رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الاربعاء 30 رمضان 1426هـ - 2 نوفمبر 2005
العدد 1702

بالانضمام الى الحرب على الإرهاب والاعتراف بإسرائيل··
خسرت باكستان وكسب مشرَّف!

                     

 

·         سيطرة "تحالف الشمال" على السلطة في أفغانستان أفقد باكستان عمقها الاستراتيجي

·         ماذا لو تحالفت الهند وإيران وإسرائيل "لبلقنة" باكستان؟

·         مشرف يحوِّل باكستان الى بوابة لعبور إسرائيل الى العالم الإسلامي

·         يجب الاستمرار في مقاطعة إسرائيل حتى تفكك هياكلها للفصل العنصري

·         مشرف يطرح نفسه شريكا للسلام بينما تنظر إسرائيل لباكستان كتهديد نووي لأمنها!

·         أمن إيران في المدى البعيد يعتمد على نجاح الفلسطينيين في وقف التوسع الإسرائيلي

 

بقلم: شاهد علام *

يبدو أن الدكتاتور العسكري الباكستاني الجنرال برويز مشرف الذي يحكم البلاد منذ شهر أكتوبر 1999 يضطلع بمهمة تستهدف إضفاء الشرعية على إسرائيل، ففي الأول من سبتمبر 2005 التقى وزير الخارجية الباكستاني نظيره الإسرائيلي في أسطنبول، وتبع ذلك لقاء عقد بين الجنرال مشرف وأعضاء المؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك·

وكان مشرف قد امتدح في وقت سابق مجرم الحرب أرئييل شارون واصفا إياه بـ "الجندي العظيم والقائد الشجاع" لإقدام الأخير على سحب المستوطنين من قطاع غزة· وبالإضافة الى ذلك، وبعد أن تصافح "الزعيمان الشجاعان" في نيويورك، أبلغ مشرف الصحافيين "إن هذا لأمر طيب جـدا"، صحيح أنه طيب جدا، ولكن السؤال هو: لمن؟

فالجنرال مشرف يريد لأبناء الشعب الباكستاني أن يصدقوا أن الاعتراف بإسرائيل سيكون أمرا جيدا لبلادهم· ويجادل مرؤوسيه في الحكومة والإعلام بأن هذه خطوة براغماتية جريئة وتمثل تحررا من "المواقف العاطفية التي عفا عليها الزمن"، الأمر الذي اعتبره أحد الكتاب الباكستانيين "مفهوما ملتبسا"، ولكن هل هـــذه هي الحقيقة؟ أم أن الدكتاتور الباكستاني يتخلى عن المصالح القومية لبـلاده مقابل تعزيز قبضته على السلطة؟ هذا الســـؤال يستحق تدقيقا عميقا·

الزعم بأن مشرف يتصرف وفقا للمصالح الوطنية لبلاده تنقصه المصداقية· لقد وجد مشرف خلاصا لنظامه في ما تطلق عليه الولايات المتحدة "الحرب على الإرهاب الدولي"·

فغداة هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن، تهيأت له الفرصة فأمسك بها بكلتا يديه· وكانت المقايضة واضحة بين الجنرال والأمريكيين، بحيث يقدمون له الدعم مقابل الانضمام الى الحرب ضد الإرهاب·

 

تلاقي مصالح

وكان هذا التحالف مفيدا جدا للجنرال مشرف الذي لا يضيع فرصة لتحقيق مكاسب وهمية تافهة لباكستان في الوقت الذي يتخلى فيه عن قيمها ومصالحها الأساسية· والنهج الذي يتبعه مشرف بسيط· لقد أعاد تعريف "المصالح القومية" لباكستان لتتلازم مع المصالح الأمريكية· وكما قال في شهر يونيو 2003 أثناء زيارة له لواشنطن: "كل ما نفعله، إنما نفعله من أجل مصالحنا القومية، ولحسن الحظ أن مصالحنا تتلاقى مع مصالح الولايات المتحدة، وهذا هو سر جمال علاقاتنا"·

