كتب محمود أبو الفضل:
أثار تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة والمناقشات التي دارت بشأنها في أروقة السلطة والمجلس التشريعي أزمة داخلية وجدلا بين أعضاء المجلس التشريعي الذين تتباين مواقفهم من مواصفات الحكومة المطلوبة·
ومع أن نيل حكومة أحمد قريع الثقة من المجلس التشريعي يبدو ظاهريا وكأن الأزمة انتهت، إلا أن الصحيح عكس ذلك إذ لم تكن هذه الأزمة العميقة سوى "بروفة" لأزمات أعمق وأشد عصفا بالحكومة الفلسطينية والحزب الحاكم "حركة فتح"·
أزمة الحكومة وتشكيلها من شخصيات ذات لون واحد، إلا من بعض الوزراء من ألوان أخرى - من أجل كسر حدة اللون الواحد - أظهرت بحق أزمة النظام السياسي الفلسطيني على مستوى الحزب الحاكم "فتح" والسلطة الفلسطينية وأحزاب وقوى المعارضة، وكذلك الشارع الفلسطيني الذي وقف متفرجا على طول الخط·
فالأزمة داخل فتح تظهر أن الحركة أمام معارك طاحنة خلال الشهور المقبلة ليس أقلها معركة توليف قائمة تمثلها في الانتخابات التشريعية والبلدية التي ستسبق الانتخابات الداخلية والمؤتمر العام السادس للحركة، وهي معركة لا تقل ضراوة عن سابقاتها·
ويرى بعض المراقبين أن هذه المعارك ستنشب بالأساس بين الحرس القديم وآخر جديد، في حين يرى آخرون أن المعركة ستكون بين تيار محافظ وآخر إصلاحي، ولكن هناك رأي ثالث يرى أن المعركة ليست بين طرفين، بل هي حول كيفية تقسيم "الكعكة" والحصص من الوزارات والامتيازات والاحتكارات، وحجز مقعد في اللجنة المركزية للحركة التي باتت تتحكم في كل شؤون الوطن والقضية وتختطف صنع القرار من السلطة الفلسطينية·
كما أن أزمة النظام السياسي تعكس أزمة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة التي وقفت تتفرج على أزمة فتح والسلطة وبالتالي الحكومة من دون أي تدخل ولو بسيط، وكأن هذه القضية لا تعنيها، أو هي في انتظار ما ستسفر عنه الأزمة·
وتبقى أزمة الشارع الفلسطيني هي الأكبر، إذ لا يلعب هذا الشارع دوره في القضايا الداخلية وقضايا الديمقراطية، بل هو لا يحرك ساكنا تجاه قضايا تعتبر على رأس أولوياته ألا وهي البطالة والفقر اللذان تجاوزا نسبة 60%·
وعلى الرغم من أن نار "الاستوزار" قد خمدت ولو مرحليا الآن، إلا أن الأزمة داخل حركة فتح تجعلها تتجه يوما بعد يوم إلى الانفراط، وكأنها سبحة انفرط عقدها الذي كان يمثله الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتبعثرت حباتها ولم يعد بالإمكان إيجاد الخيط الذي يعيدها إلى سابق عهدها حركة ثورية لا حركة "مصالح شخصية"·