رام الله - الطليعة - خاص:
من المؤكد أن اختيار شارون لاسم حزبه الجديد "كاديما" لم يأت عفو الخاطر، ولا جاء بناء على رغبة حماسية، بل جاء بتعمد ليضع تحديا جديدا، أو كمينا بالأحرى آخر للفلسطينيين· ولا نشك أن هذا الهتاف العسكري الذي يعني "تقدموا" والذي سمعه القرويون الفلسطينيون حين كانت عصابات "الهاغاناه" (لب الجيش الإسرائيلي) تهاجم قراهم، ويصرخ قادتها: "كاديما"، كان يملأ ذهن أرييل شارون وهو يفكر بخطوته التالية بعد انسحابه من زعامة حزب الليكود، وإنشائه لحزبه الجديد·
إذاً هذا النداء موجه بالدرجة الأولى لتذكير الفلسطينيين بالمصير الذي لقيته قراهم التي صمدت ثم انهارت أمام الهجمات الصهيونية، صحيح أنه لغة غير سياسية كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، وإنما مجرد لغة استنهاض للإسرائيليين ليلتحقوا بمن يعدونه رمزا من رموزهم، ارتكب المجازر وخاض الحروب ونجا من العقاب دائما رغم أن جرائمه تعتبر جرائم ضد الإنسانية مما يعاقب عليه القانون الدولي، ولكن ما كشف عنه أقرب مستشاريه "أيال آراد" في اليوم التالي لانسحابه من حزب الليكود هو "برنامجه" السياسي - القتالي الجديد·
فمع بداية مشروع شارون في تأسيس حزبه الجديد استعدادا لانتخابات 28 مارس المقبل، قال "أراد"، حسب ما ذكرته الغارديان (23/11/2005 ): "إن القيادة الإسرائيلية، رفضت المعتقد لسنوات من المفاوضات لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، أي المعتقد القائل بالتخلي عن الأرض مقابل السلام"·
ويمضي هذا المستشار المخطط لاستراتيجيات شارون، القوي في التكتيك والضعيف في الأمور الاستراتيجية، والذي حثه على الخروج من الليكود، إلى القول بأن شارون يعتبر اتفاقيات أوسلو (1993) التي تسعى إلى السلام على أساس تخلي إسرائيلي عن المناطق المحتلة في العام 1967، فاشلة ولا مصداقية لها· وأضاف بأن القيادة الإسرائيلية فسرت "خريطة الطريق" الأمريكية من أجل السلام، على أنها تقدم فلسفة بديلة تقوم على أساس "الأمن مقابل الاستقلال"، ومعنى ذلك "وضع حد كامل لحرب الإرهاب مقابل "وطن قومي فلسطيني"، ولكنه لا يقوم بالضرورة على أساس حدود العام 1967"·
وجهة نظر "آراد" هذه تتفق تماما مع قناعة شارون الكاملة بأن جوهر النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين لم يكن الاحتلال بل الإرهاب الإسلامي· يقول "آراد": "منذ العام 1967، المجتمع الدولي في غالبيته العظمى، ونصف الرأي العام الإسرائيلي على الأقل، افترض بأن النزاع سيحل على أساس صيغة المناطق مقابل السلام، وكانت هذه صيغة ساذجة، وتفترض أن المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين كانت احتلال الضفة الغربية وغزة في العام 1967، ولهذا إذا قمت بإزاحة الاحتلال، فستختفي المشكلة الأمنية والإرهاب· هذه صيغة زائفة فلسطينية وساذجة سياسيا على حد سواء·
وهذا هو السبب في فشل تطبيق اتفاقية أوسلو، ولو نظرت إلى الإحصاءات المجردة، تجد أن الإرهاب تضاعف عدة مرات منذ اتفاقية أوسلو"·
ويؤكد "آراد" مرة أخرى على أن "مشكلة الأراضي لم تكن هي جذر النزاع· لأن ما يسعى إليه الفلسطينيون لم يكن الأراضي في الحقيقة، التي يمكن أن يسيروا عليها وإدارتها بالصيغة التي طرحها كامب ديفيد، بل كان الاستغلال"·
ويوضح معنى خريطة الطريق الأمريكية بالقول: "إنها جاءت لتحل محل زيف صيغة "الأراضي مقابل السلام" بصيغة أكثر واقعية، "الأمن مقابل الاستقلال" وتضع الخريطة كمبدأ أساس تفكيك كل منظمات الإرهاب في المناطق الفلسطينية على يد الفلسطينيين، وما يقوله شارون، وما تقوله خريطة الطريق، هو أنه قبل الخضوع الكامل لهذا المبدأ، لن يحدث شيء"·
وهذا صحيح تماما، فخريطة الطريق تطلب من القيادة الفلسطينية "اتخاذ تدابير ملموسة" لإيقاف الهجمات والبدء بتفكيك "قدرات الإرهاب وبنيته التحتية"، وتقول أيضا أن أي تسوية، متفاوض عليها يجب أن تقوم على أساس "مبدأ الأرض مقابل السلام"·
هذه الصورة التي يطرحها من يُعد المستشار المقرب لشارون في مستهل مشروعه الجديد، ليست جديدة سوى في كشفها عن الآلية التي تحكم تفكير شارون، والتي ستكون نهجه وهو يتقدم حزبه الجديد· فقد تحركت هذه الآلية على الأرض منذ زمن بمشروعات رئيسية بارزة، على رأسها المضي في "تهويد" القدس، والإصرار على أنها ستظل خارج المفاوضات، هذا إن كانت هناك مفاوضات، والمضي في توسع كتل المستعمرات في الضفة الغربية، وإحاطة المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية بالجدار المتمدد والطرق الالتفافية، وانتزاع الأراضي الفلسطينية من أيدي أصحابها· وجاء كل هذا، ليجيب عن تساؤلات المتسائلين عن الخطوة التالية بعد الانسحاب من غزة·
كلمة "كاديما" الجديدة - القديمة يبدو أنها استقطبت للحزب الجديد كتلة من الناخبين ستجعله لاعبا رئيسيا في الساحة الإسرائيلية، يليه حزب العمل بزعامته الجديدة، حسب استطلاعات الرأي، مع تآكل في حزب الليكود· إلا أن هذا الواقع الذي سيرتسم سيعني بالضرورة قيام حكومة ائتلاف بين زعامة شارون وزعامة حزب العمل الجديدة التي صعد إليها المغربي اليهودي عمير بيرتس وبدأت تستقطب الفئات العمالية بأعداد كبيرة· إلا أن هذا التغيير من طبيعة التكتلات التي ستشكل الحكومة الإسرائيلية الجديدة تحت راية "تقدموا" العسكرية لن تغير مسار الجدار الصهيوني، ولا مخططات إلحاق القدس ببقية فلسطين المحتلة في ظل تضامن دولي رسمي مع تفسير شارون لخريطة الطريق، ولجوهر النزاع القائم·