والمكاسب التي حققها الجنرال واضحة· ولكن ما الذي خسرته باكستان؟ لقد تخلت عن سيادتها الإقليمية للولايات المتحدة وسلمت فضاءها وقواعدها البرية للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان، الجار الصديق لباكستان· ونتيجة لذلك، فقدت باكستان "عمقها الاستراتيجي" من خلال تسليم أفغانستان لـ "تحالف الشمال" وللهند، الخصمين الاستراتيجيين لباكستان· وعلى حدودها الشرقية، أوقفت إسلام أباد دعمها للمقاومة في كشـمير· وفي عام 2003، حاول الجنرال مشرف جاهـدا، بعد الغزو الأمريكي للعراق، إرسال قوات باكستانية الى هناك، ولكن الباكستانيين أحبــطوا تلك المحاولات·

وعلى الجبهة الداخلية، عبر الجنرال مشرف عن دعمه للحرب الأمريكية على الإرهاب من خلال نشر أيديولوجية أطلق عليها "التحديث المستنير"، الذي لا شك في أنه من تصميم أحد معاهد البحث التابعة للمحافظين الجدد في واشنطن· إنها محاولة لإبعاد باكستان عن قيمها الإسلامية الأساسية في الحكم والقوانين والأخلاق والعدالة· والأهداف الأولية لهذه الحملة هي المدارس الإسلامية والعلماء الذين يلعبون دور الحراس ضد الامبريالية الغربية والدولة السلطوية في العالم الإسلامي· والآن، تريد الولايات المتحدة تدمير كل هذه الرموز بحجة أنها تشكل "أرضا خصبة لإنتاج الإرهاب"·

وما الاعتراف بإسرائيل سوى آخر الخطوات في سلسلة من التحولات التي شهدتها باكستان منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001· أنه مطلب إسرائيلي تم تمريره عبر الحكومة الأمريكية· ويبدو أنهم يطلبون من الجنرال أن يقدم دليلا إيجابيا على شراكته في "الحرب على الإرهاب الدولي هو التراجع عن الموقف الاستراتيجي لباكستان والمتمثل بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل· لقد وصف الأب المؤسس لباكستان، إسرائيل بأنها "الولد غير الشرعي للامبريالية الغربية"· وقرر الجنرال مشرف، تحت ضغوط أمريكية - إسرائيلية تحويل باكستان الى أداة للترويج للطموحات الإسرائيلية في العالم الإسلامي·

 

صبغة قومية

لقد أصبحت وسائل الإعلام الباكستانية تعج بالكتاب والمعلقين الذين يضفون صبغة "قومية" على مسألة الاعتراف بإسرائيل·

لقد بدأ هؤلاء الكتاب فجأة، باكتشاف فوائد حيوية لا حصر لها سوف تتدفق على باكستان حال قيامها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل· ولم يبق لأبناء الشعب الباكستاني المضلل الآن، سوى الاحتفال بالروابط القديمة التي تعود الى النبي إبراهيم (عليه السلام) التي تربط البلدين "الشقيقين"· ولو كان الصهاينة سيدافعون عن قيام باكستان بتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية لما تمكنوا من مجاراة هذه الأبواق·

وإذا كانت "القومية" الضيقة هي التي يجري الترويج لها كمبرر لاعتراف باكستان بالدولة العبرية، حقيقية، فإن السمة الأبرز لهذه القومية ظلت دائما هي الشك· وظل هذا الشك قائما لأنها (أي باكستان) فشلت في فهم الصلات العميقة التي تربط الأمن برفاه الدول الإسلامية· فحين تتجاهل الحكومات الإسلامية هذه الصلات، وتتخذ مواقف منفردة مستندة الى قوميتها بشكل مرضي (من مرَضْ)· فإنها تشجع وتسهل المحاولات الامبريالية للولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما، لإخضاع هذه الدول والاستفراد بها الواحدة تلو الأخرى·

وفي هذا السياق، يمكن للمرء أن سيتذكر التجربة الكارثية للعرب مع "قوميتهم"· فعند اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالف العثمانيون مع الألمان من أجل إحباط المخططات الامبريالية البريطانية والفرنسية ضد دولتهم· وحين هدد الدخول التركي للحرب، مواقعهما في العالم العربي، سعى البريطانيون الى تشجيع العرب على الثورة ضد العثمانيين، واختاروا الشريف حسين للقيام بهذه المهمة ووعدوه بالحصول على مملكة عربية· وقد وافق هؤلاء القوميون" العرب على التخلي حتى عن فلسطين للصهاينة، فما الذي حصل عليه هؤلاء القوميون العرب مقابل خيانتهم للعثمانيين الذين رفضوا بشدة التعاون مع الصهاينة؟ تقسيم المشرق العربي بين الفرنسيين والبريطانيين، ثم الآن الخضوع للأمريكيين، والأخطر من ذلك أنهم ساعدوا في قيام دولة إسرائيل التي ارتكبت أعمال التطهير العرقي وخاضت سلسلة من الحروب ضد العرب·

