حول استراتيجية "الأوقاف" وأحكام الإعدام في قضية "أسود الجزيرة"··
معالجة التطرف لم تبدأ إلى الآن وما حصل تعاط أمني طال "المقاولين" وترك "المهندسين"!
معظم الوزارات والمؤسسات الرسمية مقصرة في مكافحة التطرف·· و"الداخلية" خدمت مجانا ذلك التقصير
· اللعبة السياسية بين الحكومات الكويتية والتيار الديني أسست لظروف يصعب مقاومتها باستراتيجية على ورق
· اليوم وبعد الهدوء الكاذب هذا هو المشهد: مجزرة لمعرض الكتب، تشويه لقانون المرأة، مجاهدون إلى العراق·· ومساجد بلا رقابة
· نعم·· حتى المؤسسات الرسمية مخترقة فبين المتهمين طلبة حفظ قرآن وموظفون في الأوقاف والداخلية والجيش
كتب المحرر الأمني:
عبر تقرير استراتيجية دولة الكويت لمواجهة ظاهرة الترف التي أعدت من قبل اللجنة العليا لصياغة البرامج والخطط الكفيلة لحماية الشباب من مظاهر الانحراف والتطرف والتعصب الديني المشكلة بقرار مجلس الوزراء رقم 2004/833 والذي كلف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالتعاون مع وكلاء وزارات الأوقاف والداخلية والإعلام والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل عبرت من خلال 6 فصول عن مظاهر الخلل والظواهر الشاذة التي دخلت المجتمع الكويتي باسم الدين، وحللت مظاهر هذا التعصب وحددت بعض الخطط والمشاريع والاستراتيجيات التي تكفل في حال تفعيلها العمل للحد من مظاهر التطرف المادي والسلوكي واللفظي والفكري الذي انتشر بشكل كبير في الكويت، وإن كانت هذه الاستراتيجية التي من المفترض أن تعرض على مجلس الوزراء لإقرارها والبدء في تطبيقها قد تلمست الكثير من مواطن القصور التي أصبحت حديث الناس في كونها أحد مسببات انتشار التطرف، إلا أن أحد أهم أسباب الانتقال الزمني والتاريخي من حال التسامح كما وصفتها الاستراتيجية والذي كان يعيشه المجتمع قبل عقدين أو أكثر، وما تلا تلك الفترة من نشوء التطرف والغلو الديني قد تم تجاهله - وسنفترض هنا حسن النية - بشكل يفقد الجهد المبذول أحد أهم مفاتيح فهم المشكلة· إذ لابد من كشف مسببات هذا التحول والفترة الزمنية التي تم فيها، فأن يتحول المجتمع من فترة تسامح - كما أورد التقرير - إلى فترة تطرف واستخدام مقولة للقفز على الحقائق بالصورة التالية: "وقد اختل توازن المعادلة السابقة مما ترتب عليه أن فقد التديّن لدى بعض الشرائح اعتداله، كما فقد الانفتاح لدى بعض الشرائح الأخرى اعتداله وتكوّن من كل ذلك بيئة مواتية لنشأة التطرف"·· فإن ذلك يعتبر تهربا صريحا لكشف حقيقة وأسباب وظروف هذا التحول·
إذ ليس من الصعوبة الحديث عن الحلول والبرامج وإشراك مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في أي جهد منظور، فكل ذلك من قبيل توزيع الأدوار، ولكن الأهم هو: لماذا تم هذا التحول الذي أشار إليه تقرير الاستراتيجية أو قفز عليه إن صح التعبير:
إغفال الجانب السياسي
إن الجانب السياسي في نظرنا جرى تغييبه تماما من التقرير، إذ إن الكتل السياسية "الدينية" مسؤولة بشكل أو بآخر عن مجريات هذا التطرف عبر خطابها السياسي المغلف بالدين والمتاجر به في الحملات الانتخابية والبرامج السياسية وخطب المساجد ومواقع الإنترنت والمساهمات الفكرية التي تصل للناس عبر المقالات والنشرات الخاصة· كما لا ينسى هنا دور السلطة والحكومات المتعاقبة معا في تبني هذه التيارات لأغراض تكتيكية أدت إلى تهميش تيارات أخرى لها ثقل ومريدون في الساحة السياسية وهو ما أدى إلى نتائج وخيمة نحصد ثمارها اليوم بأشكال مختلفة، ومنها انكفاء القبيلة والمذاهب الدينية وتقوقعها وصراعها في تحقيق مكاسب ضيقة بسبب غياب المشروع الوطني·
