· الحزب الحاكم يتكون من مجموعة من الفاسدين يدافعون عن مصالحهم الشخــصية فقط
· المواطــن المصري "مطحون" والبطالة متفشية بشكل خطير
· الحزب الوطني لم يقدم شيئاً فليس لديـه برنامج أو أفكار يناضل مـن أجلها
· الأحزاب في مـصر مجرد "يافطــات" تـوضع عــلـى المــقار
· حركة كفاية نجحت وانتشرت لأنها تبنت أفكار الناس
· ماحدث في الانتخابات الأخيرة يمثل فشلاً كبيراً للحزب الوطني الحاكم
· خسارة خالد محيي الدين جاءت نتيجة أخطاء تنظيمية
· أحزاب المعارضة تعاني من حصار شديد مفروض عليها منذ نشأتها
أجرى الحوار: محمد أبو بكر
لم يعد هناك أدنى شك في أن مصر تمر بأزمات كبيرة على كل المستويات والأصعدة وهو نذير غير مبشر على حالة أقرب للانفجار· فالشعب تطحنه أزمات اقتصادية واجتماعية جعلته يائسا من أي أمل في التغيير وهو ما ظهر جليا في نسبة المشاركة المتدنية جدا في انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب وهو وضع يشكك في شرعية السادة المنتخبين لأنهم انتخبوا من أقلية قليلة جدا هم في الأساس موظفو الدولة المجبرون على اختيار مرشح الحزب الحاكم أو الكتل التصويتية الكبيرة المنتمية لجماعات الإسلام السياسي·
أما قوى وأحزاب المعارضة المتواجدة على الساحة السياسية فهي الأخرى تعاني من حصار شديد مضروب عليها منذ نشأتها·
فالحكومات المتعاقبة أخذت على عاتقها بتوجيه من النظام الحاكم تجفيف منابع العمل الجماهيري لدى الأحزاب··· فأصبح غير مسموح لها بالعمل وسط الطلاب بالجامعات أو الوصول للعمال بالمصانع وأصبح العمل النقابي مؤمما لصالح الحكومة ووسائل الإعلام ملكية خاصة للحزب الوطني وقانون الطوارئ يمنع التجمهر والتظاهر وإعداد الندوات وتوزيع البيانات الحزبية·
كل هذه الأمور وغيرها جعلت الأحزاب مجرد "يافطة" توضع على مقار الأحزاب وجريدة تقول ما تشاء دون أن يقرأها أحد·
ونتيجة لما سبق تم تأميم العمل السياسي لصالح حزب لا يملك أي تجربة نضالية سابقة حزب تم تكوينه في السلطة من مجموعة من المنتفعين والفاسدين المدافعين في الأساس عن مصالحهم الشخصية فقط·
وكان لا بد لأحد أن يملأ هذا الفراغ السياسي الشاسع وكانت جماعة الإخوان هي التيار السياسي الأكثر استعدادا لملء هذا الفراغ لما لها من تجربة للعمل وسط الناس عبر عقود طويلة وما تقدمه من خدمات اجتماعية للجماهير المفتقدة لهذه الخدمات من الحكومة وما ترفعه من شعار ديني يدغدغ مشاعر الناس، مما أدى لاستقطاب قطاعات عريضة من الجماهير الرافضة للوضع الحالي، وإيضاحا لما يحدث الآن بمصر كان هذا الحوار مع المستشار الاقتصادي والمفكر اليساري المعروف الدكتور عمرو محيي الدين والذي يرى أن الأزمة الحقيقية التي تمر بها مصر هي بسبب خلوها من تنظيم سياسي حقيقي يعبر عن آمال وطموحات ومصالح الجماهير المطحونة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة من الحزب الحاكم وهو يؤكد أن جماهير الشعب المصري جماهير ذكية بفطرتها فإنها عندما تجد المدافع الحقيقي عنها فلن تتوانى عن الاندماج معه·
وهو يرى أن حصول الإخوان على هذا القدر من المقاعد بالبرلمان أمر طبيعي لأنهم الوحيدون الموجودون على الساحة السياسية وهم الوحيدون المرتبطون بالناس فكان من الطبيعي أن يتم اختيارهم بهذا الكم من الأعضاء·