ولماذا لا يفكر الباكستانيون أيضا، في انعكاسات قيام إيران - لدوافع قومية - بالتطبيع مع إسرائيل·

وماذا لو تعاونت الدولتان مع الهند لمحاولة "بلقنة" باكستان؟ ولأسباب "قومية" أو بتحريض من إســـــرائيل والهنـــد، يمكن للإيرانيين أن يروا الكثير من الفوائد من التحالف مع إسرائيل ضد باكستان·

ولكن الحكام الحاليين لإيران، الدولة المتجذرة فيها المشاعر القومية أكثر من باكستان، ما زالوا ثابتين على تأييدهم للقضية الفلسطينية· فهم يفهمون أن أمن إيران في المدى الطويل، يعتمد على نجاح المقاومة الفلسطينية في وقف النزعة التوسعية لإسرائيل·

 

نذير خطر

فما المصالح "القومية" التي يروج لها مشرف ويأمل في تعزيزها من خلال الاعتراف بإسرائيل؟ من الجدليات المطروحة أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يمكنه من تحييد المكاسب الهندية من تنامي علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل·

ولكن سرعان ما ينكشف التفكير الحالم في هذه الفرضية· فعلى ضوء اقتصادها المتواضع والذي لا يساوي 12 في المئة من الاقتصاد الهندي، لا يمكن لباكستان أن تحلم بمنافسة الأسواق الهندية للمصدرين الإسرائيليين· والتجارة الهندية مع إسرائيل بما فيها المعدات العسكرية سوف تستمر بالتنامي بسرعة، حتى مع الاعتراف الباكستاني بإسرائيل·

وإذا كان هناك من نذير خطر على باكستان، فإنه ليس العلاقات التجارية المتنامية للهند مع إسرائيل، ففي النهاية، لا تشكل الدولة العبرية سوى 0,03 في المئة من الاقتصاد العالمي· فإذا كانت الهند العدو الأخطر لباكستان اقتصاديا وعسكريا، فيتعين على الباكستانيين أن يساورهم القلق على درجة تراجعهم عن الهند من ناحية حجم اقتصاد البلدين ومستويات المعيشة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والمؤسسات الديمقراطية·

فهل يمكن أن يتخذ الجنرال مشرف الخطوة الأولى بإزالة العجز الأخير في المؤسسات الديمقراطية؟

أما الجدلية الثانية فتذهب الى أن باكستان يمكنها كسب تأييد اللوبي الإسرائيلي القوي في الولايات المتحدة، ولا سيما اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للعلاقات العامة "إيباك" لمصالح باكستان، وأن كل ما على الأخيرة أن تفعله هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل· إن سذاجة هذه الفرضية تصل الى حدود الغباء· نعم، إسرائيل تبحث عن الشرعية التي تمنحها لها الدول الإسلامية، فهي بمثابة المفتاح الذي سيشرع الأبواب لإسرائيل لتخترق الدول الإسـلامية·

وهذا سيتيح لها إضعاف المقاومة الإسلامية للصهيونية من الداخل· لقد كان القمر أقرب لإسرائيل من جنرالات ودبلوماسيي باكستان، ولكن اعتراف مشرف بإسرائيل سيكون أشبه بفض البكارة فما إن تفقد باكستان بكارتها، حتى تتحرك إسرائيل الى ضحية أخرى من دول العالم الإسلامي·

ومن الجدير بالذكر هنا ما زعمته صحيفة "ديلي تايمز" الباكستانية من أن "باكستان ستبقى أهم لإسرائيل من الهند، استراتيجيا باعتبارها دولة إسلامية بينما الهند مجرد مشترية للسلاح الإسرائيلي· لقد عرضت الهند نفسها كشريك في الحرب، لكن إسرائيل، في الواقع، تريد شريكا في السلام في الشرق الأوسط"·