وحول الجانب السياسي أيضا، لا يمكن إغفال النظر عن التهاون الذي أبدته أجهزة الحكومات المتعاقبة عن "انتفاخ" الجماعات الدينية المسيسة وامتداد أجنحتها المالية غير المراقبة حتى أصبحت تشكل بحد ذاتها اقتصادا قائما بذاته يدير ملايين الدنانير، ومن دون أن تعلم عنه الحكومة ولا حتى أجهزتها الأمنية شيئا، لا عن حجمه أو تحركاته إلا بعد الضغط الدولي الذي أتى به حادث 11 سبتمبر في نيويورك·
وهي - الجمعيات الدينية - لا تزال إلى اليوم تكسر إجراءات المراقبة التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال مراقبة جمع التبرعات، وقد أكد ذلك التقرير الأخير الذي نشر في شهر رمضان حيث تبين أن أكثر الجمعيات المخالفة هما جمعيتا الإصلاح المعبرة عن تيار الإخوان المسلمين وجمعية إحياء التراث التي تعتبر واجهة التيار السلفي فماذا كان رد الفعل الحكومي عليها؟ بالطبع لا شيء·
معالجة حوادث العنف المسلح
لقد جاءت رغبة الحكومة بتكليف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إعداد استراتيجية لمكافحة التطرف والغلو بعد حوادث عنيفة راح ضحيتها 4 قتلى من أفراد الشرطة و8 مسلحين متطرفين و10 مصابين من أفراد الأمن، ونعتقد أن مظاهر التطرف هذه لو لم تصل إلى لغة التحدي المسلح والاعتداء على الدولة والمواطن لما تحركت الحكومة خطوة واحدة لمواجهتها، ولما تحدث أحد عن أي مظهر من مظاهر التطرف الموجود في المدارس والمناهج والمساجد والكليات والمعاهد الدينية، وبرامج وزارة الإعلام، لكن عندما حدث وقتل أفراد من الشرطة قالت "الاستراتيجية" إن لدينا تطرفا فكريا ودينيا وسلوكيا يجب مكافحته!! وهذه هي الطامة الكبرى· ومما يجعل الأمل ضعيفا بمعالجة هذه الآفة التي ابتلي بها المجتمع وتسببت في الإساءة لبلد كان يرمز له بالانفتاح وقبول الآخر في بداية نشأته القانونية والدستورية في عقد الستينات، هي تلك التصريحات المسطحة والمواقف المشبوهة لبعض القوى تعقيبا على الأحداث المسلحة التي قام بها نفر من المتطرفين مطلع العام 2005·
ومن دون إشارة إلى أسماء مسؤولين محددين في الدولة إلا أن معظم التصريحات التي أطلقت تعقيبا على تلك الأحداث كانت تصر على أن ما حدث "دخيل على المجتمع"، وأنه لا علاقة لمجتمع الكويت بمثل هذه العناصر الشاذة، وأن هؤلاء فئة صغيرة لا تعبر عن جوهر المجتمع الكويتي، إلا أن ما جاءت به استراتيجية وزارة الأوقاف ما هو إلا اعتراف بأن شيئا ما حدث، وفي فترة زمنية محددة، أدت إلى نشوء التطرف في الكويت·· فكيف يستند موقف مسؤولين كبار في الدولة وعناصر مؤثرة في تيارات إسلامية معروفة الى أساس أن هذه العناصر شاذة ولا تعبر عن المجتمع الكويتي وهم في الحقيقة يعيشون بيننا؟!
في الاستراتيجية المذكورة هناك اعتراف صريح بأن أجهزة الدولة وعلى رأسها مجلس الوزراء كانت تتهاون بتحذيرات الجهاز الأمني من قضية بعض الدعاة الخطباء وصرورة مراقبتهم، لكن حالة الفلتان أدت ولا تزال إلى قيام جمعيات دينية باستضافة "مشاريخ دين" إلى مخيمات ربيعية على أرض الكويت في ظل صمت رسمي مطبق وغير مفهوم، وكأن هؤلاء المشايخ جاؤوا ليبشروا باختراع علمي لم يشهد له العالم مثيلا!!
