رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 24 ذوالقعدة 1425هـ - 5 يناير 2005
العدد 1660

ملاك يدير العاصفة.. كتاب يناقش الخلفية الدينية للقرارات السياسية الأمريكية

                                  

 

·         بوش عبر عن إيمانه بالدور الإلهي المنوط بأمريكا لقيادة العالم في صراع الخير والشر وسخر فضيلة الشجاعة بصيغتها الدينية لإثارة قيم الحرب والقتال

·         بوش وبلير نفذا الحرب على الإرهاب بناء على قناعتهما الدينية

·         الإدارة الأمريكية استغلت التطرف الديني في أمريكا لإقناع الشعب بمشروعية قرارات سياسية مثل غزو أفغانستان والعراق

·         واشنطن: الحرب على الإرهاب تحمل وجهين إما أن تكون مع الولايات المتحدة أو أن تكون ضدها!!

 

عرض: سعاد المعجل

انتشرت في الآونة الأخيرة الكتب التي تناقش الخلفية العقائدية والدينية للقرارات السياسية الأمريكية!! منها كتاب "مايكل نورثكوت" الصادر مؤخرا بعنوان "ملاك يوجه العاصفة" والذي يلخص فيه الكاتب كيف استطاعت إدارة بوش أن تستغل التطرف الديني في أمريكا لتقنع الشعب الأمريكي بمشروعية قرارات سياسية مثل غزو أفغانستان والعراق!!

في يناير 2001 وفي أثناء مراسم تقليد الرئيس الأمريكي الجديد·· عبّر الرئيس عن إيمانه بالدور الإلهي المنوط بالولايات المتحدة لقيادة العالم في صراع الخير والشر·· والذي سيحسمه انتصار أمريكا في وجه قوى الشر وذلك طبقا للرؤية النبوئية والتي تعتبر من الإرث العقائدي المسيحي الذي يؤمن به الغالبية من الشعب الأمريكي·

في تلك المناسبة ألقى "بوش" خطابا يرى فيه الكاتب تمهيدا واضحا لهذا الدور الإلهي·· الذي يجعل من الولايات المتحدة "العالم الجديد" الذي حطم أغلال الاضطهاد·· ورسخ الحريات والإصلاحات·· وأعطى الشعب الأمريكي هذا الإحساس بالقدسية وبكونهم الشعب المختار·· وهو ما تعبر عنه العقلية الأمريكية بأكثر من صيغة مثل "الحلم الأمريكي" و"الخصوصية الأمريكية"·

 

صراع

 

إن الصراع الأمريكي لتحقيق هذه المهمة الإلهية سواء داخل أمريكا أو خارجها سيتطلب شجاعة وتحملا·· لكنه قطعا سينجح لأن "الملاك هو الذي يوجه العاصفة"·· وهو تعبير أضافه كاتب خطابات الرئيس الأمريكي "بوش" والذي اقتبسه من "جون بيج" أحد الأقطاب السياسية في ولاية فيرجينيا الذي خاطب "توماس جيفرسون" في أعقاب إعلان الاستقلال بقوله: "نعلم أن السباق لا يحسمه الأسرع·· ولا يحسم المعركة القوي!! ألا ترى أن ملاكا يقود الزوبعة·· ويوجه العاصفة"·

 

الكارثة

 

وفي العام 2002 وبعد نحو ثلاثة أشهر على هجوم الحادي عشر من سبتمبر·· يتحدث "بوش" عن الكارثة بكونها "فرصة فريدة" لتوحيد العالم في صراعه نحو تحقيق السوق الحرة·· وبعد عام يخاطب الرئيس الأمريكي الجنود من فوق حاملة الطائرات "لينكولن" مذكرا بالرسالة التي يحملها هؤلاء·· ويسترجع معها بعضا من أقوال "المسيح"·

يرى الكاتب أن "بوش" و"بلير" قد نفذا الحرب غير القانونية على العراق، وأيضا الحرب على الإرهاب·· بناء على قناعاتهما الدينية أولا·· وهما بذلك يقفان كشاهد على استغلال بشع للدين المسيحي من قبل بعض أهل السياسة·· في سبيل تأمين شرعية كافية لحروبهم·· ولتصنيفهم لقوى الخير والشر في العالم·

