لا تـــقرأ..
نشمي مهنا
عندما أقع على نص رائع لشاب لا يتجاوز عقده الثاني أو نصف الثالث، يخطر في بالي أن أنصحه بأن يتوقف عن القراءة ويستمر في الكتابة فقط!
أو تلطيفا: "خفّفْ من قراءاتك ولا تقرأ سوى المختارات"·
أنا شخصيا لا أحب النصيحة أيا كان موضوعها وشأنها· لا أحسن توجيهها، ولا أطيق سماعها من أحد، لكن إعجابي بالنص - الذي أتمناه أساسا لنفسي، ولا أعرف صاحبه - يجعل الخاطر يلح عليّ في كل مرة·
هل هي نصيحة مدمرة؟!
لا أظن، ما دمت لا أعني الموهبة المتمسكة بالاشتراطات المعروفة للبدايات، من تدرج في الخطوات، الى ضرورات التشذيب والتهذيب لأغصان لغتها وأفكارها الملتفة، الى صقل معدنها··· وما الى ذلك من ثقل يقتل، قبل أن يُوصل الى منتصف العتبات الحجرية·
الموهبة الشرارة، هذا ما أعنيه، التي يمتلك صاحبها لغة صافية أنيقة، وفكرة مبدعة تتولد عن أخرى، كتوالد أشباح لا يعرف من أي بئر ليلية جاءت، والى أين غادرت، لكنه يعرف فقط أن مخيلته (وحدها) هي التي رسمت لها ملامح لا تشبه ما في مخيلات أصدقائه المفزوعين!
ما حاجة موهبة صغيرة نادرة (لهذا الشاب أو تلك الفتاة) بقراءات متراكمة، متعددة، تشتت انسياب مياهه الصافية، وتُوقع ألف حجر في ذهنه ولغته؟!
هل يحتاج صاحب النص الشعري أو القصصي المبدع الى أن يحشو رأسه بكم من الثقافات وأخلاط المعلومات واللغات الكتابية والأساليب المختلفة كي يقبض على روح الشعر أو تبرق في ذهنه حبكة قصصية؟!
أمهات الكتب و"عمّاتها" بأوراقها الصفراء ورائحة غبارها قد تشوّه اللغة، وتضيق أفق الأفكار بالتقليدية، ولا تضيف سوى معلومة غير نافعة في شؤون الموهبة· "وتزاحم الأضداد" اللغوية في بطون الكتب بتعدد أساليب كتّابها واختلافاتهم تلوِّث فطرة اللغة المتعافية والموهوبة أصلا· هنا يقف موقف الولد الصغير التائه في سوق مزدحم يضم مئات الأصوات واللهجات، لا يدري أي نداء يتبع وهو لا يعرف أباه اللغوي!
الموهوب الذي نعني مولود في غابة، لا تخشوا عليه، ستتدبر أمره الطبيعة، لا تعلموه ولا تنصحوه، فقط اتركوه لخفته، ولِلُعَبه التي يحسن تركيبها بحب·
* * *
أعرف أنها دعوة مدمرة في عموميتها، لكن من يعلم قد تكون اختصارا لطريق طويلة ملتوية، وتخفيفا من زوّادة تقصم الظهر، لا يحتاج البعض حتى الى عُشر ما فيها·
nashmi22@hotmail.com
