· لن يطول الوقت قبل بروز التناقض في المصالح بين المتمردين المحليين والإرهابيين الأجانب
· وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية يشجع الحكومة العراقية على إيجاد حل سياسي لمشكلة التمرد
بقلم: بول كروغمان
تدرك غالبية الشعب الأمريكي الآن أن الرئيس بوش قد ضللها متعمدا لتبرير شن الحرب على العراق· ففي خطاب له مؤخرا، قال الرئيس إن الولايات المتحدة ليس أمامها الآن، من خيار سوى مواصلة الحرب، بصرف النظر عما إذا كان العراق قد شكل تهديدا لنا قبل أن نغزوه أم لا؟
وأضاف الرئيس أن العراق أصبح الآن جبهة مركزية في الحرب على الإرهاب· وبما أن الإنسحاب سيمثل انتصارا لشبكة القاعدة، فإنه يتعين على الأمريكيين أن يدعموا هذه الحرب، وهذا يعني - بالتالي - دعم الرئيس·
ولكن يجب على الأمريكيين ألا يسمحوا بأن يؤخذوا رهائن لهذه الحرب· لقد ضاعت على هذه البلاد فرصة قول "لا" قبل أن تبدأ الحرب، ولكن ما زال بوسعها أن تقول "لا" لالتزام بوش غير المحدود في هذه الحرب والمطالبة بجدول زمني لسحب القوات الأمريكية· وإنني أدرك صعوبة تسويق هذه المطالب، لأن الكثير من الأمريكيين - بالرغم من كل ما حدث - ما زالوا يعتقدون أن بالإمكان تحقيق الانتصار في هذه الحرب· ولكن حان الوقت لمواجهة ثلاث حقائق: الأولى، أن هذه الحرب تساعد الإرهابيين وليست تؤذيهم· والثانية، أن الانتصار الواضح الذي وعد صقور إدارة بوش بتحقيقه لم يعد ممكنا، وربما لم يكن ممكنا أصلا· والثالثة، أن وضع برنامج زمني لانخراطنا في هذه الحرب سيجلب الفائدة أكثر مما يحدث الضرر·
فرصة لكسب الحرب
فقبل الحرب، حذر مناهضوها من أنها ستقوي شوكة الإرهاب، ولن تضعفه· وهذا ما حدث بالفعل· فقد حذر تقرير صادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مؤخرا من أن العراق قد أصبح بعد الغزو الأمريكي كما كانت عليه أفغانستان في ظل الاحتلال السوفييتي في الثمانينات، بل وأكثر من ذلك أنه أصبح مركز جذب وتدريب للمتطرفين الإسلاميين الذين سيهددون أمن دول أخرى في نهاية المطاف·
كما أن الوضع في العراق لا يتحسن· فقد اتهم السيناتور تشاك هاغيل البيت الأبيض بأنه "منفصل تماما عن الحقيقة حتى يتحدث عن إحراز تقدم، إنهم يتحدثون عن الوضع كما يشتهونه، ولكن الحقيقة إننا نخسر في العراق"· ويعتقد هاغيل أنه لا تزال هناك فرصة للولايات المتحدة لكسب الحرب ولكن من الصعب معرفة كيفية ذلك·
إن الدفع يزيد من القوات إلى العراق قد يكون أحد أركان هذا النجاح، ولكن معظم أفراد الجيش الأمريكي هم هناك بالفعل أو عائدون من هناك أو ذاهبون· كما أن "تحالف الراغبين" بدأ يضمحل·
إن مساعدة العراقيين في إعادة بناء بلادهم قد يسهم في نجاحنا في كسب عقول وقلوب هؤلاء الناس· ولكن على الرغم من الحديث الكثير عن ترميم المدارس، إلا أن الحقيقة هي أن عمليات إعادة الإعمار التي شابها الكثير من العجز والفساد، أصبحت متوقفة الآن بسبب تدهور الوضع الأمني·
لقد سأل صحافي عراقي يرافق رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري في أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن الرئيس بوش قائلا: "متى ستبدؤون عملية إعادة إعمار العراق؟"·
وفي هذه الأثناء، فإن الوقت ينفد بسرعة بالنسبة لأفراد الجيش الأمريكي من المتطوعين، الذين يرزحون تحت إجهاد حرب عصابات لم تكن في الحسبان أبدا· فما الذي سيحدث إذاً، لو وضعت واشنطن حدا لالتزامها اللامحدود ووضعت جدولا زمنيا للانسحاب؟
رسالة خاطئة
يجادل الرئيس بوش أن مثل هذه الخطوة "من شأنها أن تبعث برسالة خاطئة إلى قواتنا التي ينبغي لها أن تعلم أننا جادون حين نقول إننا باقون هناك حتى استكمال المهمة"·
ولكن ما يحتاج أفراد هذه القوات أن يعلموه أن بلادهم لا تطلب منهم ما فوق طاقتهم· وأشار الرئيس أيضا إلى أن ذلك سوف يشجع المتمردين الذين سيدركون أن كل ما عليهم عمله هو انتظار رحيلنا"· ولكن لا يبدو أن المتمردين بحاجة إلى أي تشجيع·
إن الاحتمال الأرجح هو أن الحكومة العراقية إذا علمت أن دعمنا مرتبط بتاريخ محدد، فسوف تسارع إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، والأهم من ذلك، إنها ستبذل جهدا أكبر لإيجاد حل سياسي لمشكلة التمرد·
صحيح أن العراق الذي سيبرز بعد الانسحاب الأمريكي لن يتمتع باقتصاد السوق والديمقراطية ولن يكون مثل إسرائيل في صداقته لنا كما وعد المحافظون الجدد، ولكنه سيشكل تهديدا إرهابيا أقل مما هو عراق اليوم·
وعلينا أن نتذكر أ يضا أن العراق لم يكن يشكل بيئة تفرخ الإرهابيين قبل أن نذهب إلى هناك· وكل الدلائل تشير إلى أن الإرهابيين الأجانب الذين يتدفقون على العراق بأعداد كبيرة يعتمدون على التسهيلات التي يوفرها لهم التمرد الداخلي الذي يجد فيهم فائدة له في الوقت الراهن، ولكن المتمردين العراقيين ليسوا معنيين - في النهاية - بالدخول في مواجهة مع الغرب، وحينئذ تتعارض المصالح والأهداف ولا يعود الإرهابيين الأجانب موضع ترحيب في العراق·
والفكرة الهامة التي أكدتها الفترة الماضية هي أن وجود القوات الأمريكية في العراق يجعل بلادنا أقل أمنا· ولذلك، فقد حان الوقت كي يبدأ بنفض أيدينا من هذه الحرب·
" عن نيويورك تايمز"