إنه لمن الصعب فهم لماذا ستلجأ إسرائيل الى دولة جنوب آسيا إذا كانت تريد شريكا للسلام في الشرق الأوسط· ومن المثير للدهشة بالدرجة ذاتها، أن هذه الصحيفة تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية الكاملة بأنه ليس لديها شريك في السلام في المنطقة حتى بعد اتفاقات أوسلو! إن استراتيجية التوسع الإسرائيلية تعتمد على التطهير العرقي والحروب· إنها لم تعدم أبدا دولا عربية ترغب في المصالحة معها منذ أن هزمت الجيوش العربية في حرب عام 1948· ولكن السلام لم يكن يوما يخدم مصالح إسرائيل ومنطقها التوسعي·

 

جبن أخلاقي

لقد كرر الجنرال مشرف القول مؤخرا بأنه ليس هناك مبرر أخلاقي لإنكار الشرعية عن إسرائيل·

ويقول "إذا كان الفلسطينيون يعترفون بإسرائيل، فلماذا تصر باكستان أن تكون أكثر فلسطينية من الفلسطينيين؟"·

ولكن من الناحية الأخلاقية، لا صدقية لمثل هذا الطرح· فهل الجريمة تصبح مشروعة إذا قبلت الضحية بأن تكون كذلك؟ فالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل لا يعني شيئا أكثر من ذلك· فالفلسطينيون الذين تخلى عنهم المجتمع الدولي بما فيه المسلمون، اختارت بعض الفصائل منهم طريق المفاوضات، ولكن حصاد هذه المفاوضات كان مرا، بعد سنوات من هذه العملية· ومع ذلك، وبدلا من تقديم الدعم للفلسطينيين، يسعى حكام باكستان العسكريون لإضفاء الشرعية على جرائم إسرائيل بحجة أن ضحايا إسرائيل فعلوا الشيء ذاته·

ولا يمكن النظر لهذا المنطق بأنه أخلاقي، بل إنه جبن أخلاقي بأقصى الحدود·

ولا بد من تذكير الباكستانيين المضللين الذين يحضون على الاعتراف بإسرائيل، بأن هذه الدولة العبرية لها مصلحة استراتيجية واحدة في باكستان هي أن الإسرائيليين ينظرون الى باكستان كهدف للهجوم عليها ونزع أسلحة الدمار الشامل منها، وذلك لسببين: فباعتبار باكستان الدولة الإسلامية الأكبر في غرب آسيا، فيمكن أن تشكل يوما ما، تحديا ضد طموحات إسرائيل في غرب ووسط آسيا· والأهم من ذلك، تنظر إسرائيل لباكستان كتهديد نووي محتمل· وفي كلتا الحالتين، فإن إسرائيل لا تعتبر باكستان سوى هدف لطائراتها الـ "إف 16" والصواريخ وترسانتها النووية· هذه نظرة إسرائيل لباكستان بصرف النظر عن المساعي الباكستانية الذليلة لمصادقتها· فإسرائيل لا يمكن أن تقبل بباكستان الموحدة والنـووية، وليتجاهل الباكستانيون هذه الحقيقة الدامغة، ويتحملون التبعات·

وفي الختام، أود أن أسجل للتاريخ، الشروط التي أعتقد أن على إسرائيل أن تفي بها قبل أن يمنحها العالم الإسلامي، بل والمفترض العالم أجمع، الشرعية، وهي أنه يجب على إسرائيل تفكيك هياكلها للفصل العنصري وأن تزيل كل العوائق أمام عودة الفلسطينيين الذين طردتهم من بيوتهم منذ عام 1948· وحين تتحقق كل هذه الشروط، فلن تعود إسرائيل، أو مهما كان اسمها، مشروعا امبرياليا، وسوف تفقد منطقها التوسعي·

وحينئذ يمكن أن تصبح دولة شرق أوسطية وتعيش بسلام مع جيرانها المسلمين·

 

* أستاذ الاقتصاد في جامعة بوسطن، ومؤلف كتاب "هل هناك مشكلة إسلامية؟"

■ المصدر: Counterpunch

طباعة  

في تقرير حديث لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية:
العراق أصبح أفغانستان الثمانينات