كتب د· نادرالقنة:
الأحد الماضي الرابع من ديسمبر 2005·· ترجل الكاتب المسرحي العربي ألفريد فرج فارس "العدالة المطلقة" في غربته من غير أن ينحني لإغراء، أو ينكسر لضغوطات، أو يبدل جلده انتهازية، أو يقدم قلمه قربانا لسلطة أو منفعة·· حيث ظل ثابتا على مواقفه، وفيا لمبادئه·· رافضا المساومة على كل ما كان يؤمن به·
قهر مرض السرطان جسده، لكنه لم يقهر قلمه وحروفه وكلماته· هزمه المرض في غربته، لكنه لم يهزم فيه الأمل والرجاء بانتصار القيم الإنسانية في داخلنا·
لذلك مضى ألفريد فرج 76 عاما (2005-1929)، مثل كل الفرسان المدافعين عن كرامة الإنسان، وعن آدميته، ومثل كل النبلاء الذين ينزفون بطولة وشهامة، ويرسمون الكلمة فعلا إنسانيا وحضاريا على أرض الواقع·· ومثل كل (صُنّاع التاريخ) الذين يمضون في أجسادهم، ويبقون في ذاكرتنا، وتاريخنا، وأفكارنا، ومنجزاتنا، وآمالنا، وآلامنا، حاضرين خالدين، مثل شمس يومنا· لا يفارقون أوجاعنا، وهمومنا، وانتصاراتنا·
ترجل الفارس المسرحي العربي ألفريد فرج تاركا في مكتبتنا المسرحية، ودوائر ثقافتنا إرثا مسرحيا، وأدبيا غنيا في مضامينه، وأفكاره، وطروحاته الفلسفية، والاجتماعية، والسياسية، والأخلاقية· كما ترك لنا وصية كُليب الخالدة (لا تصالح)·· وصية تُبقي الدم في العروق يفور بركانا، ويثور غضبا، من أجل أن تبقى الكرامة ساكنة في محيا وجوهنا، علنا في يوم ما، وفي زمن ما، نعيد الحق الذي استلب منا عنوة في لحظة ضعف، وغدر· وحتى نقيم في الأرض العدل المطلق، ذلك العدل الذي يراه ضعاف النفوس ضربا من المستحيل· بل ضربا من العبث· فيما نراه نحن المطلب الأكثر عدالة في الوجود·
يُعد الكاتب ألفريد فرج واحدا من أهم المجددين في النص المسرحي العربي، من جيل ثورة يوليو 1952·· حيث ساهم مع أبناء جيله: سعد الدين وهبة، نجيب سرور، محمود دياب، صلاح عبدالصبور، ميخائيل رومان، نعمان عاشور، عبدالرحمن الشرقاوي، يوسف إدريس، سعد أردش، كرم مطاوع، أحمد عبدالحليم، نبيل الألفي، كمال عيد، حمدي غيث، كمال ياسين وغيرهم في صناعة مجد المسرح المصري، والعربي في أعقاب ثورة يويو 1952، وإبان عقد الستينات والسبعينات في القرن الماضي·
ففي الوقت الذي عده البعض امتدادا طبيعيا لتوفيق الحكيم من حيث سيطرته على مقتضيات القضايا الفلسفية المجردة في مسرحه، وعلى شفافية الحوار المسرحي عنده· وعلى مهارته في إدارة دفة الأحداث الدراماتيكية·· فإن عددا غير قليل من النقاد صنفوه بالكاتب المجدد، لا المُقلد، والكاتب المتطور والمنفتح· المسكون بهم التجريب النصي، والاشتغال على التراث، والغزل على التاريخ، والغوص في أعماق المجتمع، والبحث في هموم الإنسان· فهذا صوت نقدي عربي يؤكد هذه الحقيقة ويقول: إنه "فارس من فرسان المسرح المصري في أوج ازدهاره، وكاتب من طراز خاص حفر اسمه في تاريخ المسرح العربي بما قدم من أعمال واكبت قضايا الأمة العربية، وواصل الطريق الذي بدأه السابقون لجعل الكتابة