رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 16 رمضان 1426هـ - 19 أكتوبر 2005
العدد 1700

كارثة أمريكية!

زبيغنيو بريزنسكي*

استنتج "أرنولد توينبي" قبل ما يقارب 60 عاما في عمله الكبير "دراسة التاريخ"، بأن السبب النهائي لانهيار الإمبراطوريات كان "فن الحكم الانتحاري"·

والمحزن بالنسبة لمكان جورج بوش في التاريخ، ولمستقبل أمريكيا المنذر بالشرخ وهو الأكثر أهمية، أن هذا التعبير الحذق يتزايد انطباقه كما يبدو على السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ جائحة 11-9 فعلى الرغم من أن هناك بعض الإشارات الى أن إدارة بوش ربما بدأت بإعادة تقييم الأهداف التي رسمتها حتى الآن الشعارات الى حد كبير، لتدخلها العسكري غير الناجح في العراق، إلا أن خطاب بوش يوم الخميس كان عودة الى ما سلف· من صياغات ديماغوجية سبق أن استخدمها في خلال الحملة الرئاسية في العام 2004 لتبرير حرب هو من بدأها·

تلك الحرب، التي دافعت عنها دائرة ضيقة من صناع القرار بدوافع لا تزال غير ظاهرة ظهورا كاملا، وساهمت في الدعاية لها أمام الرأي العام لغة طنانة تقوم على مزاعم زائفة، انكشفت عن كونها أكثر كلفة بكثير، دما وأموالا، مما كان متوقعا· فقد أثارت نقدا في مختلف أرجاء العالم· ووصمت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بوصمة أنها الخلف الاستعماري لبريطانيا، وشريك لإسرائيل في القمع العسكري للعرب، وأصبح هذا الإدراك، سواء كان عادلا أم لا، واسع الانتشار في أرجاء العالم الإسلامي·

إننا الآن بحاجة الى ما هو أكثر من إعادة صياغة لأهداف الولايات المتحدة في العراق، لأن تردد الإدارة المتواصل في مواجهة الخلفية السياسية لخطى الإرهاب قد عزز التعاطف مع الإرهابيين بين المسلمين· ومن الخداع الذاتي للنفس أن يقال للأمريكيين إن الإرهابيين مدفوعون أساسا بمجرد "كراهية للحرية"، وإن أعمالهم هي انعكاس لعداء ثقافي عميق· فلو كان الأمر كذلك، لأصبحت استوكهولم وريودي جانيرو معرضة للخطر نفسه الذي تتعرض له نيويورك ستي· ومع ذلك، فبالإضافة الى النيويوركيين، فإن الضحايا الرئيسيين للهجمات الإرهابية الخطرة هم أستراليون في بالي، وأسبان في مدريد، وإسرائيليون في تل أبيب، ومصريون في سيناء، وبريطانيون في لندن·

بين كل هذه الأحداث هناك خيط سياسي واضح يربط بينها، فالمستهدفون هم حلفاء أمريكا ودول وكيلة لها في تعميق التدخل العسكري في الشرق الأوسط· الإرهابيون لا يولدون، بل تصنعهم الأحداث، والتجارب، والانطباعات، والكراهية، والأساطير العرقية، والذكريات التاريخية، والتعصب الديني، وعمليات غسل الدماغ المتعهدة، وتصنعهم أيضا صور ما يشاهدون على شاشة التلفاز، وبخاصة في ظل شعور الحنق على ما يفهمون أنه تشهير وحشي بكرامة أشقائهم في الدين على يد الأجانب المدججين بالأسلحة· إن كراهية سياسية شديدة لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل تجلب مجندين الى الإرهاب ليس من الشرق الأوسط فقط، بل ومن مناطق بعيدة تصل الى أثيوبيا ومراكش وباكستان وأندونيسيا، بل حتى من منطقة البحر الكاريبي·

وقد تضررت قدرة أمريكا على التعامل مع منع انتشار الأسلحة النووية أيضا· والتباين بين الهجوم على عراق ضعيف عسكريا، وبين ليونة أمريكا تجاه كوريا الشمالية المسلحة نوويا، عزز قناعة الإيرانيين بأنه لا يمكن تعزيز أمنهم إلا بالأسلحة النووية·

