كتب محرر الشؤون العربية:
انتحار وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان علامة منذرة، ربما كانت هذه هي القراءة الأولى الأكثر صحة من التكهنات التي بدأت تحيط بالحدث، ليس بسبب أنه يجيء في سياق التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري فقط، أو قرب صدور التقرير الذي أعده القاضي ديتلف ميليس بعناية متدبرا كما يبدو أن يكون جزءا من حملة أوسع بدأت بوادرها قبل وبعد اغتيال الحريري، وجهتها "تغيير النظام" السوري، ولكن ليس بأي ثمن بالطبع·
تغيير النظام·· هو المرمى النهائي، مهما كانت نتائج التحقيق، ومهما كان من شأن الأحداث التي تعترض طريقه، ولهذا يكتسب ما تسرب عبر صحيفة "التايمز" اللندنية من أقوال لمسؤول أمريكي عن تقديم "صفقة" إلى النظام السوري تماثل الصفقة الشهيرة التي قدمت للنظام الليبي، وتم قبولها، أهمية أكثر مما هو متوقع· ضمن أخبار هذه الصفقة مطالب قديمة - جديدة ترفعها الإدارة الأمريكية منذ زمن أطول، ولكنها بدت متمسكة بها أكثر، وبوضوح، بعد 9/11، فهي محددة بأربع نقط، تعاون في التحقيق الدولي في مسألة اغتيال الحريري وتسليم أي مشتبه بهم في تورطهم، ووقف دعم حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية على حد سواء، وإغلاق معسكرات تدريب ودعم التمرد في العراق، ووقف أي تدخل قادم في لبنان·
وزارة الخارجية السورية، على لسان مصدر رسمي، "نفت أنها في وارد عقد صفقات" إلا أنها أشارت إلى اتصالات تجري مع واشنطن بوساطة مصر للتعرف على "ما تريد أمريكا من سورية"·
قراءة بنود هذه الصفقة توضح فورا ما تريده أمريكا من سورية بلا مواربة· وكل هذا جرى ويجري كما يبدو خارج سياق أحداث الاغتيال والانتحار وما إلى ذلك، أي جانبيا وتحت الطاولة، ولن يأسف بالطبع سياسي أو تأسف حكومة على اغتيال يحدث هنا أو هناك، لأن هذه الأحداث الغامضة··· بطبيعتها، ذات وظيفة أبدية هي تكثيف القلق والاضطراب ولشد المواقف، وتبرير أقصى ما يمكن من شروط الأمان للتدخل وفرض الشروط والصفقات·
المنذر في انتحار اللواء كنعان، وهو حدث ليس فريدا من نوعه في سورية منذ الانتحارات··· التي سبقت تولي بشار الأسد السلطة، إنه علامة على إرادة لتصفية الأجواء لما هو قادم، وتحديدا في سورية بالذات التي تقف قيادتها أمام خيارات وقرارات يدفعها إليها الوضع الإقليمي والدولي معا·
فهل جاء "الانتحار" لتفادي مسألة الانقلاب العسكري الذي يروج له كحل لابد منه في أوساط غربية؟ أم جاء للبدء في عملية تصفية "الأقوياء" الذين يطلق عليهم لقب "الحرس القديم"، تمهيدا لقدوم "الحرس الجديد"؟!
مهما كان الجواب، فإن الاتجاه الوحيد الذي يشير لهذا الإطار الواسع، الضغط الأمريكي المتواصل بهذه الأداة أو تلك، إن شيئا ما في الجو لن ينتظر طويلا·