أحكام الإعدام هل تكفي؟
وبصدور أحكام الإعدام على 6 عناصر من مجموعة الـ37 الأسبوع الماضي من قبل محاكمة الجنايات يتساءل البعض: هل قضينا كمجتمع ودولة ومؤسسات على الإرهاب والتطرف؟ الإجابة بلا كبيرة بالطبع·
فالجهاز الأمني بجميع أفرعه وتقسيماته جرى استخدامه منذ بدء المواجهات وعلى مدى 40 يوما تقريبا، أي منذ حادثة السالمية مرورا بما جرى في أم الهيمان وانتهاء بأحداث منطقة مبارك الكبير، كواجهة لقمع الإرهابيين المسلحين ولحماية المجتمع من اعتداءاتهم، وقد دفع هذا الجهاز أرواح بعض منتسبيه إلا أن معالجة التطرف لا تتم بالحل الأمني فقط، ولا بأحكام الإعدام على الرغم من أنها تطبيق للقانون الذي ننشده جميعا، لكن من يرى - أن ما تم من معالجة كاف - مخطىء من دون شك، إذ إن مؤسسات يجري أو جرى التغطية على دورها المطلوب لمكافحة التطرف· فوزارات الإعلام والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل مسؤولة كل حسب اختصاصاتها عن ظاهرة التطرف، وجامعة الكويت والهيئة العامة للشباب والرياضة والجمعيات الأهلية والأندية الرياضية أيضا مسؤولة بحسب اختصاصاتها عن نشوء التطرف والسكوت عنه· وتأتي هذه المسؤولية تارة بالتغاضي عن أحداث واقعية، وتارة أخرى بالتقصير عن القيام بالواجب تجاهها·
ومن الخطأ اختزال هذه القضية تحت عنوان "أسود الجزيرة" ففي الكويت فوضى تعم مسألة الفتوى الدينية إن على مستوى الرأي أو قائل الرأي· هناك أيضا مسألة ضعف الرقابة على المساجد وهو ما اعترف به في حديث متلفز رئيس جهاز أمن الدولة السابق مشعل الجراح، وهناك أيضا جهات تتبع مؤسسات حكومية لا تلتزم القانون كالمعهد الديني الذي لا يعترف بعلم الدولة ونشيده الوطني!
وهناك من داخل المؤسسة التشريعية من يستخدم آلية التشريع للتدخل في مؤسسات لها قيادتها ومخططوها من أجل فرض رؤى معينة ليست بالضرورة مرتبطة بأحكام الدين كما حدث في القانون المثير المتعلق بالتعلم الجامعي المنفصل بين الجنسين· إضافة إلى الكم الهائل من الاقتراحات النيابية الهادفة إلى تضييق الحريات·
نحن لا نزال، وبعد ما حدث، نشهد مظاهر التطرف التي اكتشفتها استراتيجية وزارة الأوقاف وهي مظاهر قائمة وتطل برأسها· فمعرض الكتاب الأخير حدثت فيه مجزرة باسم الرقابة، فقد منعت وزارة الإعلام آلاف الكتب خلال السنوات الخمس الأخيرة وتعرض وزراء لهذه الوزارة لاستجوابات انتقائية وشخصية بسبب كتب في معرض الكتاب!!
كما أن إقرار قانون الحقوق السياسية للمرأة لم ينفك هو الآخر من إضفاء لمسة لعناصر التطرف والغلو في مجلس الأمة من دمغه بإشارة معيبة في القانون تؤكد على التزام ما يسمى بــ"ضوابط" المشاركة السياسية المتسقة مع الشريعة الإسلامية بالنسبة الى المرأة·
وقضية تسجيل النساء في قيود الانتخابات لو لم يتفتق ذهن الحكومة بحل اعتماد كشوف الهيئة العامة للمعلومات المدنية لانبرى المتطرفون داخل وخارج مجلس الأمة بضرورة تخصيص أماكن للنساء وأخرى للرجال في عملية التسجيل، ونعتقد أن ذلك آت حينما تتم عملية التصويت في العام 2007!
ونحن، على صعيد أمني، لا نزال نسمع عن أشخاص يتم القبض عليهم إما في الكويت أو العراق أو سورية وهم في طريقهم للجهاد ضد ما يسمى بالاحتلال الأمريكي للعراق!! فمن هؤلاء الذين يتم القبض عليهم!! كل ذلك وربما غيره يحدث اليوم في الكويت ومن دون أي رد فعل·
بل الأوضح من هذا وذاك أن عددا من الذين صدرت أحكام بحقهم الأسبوع الماضي يمتهنون مهنا يفترض أن تكون درعا واقيا لأفراد المجتمع ومؤسساته، فهناك من بين المتهمين طالب بمعهد تحفيظ القرآن، وطالب بالمعهد الديني، وملازم أول في الجيش، ومؤذن!!
وبعد·· أليست هذه صورة مأساوية لما وصلت إليه الحال، وماذا ننتظر بعد؟ ومن سنجامل مستقبلا؟ وهنا آخر الكلام والتعليق، بأن إخفاء أو احتكار قضية الإرهاب والإرهابيين من قبل وزارة الداخلية وإيداعهم في السجون وتقديمهم الى المحاكمة وإصدار الأحكام المختلفة بحقهم لا يلبي أدنى طموحات المواطن الذي يريد أن يعرف الحقيقة·· فمن هؤلاء المتطرفون؟ وما هويتهم؟ ولماذا قاموا بأفعالهم هذه؟ ومن الذي دفعهم إليها؟ هل هم أشخاص أم فكر أم فتاوى؟ هذه هي الأسئلة الموجعة التي لا تريد الحكومة أن توفر إجاباتها للناس من أفواه هذا النفر من المتطرفين الذين نعتقد أنهم مجرد "مقاولين" لـ"مكاتب هندسية" تقف وراءهم!!