يضاف الى هذا، أن قرار الولايات المتحدة الأخير في دعم برنامج الهند النووي مدفوع الى حد كبير بالرغبة في دعم هندي للحرب في العراق، وبكونها مصدا تجاه الصين، جعل الولايات المتحدة تبدو متعهدا انتقائيا بنشر الأسلحة النووية· وسيعقد هذا المعيار المزدوج السعي الى حل بناء للمشكلة الإيرانية النووية·

حصيلة مركب من أمثال هذه المعضلات السياسية هي الانحطاط لموقف أمريكا الأخلاقي في العالم· إن البلد الذي وقف شامخا طيلة عقود يعارض الاضطهاد السياسي، والتعذيب، والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، ينكشف الآن كمشرع لممارسات لا يمكن أن تحمل سمة واحدة من سمات الكرامة الإنسانية· والأكثر مدعاة للتنديد والشجب، هي حقيقة، أن الاضطهاد المخجل والتعذيب في غوانتانامو وأبو غريب، لم تكشف عنه إدارة غاضبة، بل وسائط الإعلام الأمريكية· وكرد فعل، قيدت الإدارة الأمريكية نفسها بمعاقبة قلة من المرتكبين ذوي الرتب الدنيا، ولم يفضح علنا أمر أحد من كبار الموظفين والعسكريين صناع القرار في وزارة الدفاع، وفي مجلس الأمن القومي الذين شرعوا "الاستجوابات المشددة" (التعذيب) أو يعاقب أو يجبر على الاستقالة·

ويبدو الآن أن معارضة الإدارة للمحكمة الجنائية الدولية خدمت بها نفسها تماما·

أخيرا، ما يعقد سجل هذه السياسة الخارجية المفجع هو الاتجاهات الاقتصادية المتصلة بالحرب·

ميزانيات وزارتي الدفاع والأمن الداخلي هي الآن الأكبر من مجموع ميزانية أي أمة، وهناك احتمال أن تواصل ارتفاعها التصاعدي، ميزانيات وعجزا في الميزان التجاري يحول أمريكا الى الأمة المدينة رقم واحد في العالم، في وقت تتصاعد فيه تكاليف الحرب في العراق، المباشرة وغير المباشرة، بل تتجاوز حتى التكهنات المتشائمة لخصومها منذ البداية، ساخرة من نبوءات الإدارة الأولية· فكل دولار يصرف على هذه الحرب، هو دولار لا يصرف على الاستثمارات، أو الأبحاث العلمية، أو التعليم، أي كل ما هو أساس ذو علاقة بأولوية أمريكا الاقتصادية على المدى الطويل في عالم يشهد تنافسا حادا·

ويجب أن يكون معلوما ومصدرا خاصا من مصادر الاهتمام لدى كل أمريكي ذي حس سليم، أنه حتى الأمم المعروفة بتعاطفها التقليدي مع أمريكا بدأت تصبح ناقدة علنا للسياسة الأمريكية· ونتيجة لذلك، بدأت بقاع كثيرة في العالم، بما فيها أمم في شرقي آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، تستكشف بهدوء طرقا لتشكيل روابط إقليمية أقل ارتباطا بأفكار عبر المحيط الهادي، أو عبر الأطلسي، أو تعاون نصف الكرة الجنوبي مع الولايات المتحدة وقد يصبح الاغتراب الجيوبوليتكي (الجغرافي - السياسي) عن أمريكا واقعا دائما ومهددا· وسيستفيد من هذا التوجه بخاصة، أولئك الذين تاريخيا لا يكنون ودا لأمريكا، والمنافسون المستقبليون· روسيا والصين هما من يراقب حماقة أمريكا هازئا، روسيا لأنها سعيدة برؤية ضربات المسلمين تنحرف عنها وتتجه نحو أمريكا، رغم جرائمها في أفغانستان والشيشان، وهي تتوق لإغواء أمريكا للدخول في تحالف مناوئ للإسلام، والصين، لأنها تتبع صابرة نصيحة معلمها الاستراتيجي في الأزمنة القديمة "سن تزو" الذي علّم بأن أفضل طريقة للفوز هي أن تترك منافسك يهزم نفسه·