يعود الكاتب بالتاريخ الى بداية نشأة المجتمع الأمريكي الحالي·· حين قدمت أفواج المهاجرين الإنجليز من البيوريتان وهم أعضاء في جماعة بروتستانية في إنجلترا طالبت بتبسيط طقوس العبادة وبالتمسك الصارم بأهداب الدين والأخلاق الفاضلة!! هؤلاء شكلوا فكر ما قبل الألفية·· والذي يعني أنهم المبشرون بعودة المسيح ليحكم الأرض ويسود السلام من جديد، ويرى بعض المؤرخين أن المذهب البيوريتاني قد وضع حجر الأساس للثورة فيما بعد، والتي حقق من خلالها الأمريكيون هويتهم "كالشعب المختار" مقابل الإنجليز الذين اغتصبوا دعوة الإنجيل!! ويجادل هؤلاء المؤرخون في أن أمريكا ليست دولة استعمارية·· وإنما هي "قوة عظمى معارضة"·· وإن كل تدخلاتها العسكرية قد تمت بناء على هذا الدور الذي أنيط بها·

 

أرض المعياد

 

وقد اتضحت معالم هذا الدور في الرؤية الأمريكية بكونها "أرض الميعاد"·· وأن شعبها هم العرق المختار!! وفي العام 1840 عبرت كل أدبيات تلك المرحلة عن طبيعة الدور الأمريكي المقدس·· وامتداد أرض الميعاد من الشرق الأمريكي وغربها الأوسط الى أراضي النفوذ الإسباني في كاليفورنيا·· وشمال المكسيك وتكساس!! لكن الديمقراطية الأمريكية آنذاك كانت تتطلب توسعا في الرقعة الجغرافية خصوصا مع استمرار توافد المهاجرين من أوروبا·· كما ولد قيام الشركات التجارية حاجة ماسة للموارد الطبيعية والثروات·· مما دفع الى تشكيل قوة بحرية تضاهي القوى الأوروبية الاستعمارية·· وكانت البداية في العام 1898 من خلال ضم جزر "هاواي" والتي سيطر عليها ملاك مزارع السكر من الأمريكيين!!

وقد كان دخول أمريكا في الحرب العالمية الأولى في العام 1917 أولى ممارسات "الأمة المخلصة أو المنقذة"··· وقد كان في إعلان الرئيس "ولسون" ما يؤكد ذلك حين قال في إحدى خطبه إن أمريكا بدخولها الحرب لا تحمل أي أهداف للسيطرة·· وإنما ندخلها لأننا أبطال الحقوق البشرية!! ثم توالت فيها بعد ذلك أدوار أمريكية أخرى مشابهة من الرئيس "ترومان" الذي أعلن بأن هنالك وجهين فقط في الحرب الباردة·· الى الرئيس الحالي "بوش" والذي لم يختلف كثيرا عن "ترومان" حين أعلن أن "الحرب على الإرهاب" تحمل وجهين فقط·· إما أن تكون مع الولايات المتحدة أو أن تكون ضدها!!

كانت "غواتيمالا" أول ضحايا تلك السياسة التوسعية حيث تدخلت المخابرات الأمريكية حين أصبح النظام الاشتراكي فيها يشكل خطرا على المصالح التجارية الأمريكية، ثم جاءت تشيلي، والبرازيل، وبوروغواي وباراغوي والأرجنتين وكلها شهدت إطاحة لحكوماتها المنتخبة على يد الميليشيات اليمنية بمساعدة الولايات المتحدة!!

ولم تخل بالطبع تلك التدخلات السياسية من تبرير ديني لخصته النزعة الرؤيوية التي ترى أن في تصدير الديمقراطية وإقامة السوق الحرة سمات للمجتمع المخلِّص أو لمملكة الرب·

لكن مثل هذا الحلم اليوتوبي لم يعد سائدا فمنذ الحرب الأهلية الأمريكية برزت رؤية دينية جديدة هددت الرؤية الايفانجيليكية البروتستانية!! وبحسب هذه الرؤية الجديدة فإن العالم يعيش الآن في نهاية التاريخ·· وهي مرحلة سوداوية يغيب فيها القانون وتنتشر فيها الحروب التي تهدد البشرية!! وإن في نهاية هذه المرحلة·· يعود المسيح من جديد ليتوج حقبة تمتد لألف عام يسودها السلام·· وهو أمر جاء ذكره في الكتاب المقدس!! كما يؤمن مروجو هذه الرؤية أن المؤمنين حقا والأخيار سيخلصهم الله ويرفعهم الى خارج كوكب الأرض قبل أن تحل هذه المحنة·· ليبقى أولئك الذين عليهم مواجهة كل أهوال نهاية التاريخ!!