· البلد يغلي - "أزهى عصور الإجرام" - التغيير يبدأ من الرأس" هذه الكلمات التي قيلت كـ"مانشيتات" لصحف ومقالات وغيرها يعبر عن أزمة حقيقية تمر بها مصر·· ما توصيفك لهذه الأزمة؟
- في تصوري أن الأزمة الحقيقية التي تمر بها مصر هي أن الساحة السياسية خالية من تنظيم حقيقي هذه هي المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الناس والحكومة والجماهير والتي تجلت في انخفاض نسبة المشاركة وعدم إيمان الناس بما هو قائم وتراجع المعارضة السياسية المدنية·
كل هذه الظواهر المرضية سببها خلو الساحة من تنظيم حقيقي يطرح الشعارات الحقيقية التي ترغب فيها الجماهير المطحونة·
· ولكنك لم تشر للبعد الاقتصادي·
- عندما قلت كلمة "الجماهير المطحونة" فأنا أعني البعد الاجتماعي والاقتصادي فتوزيع الثروة غير عادل والبطالة متفشية بشكل غير عادي فأكثر من %20 من القوة العاملة لا تجد عملا· وأنا تقديري أن المشكلة الرئيسية في مصر هي مشكلة سياسية في الأساس دون غض النظر عن البعد الاقتصادي فهناك أزمة اقتصادية كبيرة ولكن تأخذ تعبيرها السياسي·
· "مصر سفينة بلا ربان" مقولة أطلقها المفكر د· سمير أمين هل فعلا نحكم بنظام عشوائي غير مسيطر على الأمور·
- أنا أرى أن مصر لها ربان ولكن الشيء الأهم هو هل يستطيع هذا الربان أن يصل بمصر الى بر الأمان أم لا؟
ولها نظام حاكم يقود ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو كيف نصل بالسفينة لبر الأمان· وأنا أعتقد أن هناك أمرين يجب تواجدهما للحديث عن أي إصلاح وهما الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي·
ونحن لدينا مفهوم عن الإصلاح الاقتصادي يختلف عما تطرحه الحكومة· فالحكومة ترى أن الإصلاح الاقتصادي هو فقط إلغاء الدعم بينما نرى أن الإصلاح الاقتصادي يكمن في إعطاء قضية إعادة توزيع الدخل والثروة الأولوية وليس معيار الكفاءة فقط·
فلا يوجد اقتصاد بالعالم يركز على معيار الكفاءة فقط فمنذ نشأ علم الاقتصاد وأولوياته هي الكفاءة في استخدام الموارد والعدالة في التوزيع وكلاهما أحيانا يتعارضان وكلاهما أحيانا يكملان بعضهما ولكن لا يوجد أحد في علم الاقتصاد يرى التركيز على الكفاءة دون العدالة أو العكس·
· ألا تعتقد أن الهزيمة القاسية لبعض رموز الحزب الوطني في بعض الدوائر التي تعتبر ملاكي للحزب هي في الأساس فشل للجنة السياسات التي ترفع شعار "الفكر الجديد"·
- ما حدث ليس فشلا للجنة السياسات كلجنة سياسات لكنه فشل الحزب الوطني كتنظيم سياسي للسلطة لأنك لا تستطيع تشكيل حزب وأنت بالسلطة لأن المنضمين لهذا الحزب سيكونون من المنافقين والمستلقين الباحثين عن السلطة·
الأحزاب في تاريخها الطويل في أوروبا أو دول العالم النامي تشكلت إما في حالة الصراع ضد الاستعمار أو الصراع من أجل لقمة العيش وبالتالي فعندما يتم إنشاء حزب وأنت بالسلطة سيتم النظر إليه وكأنه وزارة جديدة وسيتم العمل به بأسلوب بيروقراطي فهو تنظيم لم يعمل بالعمل السياسي وسط الجماهير ولم يطرح أطروحات سياسية·
