ثقافة الطفل··· والحرث في الماء
د· نادر القنة
"يوم الطفل العربي"، مناسبة احتفالية قومية وقُطرية سنوية· أقرتها الهيئات والمؤسسات الثقافية والإعلامية العربية المعنية بشؤون التنمية الوطنية، وبرامج الطفولة في مختلف الأقطار العربية إيمانا منها بمشروعية حقوق الطفل الإنسانية على كل المستويات· بوصف هذا الطفل "رجل المستقبل" وباني نهضة الغد، وحامل لواء مسؤولية التحديث والتطوير·
هذه الاحتفالية مرت علينا هذا العام 2005 من غير حس ولا خبر· وكأننا في بلاد بلا طفولة، أو كأن طفولة بلادنا من غير استحقاقات إنسانية وقانونية وشرعية·· في الوقت الذي اهتمت فيه عواصم عربية أخرى بالمناسبة، رغم ما تعانيه من مشاكل سياسية واجتماعية خانقة، ورغم محدودية موازناتها المالية المخصصة للشأن الثقافي ولقضايا التنمية·
هذه العواصم احتفلت بيوم الطفل العربي من غير بهرجة سياسية أو ثقافية، أو بروباجندية··· ومن غير التشدق ببرامج غير واقعية· إنما قدمت خططها الوطنية، وبرامجها النوعية التي تساهم في تحقيق التنمية الشاملة من جانب، وحماية الطفل العربي من جانب ثان· عبر توفير بيئة آمنة مناسبة لحماية الطفل من العنف العاطفي، والجسدي، وما يتعرض له من إهمال، واستخفاف، وحرمان، وتوجيه اجتماعي خاطئ، ورعاية صحية منقوصة·
إن العواصم التي صمتت عن هذه المناسبة، ولم تلق لها بالاً، أو تحرك فيها ساكنا، والتي أدارت فيها ظهرها للطفولة·· فإنما تترجم واقعها البرامجي والتنموي الذي يخلو من مشاريع الاهتمام بالطفولة، ومشاريع التنمية الوطنية·· وما هذا الصمت إلا عنوان تعرية لبرامج ومؤسسات تتمسك بالأقوال لا بالأفعال·
هذه العواصم لا تفكر بالغد، كما لا تجيد صناعة المستقبل، ولا تعرف كيف تصوغ نهضتها الإنسانية المؤسسة على خطط التطوير والتنمية·· وبالتالي، فإنها ستظل تعاني راهنا، ومستقبلا من أزمات خانقة، وطفولة معذبة، وسياسة ثقافية مربكة·
أذكر جيدا أنه بالعيد الخمسين لتأسيس منظمة (اليونيسيف)· استضافت جريدة الأهرام في مطلع عام 1996 ندوة عن حقوق الطفل تحدث فيها الدكتور محمد باقر غازي ممثل اليونيسيف بالمنطقة، والدكتورة أمينة الجندي أمين عام المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، وإبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام صاحب الدعوة·
كان السؤال المركزي في هذه الندوة منطلقا من الصالة، من وجدان الحضور، من الشرائح المعنية بتربية الأطفال·· جاء بخط عريض يقول: أين نحن الآن من الإعلان العالمي لحقوق الطفل؟
هذا التساؤل المنطقي اصطدم في حينها بإحصاءات وأرقام ودراسات أكثر منطقية، تكشف عن طفولة مقهورة في الدول النامية، والدول العربية من بينها··
الإحصاءات أشارت الى معدلات مرتفعة للأطفال المشردين، والأطفال البائسين المحملين بأمراض العصر، والأطفال المرغمين على العمل في قطاعات البناء والعمالة وأسواق الحرفيين، وأطفال مثلهم مرغمين على حمل السلاح والقتال في معارك حربية لا يدركون تماما معنى الحرب وفلسفتها·
في حينها عجز أي أحد أن يجيب بشكل علمي عن التساؤل المطروح، ويبين للحضور بالأدلة الواقعية والثبوتية، والخطط البرامجية استراتيجيتنا في حماية الطفل العربي· فكان السؤال بمثابة الجرس المعلق في ضمير الأمة·· وقلنا حينها: لعلها البداية الحقيقية للاهتمام بالطفولة، وثقافة الطفولة، وتنمية الطفولة·· ومع مرور الأيام تبين لنا أن السؤال هو السؤال·· وأن الباحث عن إجابة له، كمن يحرث في الماء·· من هنا أدركت سر العواصم الصامتة، وسر رفضها للاحتفال بالطفولة·· لأنه لا شيء لديها تقوله أو تفعله بهذا الشأن، غير الصمت·
fonon@taleea.com