 

انهيار الحلم

 

وقد ساعد على انتشار هذه الرؤية انهيار الحلم الأمريكي ببناء مجتمعات إنسانية حرة ومتعاونة تجاريا وحيث كانت بداية انهيار الحلم مع ذلك الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية الأمريكية، والتي دفعت برجال الدين الايفانجليكيين لأن يبحثوا عن صيغة جديدة وجدوها في "الجمهورية الكنائسية" بالنسبة الى الشريعة أو الى النظام الديني الجديد، فإنه لا بريطانيا ولا أمريكا قادرتان على تخفيف معاناة نهاية التاريخ على مواطنيها!! لذلك فإن مسؤولية هذا النظام الديني أن يكون لاعبا ماهرا وفاعلا لتحقيق نهاية التاريخ خصوصا تلك المتعلقة بفلسطين واليهود!! وبحسب هذه الرؤية·· فإن الكنيسة قد حلت محل شعب الله المختار!! ولكن قبل الخلاص·· سيلعب اليهود دورا بارزا من خلال تحقيق نبوءة الإنجيل عن نهاية التاريخ وذلك بالعودة الى فلسطين، وعمارة القدس خصوصا المعبد الثالث الذي يحتله مسجد الصخرة والمسجد الأقصى!! وإن دولة إسرائيل الوليدة سيكون عليها ووفقا لتلك الرؤية أن تواجه مقاومة شرسة، وحروبا عنيفة، وسيستطيع الناجون من تلك الأهوال التعرف على المسيح والترحيب به حين يبدأ ظهوره الثاني·

وقد انعكست هذه الرؤية على جوانب كثيرة في السياسة الأمريكية، أبرزها أن الايفانجليكيين الجدد يرون في بعض التعاملات المالية مثل الإعانة الاجتماعية، أو الخدمات العامة، يرون فيها خروجا عن تعاليم الإنجيل، ويطالبون، ولعل ما أحزن الكاتب هو ذلك التشويه لمبادئ الرؤية الإنجيلية والذي ساد أمريكا في القرنين الماضيين، والذي خدم فكرا مقدسا تركز في تبرير محاولات التوسع للإمبراطورية الأمريكية وكما أسماها من قبل أهل المال والسلطة والنفوذ!! والأمثلة على ذلك تمتد عبر التاريخ الأمريكي، من فيتنام الى لاوس وكمبوديا·· وأفغانستان والعراق والصومال·

وفي العام 1995 رفعت الإدارة الأمريكية لافتة "مشروع القرن الأمريكي الجديد"·· والذي تنص أهدافه على ترويج القيادة العالمية لأمريكا، وفقا للرؤية والمصالح الأمريكية، والاختلاف بين إدارة "بوش" والإدارات السابقة ليس اختلافا حول تلك الأهداف، وإنما هو في أبعادها وحدودها خصوصا بعد الحادي عشر من ديسمبر والتي يرى البعض أنها عجلت بهذه السياسة الجديدة، حتى إن البعض أصبح يتساءل عن دور محتمل للمخابرات الأمريكية فيما حدث في ذلك اليوم!!

يرى "مايكل نورثكوت" في كتابه أن الليبرالية الأمريكية قد تواطأت مع الرؤيويين الدينيين في إقامة أيديولوجية إمبريالية للحرية لأنها - أي الليبرالية - قد اقتصرت الفكر والممارسة المسيحية على غير السياسيين، وبشكل خاص ومغلق على تلك الفئة وحدها!! فالليبرالية الأمريكية لا تسعى الى خلاص الإنسان من خلال السلوك الديني والروحاني، وإنما من خلال الخيار الفردي الذي يسانده الاستقلال الكامل للسوق الحرة، مع قدر ضئيل من النظام الديمقراطي، لكن المسيحيين الذين يعارضون حروب الرؤيويين أو (Apocalytic) للدفاع عن السوق الحر·· والحريات والديمقراطية يتم تصنيفهم كمتطرفين، لكن مثل هذا التصنيف لا يشكل مشكلة طالما بقي بلا عنف!! لكن أسوأ أنواع التطرف هو ما تروج له طبقة النخبة في أمريكا والتي أصبحت متحمسة جدا لمبدأ "الحرية" الى درجة أنهم اقتبسوا أساليب الإرهابيين في غمرة حماسهم هذا!! بل إن إحدى المدارس في "جورجيا" وعبر ثلاثين عاما، دربت أعداد كبيرة من المليشيات من أمريكا اللاتينية، وأندونيسيا والفلبين على أحدث طرق الإرهاب بما في ذلك الاغتيالات، والخطف، وتفجير السيارات بل حتى التعذيب!! وهنالك وثائق قدمتها جماعات حقوق الإنسان عن أنواع كثيرة من التعذيب استخدمها الأمريكيون في العراق وأفغانستان·