وهنا فإن الحزب الوطني لم يقدم شيئا فلا يوجد برنامج أو أفكار يناضل من أجلها فالساحة خالية تماما· وهذا هو تفسير فوز الإخوان بالانتخابات، فتنظيمهم أقوى ومنضبط ومنتظم تنظيما حديديا تشكل من خلال سنوات طويلة من العمل سرا وصراعا سياسيا·
بينما الحزب الوطني لم يخض معارك نضالية يتشكل فيها تنظيم قوي ويتشكل هيكله وأداؤه فهو معتمد على تواجده بالسلطة مما أدى لنوع من الاسترخاء لديه وعندما جاءت لحظة اختيار فلم يجد الحزب الوطني لا الهيكل ولا التنظيم الذي يخدمه·
· ما تعليقك على إصرار الحزب الوطني على اختيار مرشحين معروفين بالفساد لانتخابات مجلس الشعب؟
- الحزب يريد أشخاصا ينجحون فقط أما أن يتشكل مجلس من مفكرين وسياسيين حقيقيين فلا يهتم الحزب الوطني بذلك·
· هل ترى أن سيناريو التوريث مازال ماثلا رغم الغضب الشعبي من فكرة التوريث·
- لم يكن التوريث قضية مطروحة بالانتخابات فالناس يرون أن مصر مطحونة اقتصاديا ومصر تريد تعديلا سياسيا ودستوريا فما كان يجب أن يطرح هو شكل التعديل السياسي والدستوري وبديل للسياسات الاقتصادية الحالية، ولكن ذلك لم يحدث فالحزب الوطني اكتفى بما يعتبره برنامجا على الرغم من تواجده بالسلطة لما يزيد عن 25 عاما دون تغيير يذكر·
· ما السبب الحقيقي في سقوط هيبة النظام في الآونة الأخيرة فهناك جرأة غير مسبوقة في الحديث عن الرئيس وأسرته؟
- هذا مظهر لأمرين وهو إما أن النظام قد سقطت هيبته وبالتالي أصبح الكل ينهش فيه وهذا ليس لصالح الاستقرار· والأمر الثاني هو أن الجماهير استطاعت أن تحصل بنضال مستمر على قدر غير محدود في حرية النقد·
· ولكن أيهما السبب الرئيسي في هذه الجرأة؟ هل هو ظرف خارجي أم داخلي؟
- هناك استقواء من المعارضة بطلب التغيير المطلوب من الخارج ولكن المعارضة رغم استقوائها لم تقدم أداء جيدا غير معارضة الإخوان·
· ولكن حركة كفاية قدمت دورا وأداء متميزا·
- أنت تتحدث عن حركة عمرها سنة فقط وبالتالي فهي تحتاج لوقت كي تحدث تأثيرا كبيرا ولا تنس أن هذه الحركة هي تجمع لفئات سياسية مختلفة·
· ما رأيك في مواقف قضاة مصر الأخيرة سواء في انتخابات الرئاسة أو مجلس الشعب؟ وهل هذه المواقف ستؤثر في نظام لا يأبه بالقانون ومجلس شعب يعتبر نفسه (سيد قراره)؟
- موقف القضاء موقف جيد ومشرف وملتزم حاول قدر استطاعته الإشراف على الانتخابات بما هو متاح ولا تنس أنها تجربة جديدة فهذه ثاني انتخابات يتم الإشراف عليها من القضاة وإن كنت أرى ضرورة قصر الإشراف القضائي على القضاء الجالس فقط دون غيره·
· ولكن القضاة حينما وضعوا في اختبار حقيقي في بعض الدوائر لدى الحزب الوطني مثل دائرة آمال عثمان ومصطى الفقي وغيرها جاءت النتائج مغايرة·
- لا توجد لدي معلومات مؤكدة حول هذا ولا أستطيع الادعاء بأن القضاة غيروا نتائج الانتخابات·
وهناك خلاف شديد وخاصة بدائرة مصطفى الفقي فهناك بعض أصوات من القضاة تنادي بمحاسبة القضاة الذين أدلوا بفكرة إسقاط جمال حشمت لأن هذا اعتبروه تشكيكا في نزاهة القضاء·
ولكن برأيي أن المحصلة النهائية هي في صالح القضايا من حيث الأداء الجيد والنزاهة مما أدى لضبط العملية الانتخابية على مستوى صندوق الانتخاب·
- ما تعليقك حول تلويح القضاة بالاستعانة بالجيش لحماية العملية الانتخابية وخاصة بعد التجاوزات الأخيرة·
- مرفوضة كليا وجزئيا وشكلا وموضوعا·
