر، ذلك الإحساس الذي أثاره انهيار الامبراطورية السوفييتية، فشيوعية القرن العشرين، على خلاف ماركسية القرن التاسع عشر، حملت وعداً بالتطور الاقتصادي على حساب الحرية السياسية: "كهربة + سوفياتيات"، بتعبير "لينين"· وأينما حققت انتصاراً، كانت تقوم دولة الحزب الواحد، وتحول الاقتصاد الى جماعيات، وخضوع للتخطيط المركزي، وحين أخفق الاقتصاد الشيوعي، تفكك النظام الشيوعي تفككاً تاما في روسيا وشرقي أوروبا، أما في الصين، فقد تبنى القائد الأعلى للحزب الشيوعي "دنغ شياوبنغ" استراتيجية مختلفة، لقد أدرك أنه من أجل حماية دكتاتورية الشيوعية، فإن عليه خلق نظام اقتصادي فاعل وناجح، ومنذ العام 1978 فصاعداً، بدأ بتفكيك اقتصاد الجماعيات، وفي حين أن "ميخائيل غورباتشوف" في روسيا دمّر دور الحزب الشيوعي في محاولة فاشلة لخلق شيوعية "إنسانية" فإن صين "دنغ" قامت بالحفاظ على الدور الشيوعي باحتضان الرأسمالية· وحتى الآن نجحت صيغته نجاحاً باهراً· فلم يزد عشرات الملايين من الناس ثراءهم، كما طلب منهم "دنغ" أن يفعلوا فقط، بل إن الفقر المطلق، المحدد بالعيش على دولار واحد أو أقل في اليوم، هبط من ما نسبته %64 الى %17 بين السكان· وفي السياسة تمت السيطرة على المعلومات، وقُمع المنشقون بلا رحمة، وتم التأكيد على استمرار ما اضطلعت به الحكومة الصينية منذ العام 1949· الشعار هو: "سنمنحكم الحرية للحصول على المال، ولكن السياسة خارج هذه الحدود" وظل "ما وتسي تونغ" الذي صوّرته ينغ تشانغ وجون هاليدي في كتابهما "ماو: القصة المجهولة" كمسؤول عن موت الملايين بوحشيته واستخفافه، أيقونة الصين، وتشرف صورته الشخصية على ساحة "تيانان مين" (ساحة الآلهة)، ومازال وجهة يظهر على الأوراق النقدية، بل صارت صورته علامة تجارية تلبي احتياجات المشروعات التجارية كما لو أنه نوع من كولونيل ساندرز صيني، يعلق على المنتجات الغذائىة في واجهات المطاعم في "هونان"، مسقط رأسه، ولا يوجد هناك رفض رسمي لتراث "ماو"، حتى لو كان رفضاً من ذلك الشجب المحدود للستالينية الذي أعلنه خروتشيف في العام 1956·

إن أي غربي سيشك في إمكانية أن تستمر هذه الثنائية المكونة من حرية اقتصادية ودكتاتورية حزب· فعلى رغم أنه تم الحفاظ على احتكار الحزب للحياة العامة، إلا إن السيطرة على الميزانية لم تعد مركزية إلى حد كبير، وتوزعت مسؤوليتها المقاطعات ومستويات البلديات المحلية، ويقول المتفائلون أن الديمقراطية آتية عبر خزينة الدولة المالية، بدءا من الانتخابات المناطقية مع نمو الطبقة الوسطى· أي أن نقل الملكية والتفويض يمكن أن يشقق عمود الاحتكار·

ويدفع المتشائمون بأن فقدان السيطرة يترافق مع زيادة النمو الاقتصادي، ويمكن أن ينتج انخفاض إيرادات الدولة إما نشوء نزعة قتالية "لوردات الحرب" جديدة، أو سيدفع نظاما مصاباً بالبارانويا الى نوع جديد من نوبات القمع السياسي سيجعل ساحة "تيانان مين" تبدو حفلة شاي - يقيمها كاهن بالمقارنة، ومهما كانت الخيارات المسموح بها في الانتخابات المناطقية، لن يسمح لأي حزب بتقديم قضيته، ولو أن نمو الصين كان أكثر بطئا، لربما كانت التوجهات السياسية أكثر اعتدالاً·

 

الرحيل الى الصين

 

