مسابقة مضروبة··· ومؤسسات غير محترمة
د· نادر القنّة
ما قيمة أن نعقد في أوساطنا الثقافية والفنية والإعلامية والمهنية مسابقات معرفية، إذا كانت النتيجة محسومة مبكرا، أنها ستذهب للمحسوبيات، ولذوي القربى، ولأهل الانتماء الطائفي والمذهبي، ولمن هم في دائرة نظرية "أهله في محله"؟
وما قيمة أن تكون لدينا مهرجانات ثقافية وفنية··· إذا كان التفكير المهيمن منذ البدء إقصاء أهل المعرفة والاختصاص، واغتيال الإبداع، وتهميش الفاعلين، وتناسي المفكرين، مقابل ترك الحبل على الغارب لأرباع المثقفين، وأنصاف المتعلمين، وللسطحيين، بأن يعيثوا في الثقافة فسادا وخرابا ودمارا من غير حساب أو مساءلة؟
أي فعل ثقافي ننتظره من مؤسسات وإدارات وعقليات مصابة بالعجز، والوهن، وأمراض التخلف، وكل أعراض الشيخوخة، وحمى الذاتية والانغلاقية، وفقدان البصيرة؟
هنا، وهنا فقط، علينا أن ندرك جيدا أن الثقافة والفن لن يكونا فعلا التنوير والتغيير في الحراك الاجتماعي والإنساني، بل سيكونا فعلا التدمير· والتزوير· فالاستحقاقات تذهب - دون وجه حق - الى غير مستحقيها، والقائمون على تنظيم المسابقات، وإدارة المهرجانات والملتقيات هم الذين يتلذذون بجهلهم، وتعمدهم، ونرجسيتهم في اختراق القوانين، وتجاوز اللوائح، وتعطيل الشروط الموضوعية، ورفض المعايير العلمية، والذين تناط إليهم مسؤولية التحكيم "بين عباد الله" تراهم يمارسون من غير استحياء أو خجل "المراهقة الفكرية" على نحو علني واسع· بل يتباهون في ذلك بكل صراحة ووقاحة·
صحيح أن أحدا لن يكون بوسعه تغيير حقائق التاريخ، وثوابت الفكر، ونواميس الطبيعة، فالجيد سيظل جيدا، والرديء لن يكون إلا رديئا، والجاهل والحاقد والناقم والانتهازي لن يكون غير مركبه الكيميائي السيكولوجي هذا··· إلا أن هذه الفئة "الساقطة" في الفكر والثقافة والفن ستظل في طريق تقدمنا حجر عثرة، ونقطة سوداء في سجلاتنا الثقافية· علينا مقاومتها بكل ما نملك··· وعلينا فضح ممارساتها التخريبية قدر إمكاناتنا·· وما مسابقاتها هذه إلا مسابقات مضروبة·· وما مؤسساتها إلا مؤسسات غير محترمة، بغض النظر عن حجمها ومكانتها ووزنها وطبيعة عملها·
fonon@taleea.com