· ولكن المستشار محمود الخضيري حينما سئل عن مخاطر ذلك أجاب أن هذا أمر بالقانون وبالتالي فلا داعي للخوف·
- فليقل ما يشاء، نحن نتحدث عن سياسة وليس قانونا هذا أمر مرفوض شكلا وموضوعا ولا يصح لقاض أن يطلب هذا تحت أي ظرف من الظروف·
· ما تفسيرك لحالة الضعف الشديد التي تمر بها الأحزاب المصرية مقارنة بتيار محظور كالإخوان المسلمين؟
- هذه أحزاب موجودة منذ 30 عاما محصورة داخل مقارها فقط أصبحت في النهاية مجرد يافطة على مقر الحزب وجريدته، أما أحزاب قادرة على التأثير في حركة الجماهير فغير مسموح لها بذلك وهي غير مسؤولة عن ذلك·· فهناك العديد من الكوادر التي لها تاريخ نضالي وقادرة على الحركة ولكنها ممنوعة من التواجد وسط الطلاب والحركة النقابية ممنوعة من التجمع والتجمهر والخروج بمظاهرات احتجاجية أو عمل ندوات أو الظهور بوسائل الإعلام فهناك الكثير من الممنوعات حول هذه الأحزاب فالنظام لا يريد سوى معارضة ديكورية·
· الأحزاب والحركات الجديدة التي قادت الشارع السياسي في المرحلة الأخيرة والتي جعلت سقف النقد السياسي يصل لمراحل لم تكن متخيلة ونظر الشارع لها بانبهار شديد·· لماذا سقطت في امتحان الانتخابات الأخيرة؟
- ما الذي جعل حركة مثل حركة كفاية تنتشر السبب هو أنها تمس وترا حساسا لدى الناس تمس شريانا مهما ممتدا لأمخاخ الناس فهي متبنية قضاياهم حتى إن بدأت بفكرة رفض التمديد والتوريث·
أنا أرى أن الشعب المصري (شرقان) فالناس عطشى لتنظيم جديد وحزب جديد يتبنى قضاياها، ولكن هناك بعض من اليأس تمثل في نسبة المشاركة المتدنية سواء في انتخابات الرئاسة أو البرلمان·
وما حدث بالبرلمان ذو دلالة خطيرة، فدوافع الناس للانتخابات في انتخابات البرلمان تختلف عن انتخابات الرئاسة التي قد يتحكم فيها عامل القرابة أو الصداقة أو إذا كان المرشح ابن بلدي فأنتخبه، هذه العوامل لم تؤثر في نسبة المشاركة بل تكاد تكون متساوية مع نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة وهذا يدل على أن الناس قد طفح بها الكيل فلم تجد من البرامج ما يعبر عنها وعن طموحاتها فلجأت إلى أصحاب شعار "الإسلام هو الحل"·
· ولكن الحركات التي لمست وترا لدى الناس رسبت بالانتخابات ما تعليقك لذلك؟
- هذه الحركات وخاصة كفاية لم تأخذ وقتها للغوص بأعمال الجماهير فهي حركة وليدة نشأت منذ عام تقريبا·· خذ مثالا فحزب الوفد أخذ وقتا طويلا متضمنا معارك طويلة ضد الاستعمار حتى يصبح هو ضمير الأمة·
وحزب العمال بإنجلترا تكوّن من خلال صراع طويل في نقابات عمال الفحم وغيره من الصراعات والنضالات التي جعلت له تواجدا جماهيريا غير محدود حتى أصبح هو أهم أحزاب إنجلترا·
· ما السبب في كون كل الحركات الاحتجاجية الجديدة هي حركات نخبوية فقط من مثقفي وسياسيي الأحزاب والتجمعات وليس من الجماهير العادية·
- أنا أعتقد أن أي حركة لابد أن تبدأ بالنخبة لأنها هي التي تنظر وهي التي تقود ولا تنس عوامل الزمن فهذه الحركات حديثة العهد ولم تأخذ وقتها للوصول للناس، وأنا قد سمعت أن عدد أعضاء حركة كفاية حوالي 6000 عضو وهو رقم كبير بالنسبة لحركة وليدة لم تصل بالقدر الكافي لقواعد الجماهير المختلفة·