بالنسبة إلى المعرفة المباشرة بالصين، كل ما هو مطلوب هو "دفقة من الإحصاءات وإيماءة الى التاريخ وحكمة كونفوشية أو اثنتين، ثم، نستطيع كلنا بهتاف تعجب سريع فهم المعنى الواسع لعودة المملكة الوسطى الى الظهور كقوة عالمية "على حد تعبير فيليب ستيفنس في الفينانشال تايمز (1 يوليو 2005)· وهذا بالتأكيد هو الانطباع الذي يوصله "كلايد بريستوفتس"، وزير التجارة السابق في حكومة ريغان، فعلى الرغم من أن عنوان كتابه "ثلاثة بلايين رأسمالي جديد: الانتقالة العظمى للثروة والسلطة الى الشرق"، يقترح التركيز على آسيا، إلا أنه في الحقيقة، "دعوة صحو" لأمريكا· أطروحة الكتاب، بإسهابها إن لم يكن بفطنتها أيضا، هي أن موارد اليد العاملة الفعلية التي لا تنتهي في الصين والهند، بالتوالف مع نقض للزمن والمسافة  على يد الإنترنت والشحن الجوي العالمي تنبىء بخراب التصنيع الأمريكي، وبانحدار على المدى الطويل في مستويات المعيشة الأمريكية، والولايات المتحدة تعيش الآن سلفا متجاوزة إمكاناتها·

ما يقوله بريستوفيتس من حيث الجوهر هو الحكاية المألوفة لرأسمال غربي يستثمر في الخارج للخلاص من هوامش الاستثمار الضيقة في موطنه، لقد كانت  التعاقدات والموارد الخارجية وأخيرا مشروعات "الأوفشور"، طرقاً لتخفيف تكاليف المشروعات الأمريكية وزيادة المبيعات في مواجهة المنافسة اليابانية وضغط النزعة الاستهلاكية، وتولدت عن الموارد الخارجية صناعة "الأوفشور"· وفي الثمانينات بدأت عدة شركات بنقل كثافة اليد العاملة لصناعتها الى ماليزيا وسنغافورة وتايوان· وتعاقدت شركات نسيج مع معامل النسيج في اليابان للحصول على أفضل الصفقات مع زبائنها، وصارت منطقة شرقي آسيا مركز شراء لمبيعات التجزئة الأمريكية وخط تجميع للمصنوعات الأمريكية·

ويقول "بريستوفيتس" في كتابه إن الصين كانت مهمة لسببين: "اليد العاملة الرخيصة التي لا تنفد لإنتاج بضائع تصدير منخفضة التكلفة، وإمكانية أن تصبح أكبر سوق عالمي"·

وقد انتقل باعة التجزئة والصناعيون الى الصين لأن أسعارها كانت أرخص، فبناء وإعداد المصانع يكلف أقل، ويمكن أن تحل اليد العاملة الرخيصة التكلفة محل الآلات، وتنتج الصين اليوم ثلثي إنتاج العالم من آلات النسيج والأحذية والألعاب وأفران المايكروويف، ونصف أجهزة DVD ، وعدسات التصوير الرقمية والإسمنت والمنسوجات، و%40 من الجوارب، وثلث شاشات الكومبيوتر وربع هواتفه المتنقلة، وأجهزة التلفاز والفولاذ، وأجهزة السيارات السمعية·· وهكذا·

وتصدر %30 من منتجات العالم الإلكترونية، وفي مخيلة "بريستوفتس" المحمومة الولايات المتحدة هي د· فرانكشتاين الذي قام بتربية وحش كان مقدراً له أن يلتهمه·

الهند بدأت بتحدي الصين متأخرة جدا في التصنيع، إلا أن "السوفت وير"، وخدمات الاتصالات والطب كانت أرضا عذراء، لقد كان رأس المال للاستثمار الرئيسي للهند هو مجمع العاملين الرخيص الأجور، ولكن المدرب والموهوب والمتكلم باللغة الإنجليزية، والكثير من أفراده تعلم تعليما عاليا في الخارج، وكان "راجيف غاندي" قد قرر في العام 1984 أن على الهند إنشاء صناعة سوفت وير للتصدير، وتصادف مع هذا الوقت أن شركة تكساس للمعدات بدأت بإقامة صلة خدمة بيانات عبر الأقمار الصناعية من "بنجالور" الهندية، ممهدة الطريق لمدخل ذي خط واحد الى الزبائن العالميين، ومع تطور الإنترنت، والتوسع اللاحق في التسعينات، إزدادت نسبة تدفق الشركات العاملة وفق نظام الأفشور على الهند زيادة غير عادية· وأدركت شركة جنرال اليكتريك أن عمليات مراكز تلبية الطلبات لديها ومعظم أعمالها المكتبية يمكن أن تنقل الى الهند لقاء تكاليف زهيدة مقارنة بأي مكان آخر في العالم· وتستطيع شركات الطيران موازنة ارتفاع تكاليف الوقود بالتحول الى نظام الأفشور لإجراء الإصلاحات وحجز التذاكر·

ويصف "بريستوفتس"، كيف تُدرس في شركة ويبوسبكتراميند" للخدمات الهاتفية طيلة 24 ساعة خارج "دلهي"، "لكنة محايدة" لإعطاء المتصلين الشعور بأن هواتفهم يرد عليها في كانساس ستي، وقد وفّر انهيار فقاعة التقنية المعقدة في العام 2001 حوافز أكثر لتخفيض التكاليف·

