إعداد: زان سمايلي:
الديمقراطية ليست على وشك أن تعم أرجاء الشرق الأوسط، فالحكام في الأنظمة الملكية والجمهورية، ومهما بلغوا من الكرم، لن يسلموا السلطة لشعوبهم، فهناك ما يشبه حائط برلين في الصحراء يحمي الحكام من صناديق الاقتراع، ولا يوشك هذا الحائط على الانهيار، ولكن تصميم جورج بوش على نشر فكرة الديمقراطية لتكون ترياقا مضادا للإرهاب الأصولي، غيّر المزاج العام في المنطقة وسوف يستمر في تغييره·
إن الخطوات الأكبر نحو الديمقراطية ستحدث في المكانين الأكثر معاناة للمتاعب والأخطار: العراق وفلسطين·
ففي شهر يناير المقبل سيصوت الفلسطينيون لانتخاب برلمان جديد، وللمرة الأولى، ستشارك حركة حماس - على الأرجح - في هذه الانتخابات، على الرغم من معارضة إسرائيل، ومن المرجح أن تحقق "حماس" نتائج طيبة وقد تضاهي الحزب الحاكم (حركة فتح)، ويحتمل أن تكون الانتخابات الفلسطينية الأكثر حرية ونزاهة في العالم العربي· وإذا تمكنت "فتح" من البقاء في السلطة برئاسة
محمود عباس، فإن شرعيتها المتجددة، ستمكنها - مع قليل من الحظ - من الدخول في مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية لإقناعها بالانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967 تقريبا·
وربما تكون الديمقراطية في العراق أخطر بكثير، لكنها سوف تتقدم، وعلى الرغم من معارضة السنة للدستور الجديد الذي أقر قبل أشهر قليلة، إلا أنهم سيبدؤون بالمشاركة الكاملة بالديمقراطية العراقية، على الرغم من أن كثيرا منهم سيستمرون في تقديم المساعدة للمتمردين، وسيكون لهم (أي السنة) تمثيل أفضل في البرلمان الجديد، وسوف يعارض المزيد منهم المواقف المتطرفة للتمرد، وسوف تصبح مجموعات مثل "جماعة الزرقاوي" التي تزعم أنها تمثل تنظيم القاعدة في العراق وتعارض فكرة الديمقراطية باعتبارها مناقضة للدين، أقل شعبية، حتى في أوساط السنة الذين يريدون انسحابا أمريكيا من العراق·
وهكذا، فإن القنبلة سوف تنافس صندوق الاقتراع، وسيجعل انتشار العنف من الصعب تجذر الديمقراطية في هذا البلد· لكن الكثير من العراقيين، ولاسيما الشيعة والأكراد الذين يشكلون معا 80 في المئة من السكان، مصممون على ذلك·
مثلث ملكي
وسوف تنتشر عدوى الديمقراطية في عدد من الدول العربية التي لا يسود فيها العنف بشكل كبير، فلبنان على وجه الخصوص، سيستمر بالتخلص من النفوذ السوري وسيعود الدولة العربية الأكثر تقدما وليبرالية· ومن المحتمل أن تعمل الولايات المتحدة على الترويج للمثلث الملكي الذي يشمل المغرب والأردن والبحرين، باعتباره نموذجا لنجاح حملة الديمقراطية الأمريكية·
ويعتبر المغرب بكل المقاييس، الدولة العربية الرائدة في مجال الديمقراطية من بين دول جامعة الدول العربية، إذا استثنينا نماذج فلسطين والعراق ولبنان· ومن المتوقع أن تسمح الرباط بالمنافسة بين أحزاب سياسية حقيقية، وسوف تقوم لجنة الإنصاف والمصالحة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان السابقة والإعلان عنها، وإن كان عمل هذه اللجنة سيكون أكثر انتقائية منها في جنوب أفريقيا· ويتوقع لقانون المرأة أن يمنح المرأة حقوقا أكبر·
ولم يصل كل من الأردن والبحرين اللتين تعتبران منفتحتين بالمعايير العربية، الى مستوى المغرب، فالحزب السياسي الحقيقي في البرلمان الأردني هو جبهة العمل الإسلامي المعارضة، وسوف يستمر الملك عبدالله الثاني في خطواته الاستعراضية، وفي البحرين، سيظل تمثيل الغالبية الشيعية من السكان أقل من حجمها الحقيقي·
سلطة مطلقة للملوك
وعلى الرغم من أن المغرب والأردن والبحرين تتقدم الصفوف في السباق نحو الديمقراطية، إلا أن الملك في كل منها يتمتع بسلطة مطلقة، وإن أحدا لا يتوقع أن تصبح هذه الدول الثلاث ملكيات دستورية حقيقية في وقت قريب، على الرغم من أنها جميعا تزعم أنها تسير في هذا الاتجاه، لكنها تتثاقل الى الأرض·
إن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه على جميع الدول العربية التي تتحرك ببطء نحو خيار سياسي أكبر، هو الى أي مدى سيسمح بمشاركة الحركات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تحظى بشعبية واسعة في المنطقة، في العملية السياسية· فالإسلاميون المعتدلون الذين بدؤوا يرون أن أمامهم فرصة للعودة الى التيار العام، يمكنهم أن يحققوا اختراقا إذا استطاعوا إقناع الحكومة أن من الحكمة أن تتاح لهم الفرصة للعمل من داخل النظام بدلا من إضعافها من الخارج، ومع ذلك، فإن الأنظمة العلمانية التي تهيمن على الدول العربية، سوف تشعر بالغضب لقدرة الأصوليين على ممارسة التأثير الكبير عبر صناديق الاقتراع مع نيتها بعدم السماح بالتعددية الديمقراطية إذا ما استولت على السلطة، وبالرغم من ذلك، فإن مواصلة قمعهم سوف تثير حالة خطيرة من الاستياء الشعبي·
فكيف يمكن التعايش مع الإسلام المعتدل من أجل عزل المجموعات الأصولية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة؟ تعتبر مصر اختبارا حاسما في ذلك· فمصر قد تشعر أنها مضطرة لإعطاء حركة الإخوان المسلمين المزيد من مساحة الحركة، لكنها لن تجازف بإعطائهم فرصة حقيقية لتولي السلطة·
وقد أوردت المجلة تصنيفا مبنيا على خمسة عشر مؤشرا لمدى ديمقراطية أو عدم ديمقراطية دول الشرق الأوسط وأفريقيا· وجاءت النتائج كالتالي:
* رئيس تحرير الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلة "الإيكونوميست" اللندنية
" ملحق خاص
بعنوان: "العالم عام 2006"