ولكن دعني أروي تجربتنا بحزب التجمع الوطني التقدمي فهي تجربة فريدة من نوعها، فالحزب عندما تكون كان هناك تصور عام من وجود حريات للانضمام لأي من الأحزاب الجديدة التي تكون، وفي الأسبوع الأول من إنشاء الحزب جاءنا ما يقرب من الربع مليون شخص كعضوية بالحزب، وكان هناك عدد كبير جدا من أساتذة الجامعات والمدرسين والنقابيين وغيرهم الكثير·
وما لبث أن بدأ الاضطهاد لمن دخل بالتجمع وكان لهذا الاضطهاد أشكال عديدة مثل النقل من العمل والاعتقال وعدم الترقية بالعمل وزاد هذا العنت من السلطة بعد أحداث 18 و19 يناير 1977 فأصبح هناك شكاوى شبه يومية عن اعتقال أعضاء وقيادات الحزب·
وهذا الأسلوب للأسف مازال موجودا ويستعمل مع الأحزاب النشطة التي لها تواجد جماهيري مما أدى لعزوف الناس عن الانضمام للأحزاب والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي·
· متى وكيف يتحول وعي النخبة إلى وعي الجماهير؟
- حينما ترى الجماهير أن وعي النخبة هو تعبير صادق عن آمالها وطموحاتها في هذا التوقيت سينتقل وعي النخبة السياسية لوعي الجماهير·
· منذ سنوات ومنظرو اليسار المصري وخاصة بحزب التجمع يقدمون ما يعرف بالبديل الثالث أي بديلا عن النظام الحاكم والتيار الإسلامي، أين هذا البديل من الشارع؟ أم هو بديل نخبوي لقادة أحزاب وتجمعات اليسار؟
- أنا أرى أن أداء ما يعرف بالبديل كان هو الأسوأ فكان هناك استرخاء شديد من التيار اليساري، فأنا كأستاذ جامعة أعرف أنه إذا كان هناك مدخلات لابد أن يكون هناك مخرجات فحينما يقدم الطالب جهدا بالمذاكرة سيجد نتيجة مساوية لهذا الجهد·
فأنا أرى أن التيار اليساري لم يعمل بالقدر الكافي، ولم يناضل بالقدر الكافي، ولم يقدم قراءة متوازنة بالتوازنات السياسية بالدوائر المختلفة·
والشيء الأهم هو أن اليسار اعتقد أن مشكلته الرئيسية هي مع السلطة وناضل ضد الحزب الحاكم فقط، وهذه كانت المشكلة بكفر شكر حيث ركز التجمع في هجومه على الحزب الوطني ولم يلتفت إلى وجود خصم آخر ركز كل جهوده لضرب مرشح حزب التجمع (خالد محيي الدين) فجاءتنا الضربة من حيث لا نحتسب·
وما حدث في الانتخابات ذكرني بما حدث في انتخابات برلمان 1957م في دائرة الدقي مع الأستاذ أحمد فؤاد رئيس مجلس إدارة بنك مصر ومناضل قديم بحركة (حديتو)·
وكنا متصورين أن أضعف المرشحين كانت (راوية عطية) فاعتقدنا أنه لن يأتي منها خطر ولم ننظر حتى إليها وفجأة وجدناها متغلبة على أحمد فؤاد·
وأنا في تقديري أن الإخوان كان أحد أهدافهم هو إسقاط رموز اليسار لإثبات أنهم المعارضة الحقيقية الموجودة ولأسباب سياسية أخرى محلية وإقليمية وعالمية·
· وأسباب عقائدية أيضا؟
- لا أعتقد أن الجانب العقائدي له دور رئيسي في السياسة، فكان التركيز كله في كفر شكر هو على إسقاط خالد محيي الدين وليس مرشح الوطني·
· ما دلالة سقوط رموز اليسار المصري في الانتخابات الأخيرة مثل خالد محيي الدين والبدري فرغلي وأبو العز الحريري وغيرهم؟
- أنا أرى أن الحزب الوطني وأحزاب المعارضة المدنية تنظيمياً ضعيفة أمام الإخوان ·· بالإضافة للحصار الشديد من قبل النظام لأحزاب المعارضة·