وتزدهر في الهند "السياحة العلاجية"، مع توفير المستشفيات الهندية خاصة عمليات جراحية للقلب، والعين والأعضاء الأخرى بتكاليف تعد ضئيلة جدا مقارنة بالتكاليف في الغرب وعلى سبيل المثال، يجري مستشفى أبولو في تشيناي في مدراس عمليات جراحة القلب بسعر 4 ألاف دولار، مقابل 30 ألف دولار في الولاياتالمتحدة الأمريكية·

 

ما العمل؟

 

الحكومة الأمريكية ساعدت آسيا على الصعود باحتضان إيديولوجية "سياسية عدم التدخل" وتعويم الدولار·

وفي ضوء ملاحظة أحد مستشاري البيت الأبيض الاقتصاديين ساخراً: "رقائق بطاطا، رقائق كومبيوتر، ما الفرق؟ كلها رقائق" يزعم "بريستوفيتس" أن صناع السياسة الأمريكية، وقد أصابتهم بالنشوة فكرة السوق المتطرفة، أساؤوا فهم منابع الإبداع الأمريكي، فقد بنيت زعامة الولايات المتحدة التقنية، ليس على قوى السوق،  ولكن على تعاون غير طبيعي بين مقتضيات الحرب والحكومة في "مجمع عسكري صناعي"، هونتاج حربين عالميتين، على سبيل المثال نمت شركة IBM على أساس مدفوعات الحكومة من أجل نظام الإرشاد لطائرات B - 52· وفككت الانتقالة الى "سياسة عدم التدخل" في الثمانينات، وبعد نهاية الحرب الباردة التي جاءت بعدها، هذا "النظام البيئوي لشركات وجامعات ومعاهد حكومية ومصرفيين  وأيضا لمحامين، ذوي العلاقات الداخلية المتشابكة" وبعد العام 1973 توقف الأمريكيون عن القلق بشأن التجارة العالمية، لأنهم يستطيعون طباعة دولارات بالحجم الذي يرغبون به لدفع أثمان المستوردات· وقال "بريستوفتس" في لقاء صحافي: "لقد وضعنا في يد الصين المال الذي تستخدمه في محاولة شراء" يونوكال "النفطية"· ونقطة بريستوفيتس، هي أن "لا أحد يهتم بعافية البنية الاقتصادية للبلد على المدى الطويل لأن إيديولوجية أمريكا تقول إن من الخطأ فعل هذا"·

إذن، ما العمل؟ يقول "بريستوفيتس" إن الولايات المتحدة يجب أن تتخلى عن "سياسة عدم التدخل"، وعليها أن تتخلى عن طموحها المجنون إلى إغراق العالم بالدولارات، وأن تنشىء منطقة دولار أضيق حدوداً لمنطقة تجارة أمريكا الشمالية الحرة بالإضافة الى تجارتها مع اليابان، هذه الصفقة بالنسبة للولايات المتحدة ستوحد فوائض اليابان مع عجز موازنة الولايات المتحدة وتخلق منطقة دولار في ميزان تجاري مع بقية العالم· وستخدمنا أيضا في إبقاء اليابان في المدار  الأمريكي، وتمنعها من الانزلاق إلى المدار الصيني· ومحليا، على الولايات المتحدة أن تعيد ترميم الضبط المالي بتخفيض مصروفات الحرب، وفرض الضرائب على الاستهلاك· وهي بحاجة الى سياسة طاقة تجعلها مستقلة عن نفط الشرق الأوسط (بمجرد تطبيق التعويض عن فروقات النقل ستخفض تخفيفاً معتبرا اتكالية النفط الأمريكي)، وهي بحاجة الى تحديث بنيتها التحتية المادية، وتعزيز نظام التصنيع المترابط بيئويا مثل وادي السليكون، وإصلاح الضمان الاجتماعي لتشجيع مرونة سوق العمل، وتحسين الأداء التربوي بإعادة الضبط والربط الى الصفوف المدرسية، وتمويل الطلبة الذين يدرسون العلم والهندسة تمويلا كاملا، وباختصار، إنها بحاجة الى سياسة "منافسة" فعالة·

ويرفض "بريستوفتس" نموذج عولمة التجارة الحرة، بوصفه ضارا بمصالح الولايات المتحدة، إنه مركنتالي معاصر: تاجر متاجرة حرة مع أصدقائك، واستراتيجيا مع كل شخص آخر· وفي عالم دول ذات سيادة، لن يكون هذا دورا سيئا·

*عن نيويورك ريفيو أوف بوكس، 17 نوفمبر 2005

طباعة  

صاحبة الطائر المغرّد.. المحاكي.. تخرج من الظل!
 
فلسطين
تراجع أوروبي وأمريكي عن مقاطعة حكومة حماس مالياً!

 
لبنان
تهدئة أمريكية مكشوفة!

 
العراق
ماذا وراء المسرح الطائفي في العراق؟