كتب غسان الدوسري:
تقاذفت ثلاث جهات حكومية مسؤولية الإجابة عن سؤال برلماني خاص بمكافحة الفساد، حتى توصلت الى نتيجة حاسمة تبين من خلالها أن السؤال لا يتعلق بالسياسة العامة للحكومة وأنه لا اختصاص لسمو رئيس مجلس الوزراء بأي من الأمور الواردة فيه!!
جاء ذلك على خلفية توجيه عضو مجلس الأمة ناصر الصانع لسبعة أسئلة بعد صدور مؤشر إدراك الفساد العالمي (CPI) لعام 2004 عن منظمة الشفافية العالمية في برلين والذي أظهر تراجعا لمرتبة دولة الكويت في هذا الدليل عن مقارنتها بمرتبة مؤشر عام 2003 حيث احتلت المرتبة (44) بعد أن كانت في المرتبة (35)·
وتبدأ قصة تقاذف مسؤولية الإجابة عن الأسئلة بالكتاب الذي وجهه سمو رئيس مجلس الوزراء في 28/11/2004 الى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلسي الوزراء والأمة محمد ضيف الله شرار ويطلب فيه الإفادة عن مدى دستورية السؤال والرد المقترح بشأنه·
ويأتي بعد ذلك الكتاب الذي تلقاه شرار من رئيس الفتوى والتشريع محمد السلمان الصباح حول الموضوع، حيث جاء في الرد أن ما ورد في أسئلة عضو المجلس (يخرج عن نطاق السياسة العامة للحكومة، ومن ثم فقد رأى فريق العمل أن لسمو رئيس مجلس الوزراء أن يعتذر عن الإجابة عنهما لهذا السبب)·!! والكلام هنا لهيئة الفتوى· ويقوم شرار لاحقا بتوجيه كتابه الى رئيس مجلس الأمة ناقلا فحوى رد هيئة الفتوى والتشريع وهو أن رئيس الوزراء غير مختص بأي من الأمور الواردة في السؤال البرلماني!
وهناك مؤشرات عدة يمكن استخلاصها من هذا النموذج في التعامل مع أداة السؤال البرلماني، فأولا، وفيما يتعلق بموضوع السؤال المتعلق بالفساد، فإن ذلك يعني عدم جدية (النوايا والتصريحات) التي يطلقها مسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم رئيس الوزراء في محاربة الفساد·
وهو ما يؤكد عدم الإجابة عن أسئلة من قبيل تفسير الحكومة لأسباب تراجع مرتبة الكويت في مؤشر الفساد العالمي، وما استراتيجية الحكومة لمكافحة الفساد؟ وهل هي مكتوبة؟ ولماذا لم تنضم الكويت لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد رغم صدورها في العام 2003؟ وهل توجد لدى الحكومة أي تقارير تشير الى تدخل متنفذين في إجراءات سير العمل الحكومي؟ وما الذي حققته الحكومة في مواجهة الفساد؟ ولماذا تقف في وجه إشهار جمعيات نفع عام تعمل في حقل مكافحة الفساد؟ وما مظاهر الفساد التي أعلنت الحكومة أنها ستقوم بمواجهتها؟
وإذا كانت حجة الجهاز الفني (الفتوى والتشريع) أن هذه الأسئلة ليست من اختصاص رئيس مجلس الوزراء، فلماذا لم يكلف مجلس الوزراء نفسه بالإجابة عن الأسئلة حسب اختصاصات بعض الوزراء المعنيين مثل الخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل ووزير الدولة، وجهاز خدمة المواطن؟! ولماذا جاء الرد بالطريقة المذكورة وكأنه لا أحد مخول في الحكومة بالرد على أسئلة الفساد!!
الأمر الثاني الذي يمكن استخلاصه من أسلوب الرد على الأسئلة البرلمانية، وهو الأخطر، لأنه يتعلق باستراتيجية الحكومة في التقليل من أهمية السؤال البرلماني، فهو ما قرره مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 10/7/2005 ضرورة التزام فريق الوزارة بما قضت به المحكمة الدستورية وهو الحكم الذي فرض نوعا من القيود على حرية عضو مجلس الأمة في استجلاء ما يعتري عمل السلطة التنفيذية من غموض خاصة في الجانب الذي يعطي الوزير حرية واسعة في عدم تزويد العضو السائل بمستندات ووثائق تدعم ما يراه ضروريا للإجابة وهو ما كتبت "الطليعة" عنه بالتفصيل في عددها الصادر في 20/7/2005 وحذرت من بوادر أزمات سياسية بين الحكومة والمجلس بسببه·
ويأتي هذا التعامل مع أسئلة الفساد في الكويت كنموذج يكشف مدى جدية الحكومة في محاربته بشكل حقيقي، ووفق آليات وأجهزة وسياسات توضحها بيسر الاتفاقية الدولية التي أشرنا إليها، لكن يبقى أن الموضوع لايزال في طور الشعارات·