خلال السنوات الأربع الأخيرة، وبمعنى واقعي تماما، قوض فريق بوش تقويضا خطرا مكانة أمريكا الآمنة على ما يبدو فوق قمة عمود الطوطم العالمي، بأن حولوا تحديا يمكن التعامل معه، رغم خطورته، هو ذو منشأ إقليمي الى حد كبير، الى كارثة دولية· إن أمريكا لأنها قوية، قوة استثنائية، وغنية، يمكنها أن تتحمل لوقت أطول من غيرها، سياسة يعبر عنها بلغة طنانة مفرطة، ويتم السعي لتحقيقها بعمى تاريخي، ولكن في مسار هذه العملية، من المحتمل أن تصبح أمريكا معزولة في عالم معاد لها، يتزايد ضعفها أمام الأعمال الإرهابية، وتتضاءل شيئا فشيئا قدرتها على ممارسة تأثير عالمي بناء·

إن الاندفاع بعيدا بعصا لضرب عش دبابير، والزعم بصوت عال "سأبقى على المسار" لهو ممارسة من ممارسات القيادة الكارثية·

ولكن الأمر ليس بحاجة الى أن يكون كذلك، إن تصحيحا حقيقيا للمسار ما زال ممكنا، ويمكن أن يبدأ حالا بمبادرة متواضعة ومفهومة من قبل الرئيس، نحو إشراك القيادة الديمقراطية في الكونغرس في محاولة جادة لتشكيل سياسة خارجية يشارك فيها الحزبان من أجل أمة منقسمة وقلقة، بهذه المشاركة الثنائية، سيكون من الأسهل ليس إعادة تعريف معنى النجاح ومداه في العراق، بل الخروج من العراق عمليا، ربما حتى في العام المقبل على أقل تقدير· وكلما كان خروج الولايات المتحدة أسرع، كان سريعا وصول الشيعة والأكراد والسنة إما الى ترتيب سياسي خاص بهم، وإما الى مركب منهم سيهيمن بقوة·

بسياسة خارجية أساسها شراكة ثنائية وبالعراق وراءنا، سيكون من الأسهل أيضا تشكيل سياسة شرق أوسطية أوسع تركز تركيزا بناء على إيران وعلى عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على شرعية دور أمريكا العالمي·

* زبيغنيو بريزنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي

في عهد الرئيس كارتر

طباعة  

فيما تراجعت حمى الإشاعات "المفبركة"
دستورياً: "الحسم" بيد سمو الأمير وحده

 
الخطاب الأميري يخلو من قضايا الإصلاح
 
تصريحات شرار تعني: "لا طبنا ولا غدا الشر"
لو أوقفت الحكومة العبث بالانتخابات بتطبيقها القانون لما احتجنا إلى تعديل الدوائر

 
طالبه بالاستقالة إذا تم تمريره منقوصاً
"الشعبي" يدعو الرشيد إلى التمسك بـ "المطبوعات" كاملاً

 
شن حملة على "الصناعة" وديوان المحاسبة بعد كشفهما مخالفات "الوسيلة"
الخنة يستخدم نفوذه النيابي لمصالحه الشخصية

 
ولا عزاء لتبرعات أهل الكويت
فضيحة مالية في حزب الإخوان المسلمين

 
معظمها تخص جمعية الإصلاح
البلدية تتسلم تكليفات "الشؤون" بإزالة أكشاك التبرعات المخالفة

 
تحليل سياسي
سورية: عصا ميليس... أو الصفقة!

 
الوجه الآخر للرئيس الإيراني أحمدي نجاد
يقود سيارته البيجو موديل 77 ويأخذ طعامه معه إلى الرئاسة!

 
أنفلونزا الطيور···
هلع تجاوز جنون البقر، فماذا فعلنا؟

 
فئات خاصة