 

إمبراطوريتان

 

لا يملك "مايكل نورثكوت" أمام صورة كهذه للسياسة الأمريكية إلا أن يقارن بين الإمبراطورية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، وبين الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث والرابع من الميلاد!! وكما سعت روما آنذاك للسيطرة على التاريخ البشري، فإن أمريكا اليوم تسعى لإقامة "العهد الأمريكي الجديد" وهنا يصر المحافظون الجدد في أمريكا أن تتبنى الإدارة الأمريكية الأسلوب الروماني القديم المتمثل في استخدام فيالق خاصة للسيطرة على أطراف إمبراطوريتها، بالإضافة الى تلك الشعارات التي تهيج قيم الحرب والقتال والتي كانت روما تسخرها لتبرير أهدافها التوسعية!!

بالنسبة الى أمريكا، فقد سخر الرئيس "بوش" فضيلة الشجاعة بصيغتها الدينية لإثارة قيم الحرب والقتال خصوصا بعد الحادي عشر من سبتمبر بل أصبح يثير في أغلب خطبه أن الهجمات الإرهابية جاءت كمناسبة جيدة لإحياء فضيلة الشجاعة!!

يركز الكتاب على المزيد من مقومات التشابه بين الإمبراطورية الرومانية وأمريكا، حيث يبين أن المسيحيين في ثلاثة القرون الأولى، كان عليهم أن يقرروا ويختاروا بين الولاء لقيم الحرب القيصرية، أو الولاء للمسيح!!

 

الحرب الصليبية

 

خصوصا أن الحرب تحركها فضيلة الشجاعة طبقا للرؤية الرومانية التوسعية، وليس طبقا لشكل تلك الفضيلة كما وردت في تعاليم المسيح!!

ويرى "مايكل نورثكوت" أن وضعا مشابها لهذا أصبح مسيطرا على أدبيات السياسة الأمريكية الراهنة، ومثال على ذلك إعادة استخدام بعض الصيغة اللفظية التي تعود لتلك الحقب التي شهدت أبرز الصراعات الدينية، وكما جاء في تعبير الرئيس "بوش" عن الحرب الصليبية لاجتثاث قوى الشر في العالم·

 

الرأسمالية

 

يرى الكاتب أن الرأسمالية والاعتزاز القومي يشكلان جانبا ثابتا ومعززا داخل آلة الحرب الأمريكية!! وأنه إذا كانت أخلاق المسيح هي المعيار الأساسي للأخلاق المسيحية، فإننا في أمريكا نكون قد وقعنا في تناقض صارخ بين دعوة المسيح المعبقة بالسلام والتسامح وبين النزعة الأمريكية الاستعمارية، وأيضا بين عدالة المسيح ورأسمالية الدولة في أمريكا!! وبذلك تتحقق نبوءة "صامويل هانتنغتون" الذي وصف في كتابه الحروب الدائرة بعد انتهاء الحرب الباردة بأنها حروب وتصادمات بين حضارات، بعد أن أخفقت الدولة بتعريفها الحديث في احتواء القبلية الضيقة!!

يتحدث "مايكل نورثكوت" في خاتمة كتابه عن دور "الملاك" في الأدبيات الأمريكية الحديثة، مثل هوليوود التي أنتجت أكثر من فيلم يتناول قصصا عن الملائكة الذين دائما ما كانوا يوفرون العون والمساعدة للناس في تلك الأفلام!! ثم يتناول الكاتب صورة "الملاك" وكما وردت في الإنجيل!! ويقارن ذلك "بملاك" جورج بوش الذي ذكره في خطاب توليه الرئاسة في العام 2001 والذي لم يكن يحمل الصورة نفسها (الملائكية) المتسامحة والعطوفة، وإنما كان ملاكا مدعوما بمشاريع لمضاعفة الإنفاق العسكري الأمريكي، وتهديدات للدول التي ستعمل على مقاومة القوة والنفوذ الأمريكي كما سيحرص (ملاك) بوش على تأمين الأثرياء بخفض حصتهم من الضرائب، وغير ذلك من مشاريع!!

 

 

طباعة