" أنا أعتقد أن الحصار المفروض على الإخوان هو أكبر والاعتقاد بأن عملهم السري هو سبب انتشارهم غير منطقي فالجميع يعرف من هو المرشد ومن هم نوابه ومن هم أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء مجلس شورى الجماعة وبالتالي فهم كأي حزب علني ولكن ينقصهم الترخيص القانوني ·· ما أريد أن أقوله أن الظرف الموضوعي السيئ المحيط بالأحزاب هو نفسه المحيط بالإخوان ومع ذلك فإنهم لديهم المقدرة للوصول للناس عكس الأحزاب·
- أنا أتفق معك فإذا كان هناك عمل لابد أن تكون هناك نتيجة والإخوان يعملون وسط الناس منذ عقود ولديهم أدوات وأسلحة ليست مع باقي الأحزاب مثل أسلحة المال والخدمات الاجتماعية التي يقدمونها بالإضافة للشعار السياسي المطروح والذي يستخدم الإسلام لاستمالة الناس بالإضافة لاستخدامهم للقوة ببعض الدوائر كل هذه أدوات أنا كيساري لا أستطيع استخدامها·
· ألا تتفق معي أن هذا التمثيل الهزيل لقوى اليسار والمدافعين عن قيم المجتمع المدني يعتبر رفضا شعبيا لهذه الأفكار والتوجهات·
- لا ليس رفضا شعبيا إطلاقاً لأن نسبة المشاركة المتدنية هي فضيحة ولا تعطي لأحد الشرعية في الإدعاء بأن اختيار أفكار وتوجهات بعينها ورفض الأخرى هو إجماع جماهيري على توجه معين·
· لكل مناضل مرحلة قد يترك بعدها الميدان مثلما فعل الأستاذ هيكل حينما (استأذن في الانصراف) ألا ترى أن الأستاذ خالد محيي الدين قد تأخر في هذه المبادرة·
- أنا بصفتي الشخصية كأخ للأستاذ خالد كنت أتمنى ألا يخوض تجربة الانتخابات في هذه المرة ولكنه رجل يؤمن بالإنضباط والالتزام الحزبي وقرارات المكتب السياسي واللجنة المركزية· أنا متأكد من هذا فهو هنا مختلف عن الأستاذ هيكل لأن الأستاذ خالد مازال عضوا بحزب التجمع وبالتالي تسري عليه أي قرارات حزبية وإن كنت أتمنى أن تكون انتخابات عام 2000 آخر انتخابات يخوضها نظراً لوضعه الصحي وإرهاق العمل الانتخابي والذي يستلزم المرور على كل قرى الدائرة بنفسه مما يسبب إرهاقا صحيا هو في غنى عنه·
· ماذا حدث بكفر شكر؟
- كفر شكر هي تطبيق لما قلته في السابق فمثلاً الفارق بين الأستاذ خالد ومنافسه كان 12000 صوت وفي الإعادة ومع جهد 4 أيام أو 5 أيام على الأكثر نزل هذا الفارق إلى ما يقرب من التسعمائة صوت أو أكثر قليلاً وهذا يعني أنه كانت هناك فرصة لو وجد بعض الوقت لحدث تغيير جذري للنتيجة·
وأنا أعتقد أن السبب الرئيسي هو قضية تنظيمية بالإضافة إلى تغيير القيادة المحلية للتجمع بكفر شكر لأنها قيادة غير مقبولة جماهيرياً·
ولا ننسى أن الإخوان كانوا الأكثر تنظيماً ودراسة للدائرة في الوقت الذي لم نكن نعرف أن الخطر الرئيسي هو من الإخوان وليس مرشح الحزب الوطني·
وهناك أمور لم نكن نستطيع إستخدامها مثل لعبة البلطجية فالإخوان استخدموا القوة خلال العملية الانتخابية بكفر شكر·
ولعبة المال حيث كانت النساء يدخلن البيوت ويوزعون البروشور المكتوب عليه (الإسلام هو الحل) وتحته مبلغ من المال·
وهذه أمور يصعب على اليسار استخدامها بالإضافة لعدم وجود إمكانيات مالية لاستخدامها·
وقد وجدت ذهولا من الناس عند معرفة النتيجة فقد تصور الناس أن عدم مشاركتهم وعدم بذل مجهود بالانتخابات لن يؤثر على نجاح الأستاذ خالد وهو ما تم تداركه في الإعادة وكما قلت لو كانت هناك فترة من الوقت لتغيرت النتيجة لصالح الأستاذ خالد·
