بقلم: ستيفن سبيغل:
في التاسع والعشرين من يناير 2002، حدد الرئيس بوش ثلاث دول باعتبارها تشكل "محور الشر" وهي كوريا الشمالية وإيران والعراق· ولكن عدد الكلمات التي كرسها لكل من هذه الدول الثلاث يكشف الكثير عن نواياه· فقد ورد اسم كوريا الشمالية على لسانه منذ ذلك الحين 17 مرة وإيران 19 مرة، بينما ورد اسم العراق 84 مرة·
وأشار الرئيس إلى أن هذه الدول الثلاث تشكل تهديدا خطيرا ليس فقط لسعيها لتطوير أسلحة الدمار الشامل، بل لأنها قد تنقل هذه الأسلحة إلى الإرهابيين، وأفصح بوش دائما عن اعتقاده بأن العراق يشكل الخطر الأكبر·
ومع ذلك، فإننا نعرف الآن أن العراق لم يكن أقرب هذه الدول الثلاث لتطوير أسلحة الدمار الشامل، فكوريا الشمالية تمتلكها بالفعل· كما لم يكن العراق الدولة الأبرز في رعاية الإرهاب، فقد ألبست وزارة الخارجية الأمريكية، الآن هذا الوصف لإيران· ولم يكن لدى الولايات المتحدة دليل على أن صدام تبادل الأسلحة الخطيرة مع إرهابيين أو أنه كانت لديه مثل هذه النية لعمل ذلك·
إذاً ما الذي جعل بغداد عاصمة للشر في العالم؟
لقد كان بالإمكان بناء قضية قوية ضد العراق لأن صدام كان يمارس العدوان على الآخرين باستمرار، لقد شن الحرب على إيران واحتل دولة الكويت، ولولا التدخل الدولي لواصل عدوانه ضد السعودية وربما ضد الأردن وإسرائيل· ولكن بوش لم يذكر ذلك في خطابه الشهير عن "محور الشر" عام 2002· وبدلا من ذلك، أشار إلى أن صدام استخدم السلاح الكيماوي ضد مواطنيه الأكراد وطرد المفتشين الدوليين وخطط لتطوير أسلحة الدمار الشامل على مدى أكثر من عشر سنوات·
وحين قال بوش إن "نظام صدام لديه شيء يخفيه عن العالم المتحضر"، لم يكن يدرك أنه "أي صدام" يحاول في الواقع إخفاء حقيقة أنه لم تعد لديه أسلحة دمار شامل·
محور الشر
ولو جادلت إدارة بوش - بدلا من ذلك - أن صدام سوف يطور أسلحة الدمار الشامل إذا أتيحت له الفرصة، أو أن العقوبات الدولية عليه أصبحت أقل فاعلية، فربما كانت ادعاءاتها أكثر دقة، ولكنها، أيضا، ستكون أقل إقناعا· ولذلك وضع الرئيس بوش العراق ضمن "محور الشر" بناء على نوايا صدام، لا إمكاناته·
الإرهابيون - بالطبع - كانوا يمثلون خطرا حقيقيا، ولكن الولايات المتحدة، بغزوها للعراق، حولته من شبكة تصدير للشر إلى شبكة توريد له، وحولت دولة معتدية إلى دولة ضحية للإرهاب، وخلق دولة أصبحت عاصمة العالم للعمليات الانتحارية· وما من شك في أن العراق سيتحول إلى ما يشبه أفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001، أي ساحة لتدريب الإرهابيين الحاليين·
ولأن إدارة بوش فشلت في تحقيق الهدفين المركزيين المتمثلين بوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل والقضاء على الإرهاب، فقد حولت الإدارة وعدد من أنصارها التركيز، وزعمت أن الهدف الرئيسي للحرب هو لخلق حركة ديمقراطية جديدة في الشرق الأوسط· صحيح أن الإدارة تستحق الثناء لتعزيز الديمقراطية في المنطقة، على الرغم من أن كلمة الديمقراطية لم ترد أبدا في خطاب بوش حول "محور الشر"· ومع ذلك، فإن الغزو المضطرب للعراق لم يسهم في وضع هذه القضية إلى الأمام· وبالرغم من أن أجزاء الانتخابات في العراق ومشاركة الغالبية العظمى من السكان فيها، إلا أن التمرد آخذ في التنامي، واكتشاف عمليات التعذيب ضد معتقلين سنّة في السجون التابعة لوزارة الداخلية العراقية أدى إلى تعميق مشاعر عدم الثقة هناك، وفي الوقت ذاته، يشعر العلمانيون من كل أطياف المجتمع العراقي بعدم الارتياح، تجاه تنامي نفوذ الإسلاميين·
أكبر المستفيدين
فمنذ بداية الغزو الأمريكي للعراق في شهر مارس 2003، تحدثت حكومات عربية أخرى عن تأييدها للديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن معظم بيانات هذه الحكومات، ولا سيما في مصر والسعودية، لم تتعد كونها كلاما أريد به إرضاء الأمريكيين· ولم يحدث تقدم أساسي في قضية الديمقراطية إلا في لبنان وفلسطين، وهو الأمر الذي يعزى فيها إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وغياب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، أكثر من كونه مرتبطا بغزو العراق·
ومن دواعي المفارقة، أن إيران، العضو في "محور الشر" ربما تكون أكثر المستفيدين من الغزو الأمريكي للعراق· فلم يعد هناك عدو شرس على حدودها اسمه صدام حسين، كما هيمن أنصارها الشيعة على السلطة في العراق، حتى على الرغم من الخلافات العميقة القائمة بين شيعة العراق وشيعة إيران· والمفارقة أن الهجوم الأمريكي على العراق وسوء إدارة الاحتلال، زادا الخطر الإيراني على الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة·
فالغزو الذي استهدف القضاء على كل مظاهر الشر، قضى على شر واحد يتمثل بصدام· لكنه عزز الشرور الأخرى وجعلها أكثر تنوعا وأكثر تعقيدا ووجد ترجمة له بـ"الإرهاب"، وأصبح الأمريكيون مشغولين بمواجهة تبعات هذا الغزو على المستويين المحلي والدولي·
" عن لوس أنجلوس تايمز "