المسرحية أدبا خالصا يعبّر عن الهوية والشخصية القومية·· وهو كذلك خالق أرقى وأعمق الشخصيات التراجيدية التي ظهرت على المسرح المصري منذ يعقوب صنوع وحتى اليوم·· وأكثر كتّاب المسرح العربي مهارة وموهبة وامتلاكا لأصول الحرفة المسرحية وأقدرهم على البناء الدرامي، ومن أكثرهم تجريبا وانفتاحا واستلهاما، في الوقت نفسه، للتراث الشعبي صيغة ومضمونا· فالكتابة عن ألفريد فرج إنما هي بمعنى ما كتابة عن ثورة يوليو 1952· هذه الفترة العظيمة المجد والأخطاء في تاريخنا الحديث بعامة، وعن مسرح الستينات، هذه الفترة المجيدة في تاريخ مسرحنا المعاصر بكل ما انطوت عليه من مزايا كثيرة، وعيوب قليلة بخاصة، أن الكتابة عن ألفريد فرج إنما هي إعادة طرح لأهم الأسئلة التي فجرتها انطلاقة الثورة"·
من الناحية البيوغرافية فإن ألفريد مرقص فرج ولد بمحافظة الشرقية بمصر في الرابع عشر من شهر يونيو عام 1929·· حصل عام 1949 على درجة الليسانس في الآداب من قسم اللغة الإنجليزية - جامعة الإسكندرية· بدأ حياته العملية مدرسا حتى عام 1955 حيث انتقل للعمل بمجلة (روز اليوسف) ناقدا فنيا· ثم تفرغ للعمل بوزارة الثقافة 1967-1963· ثم مستشارا أدبيا بالهيئة العامة للمسرح (1989-1968)· عمل بعد ذلك مشرفا على المسرح الكوميدي 1972-1971· وفي الفترة من 1974 وحتى 1979 عمل مستشارا ثقافيا بوزارة التعليم العالي بالجزائر· ثم مستشارا لهيئة المسرح والموسيقى والفنون الشعبية، لينتهي به المقام في المجلس الأعلى للثقافة مقررا للجنة المسرح·
يتمتع فرج بعضوية جمعية المسرح، وعضوية الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي 1983، بالإضافة إلى حصوله على زمالة اليونسكو 1976·
خلال رحلته الأدبية والثقافية حصل على مجموعة كبيرة من الأوسمة الرسمية من أبرزها: جائزة الدولة التقديرية 1993، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1993، جائزة "سلطان العويس" بدولة الإمارات العربية المتحدة 1992· جائزة الدولة التشجيعية للمسرح 1966· الميدالية الذهبية للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب 1956، ميداليات ودروع التكريم من مهرجانات مسرحية عربية عدة: قرطاج، والتجريبي بالقاهرة·
من أهم المؤتمرات التي شارك بها: مؤتمر مسرح العالم الثالث بمدينة رين بفرنسا 1976، مؤتمر إدنبره باسكتلندا 1985، كوبا لمسرح أمريكا اللاتينية 1965، بجانب عدد كبير من المؤتمرات المسرحية في: مصر ودمشق وتونس والقاهرة وعمّان والجزائر·
له حضور بارز في المسرح الكويتي من خلال الجهود الإخراجية التي قدمه فيها المخرجون: صقر الرشود (علي جناح التبريزي)، سعد أردش (رسائل قاضي إشبيلية والزير سالم)، الدكتور شريف حمد (الزير سالم، وبقبق الكسلان، وحلاق بغداد)، مبارك سويد (حلاق بغداد)، علي فوزي (الزير سالم)، أحمد مساعد (السوق، إحدى لوحات قاضي إشبيلية)، الدكتور حسن خليل (بقبق الكسلان)، زغلول ذياب (النار والزيتون)·