· هناك بعض المراقبين الذين أكدوا على وجود عنف متبادل بين أنصار التجمع والإخوان·
- لم يحدث أنه كان هناك عنف من أعضاء التجمع بل ماحدث هو أنه وأثناء جلوسنا بـ"المضيفة" وجدنا عدد 4 لوريات محملة بالرجال يهتفون (الإسلام هو الحل) ونزلوا أمام مقر الأستاذ خالد وأخذوا في تكسير المقر مما دعا أهالي القرية إلى التصدي لهم وهذه اللوريات جاءت من قرية مرشح الإخوان (البقاسين) بالإضافة إلى اعتقال الكثير من المشاجرات يوم الانتخاب لترويع الناخبين مما أدى إلى ابتعاد الكثير من الناخبين وتخليهم عن فكرة الانتخاب·
وعندما جاءت القنوات الفضائية قامت بالتسجيل مع الإخوان ومرشحهم وادعوا أنهم تم الاعتداء عليهم·
· عندما سأل الروائي الكبير نجيب محفوظ عن رؤيته للوضع الراهن بحصر سكت قليلاً ثم أجاب (يبدو أن مصر تريد أن تجرب حكم الإخوان) هل فعلاً مصر ذاهبة لتجربة جديدة بالحكم؟
- أشك في ذلك؟
· رغم هذا الاكتساح·
- أي اكتساح أن أرى أن هناك مبالغة شديدة فأنا أرى أن نسبة الإخوان الحالية مع دراسة الحالة السياسية بمصر شيء مقبول وليس بغريب فحجمهم من 70 إلى 100 نائب وهذا وزنهم النسبي الطبيعي في ظل فراغ كبير بالساحة السياسية لغياب الحزب الوطني وأحزاب المعارضة· وما حدث من هذا الفوز الكبير لا يعني أبداً أن الخيارات الاجتماعية للناس قد حسمت لصالح الإخوان·
لذلك يجب دراسة ما حدث دراسة علمية لتغيير هذا الواقع إذا كنا نريد تغييراً حقيقياً لملء الفراغ السياسي أما إذا لم نفعل ذلك فعلى كل فرد أن يغلق دكانه الحزبي ويعتزل السياسة·
· صرح مرشد الإخوان أن نزولهم للانتخابات هونوع من المشاركة وليس المغالبة ·· ألا ترى أن هذا نوع من الاستخفاف حيث إن ما حدث بالانتخابات هو بروفة لوصول الإخوان للسلطة؟
- هذا يتوقف على رؤيتك للصورة التي أمامنا هل ترى أن
الإخوان هم الأقوياء أم الأحزاب المدنية هي الضعيفة أنا أرى
أن تواجد الإخوان سببه ضعف الآخرين فإذا ظللنا محبطين ومنهزمين وغير قادرين على قراءة الواقع السياسي قراءة سليمة فمن الطبيعي أن يحصلوا على السلطة لأنهم اللاعبون الحقيقيون على المسرح السياسي في ظل انعزال الآخرين وفي ظل تعنت السلطة الحاكمة التي لا تقدم بديلاً يعبر عن الجماهير بالإضافة لمحاصرتها للأحزاب القائمة·
وأنا أرى أن البديل هو حزب جديد يعبر عن مصالح الناس مبتعداً عن الرواسب القديمة التي جعلت الجماهير تبتعد عن الأحزاب الموجودة·
· يوجد الكثير من المخاوف لدى المثقفين من احتمالية وصول الإخوان للحكم للدرجة التي وصلت بالمفكر ميلاد حنا أن يؤكد أن الإخوان إذا وصلوا للحكم فسيترك الأقباط مصر ما هي مبررات المخاوف من وجهة نظرك؟
- هذا الكلام من الأخ ميلاد كلام معيب أين يهجروا وأين يذهبوا إن كلمة قبطي تعني ابن مصر أو ساكن مصر فهم أبناء مصر ولهم حقوق المواطنة ولا تستطيع أي قوى سياسية أن تقتلعهم من جذورهم المصرية·
·ففي ظل عالم اليوم والذي أصبح كتلة واحدة ومصالح مترابطة أعتقد أن فكرة الإخلال بحقوق الأقباط غير واردة·
· في ظل التواجد الكثيف للإخوان وندرة أحزاب المعارضة خاصة اليسارية منها كيف ترى مجلس الشعب المقبل؟
- أنا أتفق مع الأستاذ عبدالله السناوي رئيس تحرير جريدة العربي الناصري أنه أسوأ مجلس شعب قادم·
·