رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 رجب 1425 هـ _ 8 سبتمبر 2004
العدد 1644

البعض في واشنطن يرى في عدم استقرار الشرق الأوسط مصلحة أمريكية
عدم استقرار العراق يشكل خطرا على أمن الكويت

·         مهندسو غزو العراق ليسوا أشرارا لكن أعمتهم أوهام التعصب الأيديولوجي

·         التقسيم أو اندلاع حرب أهلية في العراق أسوأ السيناريوهات على الإطلاق

 

بقلم ديفيد ماك:ü

مهندسو غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003 والاحتلال الذي تبعه لم يكونوا من الأشرار، ولكنهم ارتكبوا خطأ قاتلا، لقد اعتقدوا مخلصين أن التزام الولايات المتحدة سوف يغير الشرق الأوسط الى الأفضل ويجعل العراق عنصرا إيجابيا في الأمن الدولي والحرب على الإرهاب، لقد تصوروا أن العراق سوف يصبح نموذجا للحكم الديمقراطي واقتصاد السوق، بل إنه سوف يكون نرويج الشرق الأوسط، وبالإضافة الى ذلك، اعتقدوا أنه يمكن تحقيق ذلك بعدد قليل من القوات والالتزام بضمان الاستقرار بعد الحرب والتقدم الذي ستموله عائدات النفط العراقي، لقد أعمتهم الأوهام المبنية على التعصب الأيديولوجي وضعف الاعتبار للحقائق القاسية لتاريخ العراق المضطرب والنسيج الاجتماعي المدمر للعراق، كما قللوا من أهمية الاختلافات الثقافية في مناخ يعج بالقومية المتشددة، وقللوا أيضا من شأن ضيق الرأي العام الأمريكي ذرعا بالمغامرات الإمبريالية· وباختصار، فإن المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين تجاهلوا وقللوا من أهمية الموارد المطلوبة لتحقيق أهدافهم الطموحة·

ومع ذلك، قد يظل العراق عنصرا إيجابيا في المنطقة، لكن هناك خطر متنام من أن يصبح عنصر عدم استقرار لسنوات مقبلة، فالتصورات الاستراتيجية الأمريكية الخاطئة والتخبط التكتيكي هما السبب وراء الاتجاهات السلبية الراهنة، وتبدو الولايات المتحدة غير قادرة على إنقاذ الوضع دون مساعدة كبيرة من جيران العراق وأعضاء المجتمع الدولي الآخرين، والأهم من كل ذلك أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تتخلى عن وهم السيطرة على العملية وأن تتعامل مع الأمور بروح الأمن الجماعي التي تتطلبها التطورات الخطيرة·

 

روما جديدة

 

إن استمرار حالة عدم الاستقرار في العراق يشكل خطرا كبيرا على أمن الكويت، ويعرض الشراكة الكويتية مع الولايات المتحدة الى ضغوط شديدة ما لم تتعاون الحكومتان بشكل وثيق، وسوف يطلب من الكويت أن تسهم في جهود حفظ الاستقرار في العراق، لاسيما فيما يتعلق بتخفيف عبء الديون الكويتية المترتبة على العراق ووقف برامج التعويضات، ولكن نجاح التحالف الدولي في العراق وبروز عراق معتدل سوف يساعد في طمأنة الكويت على أمنها ورخائها للمدى الطويل·

ويصف البعض - بشكل مضلل - الأيديولوجية التي قادت استراتيجية إدارة بوش بأنها تعود الى المحافظين الجدد، لأن تيار المحافظين الجدد لا يجمعه سوى القليل مع المحافظين التقليديين مثل الرغبة في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب في السياسة الخارجية بدلا من التدخلات متعددة الجنسية، فالأيديولوجية التي هيمنت على إدارة بوش هي أقرب الى ما يمكن تسميته بـ "الويلسونية النشطة" Aggressive Wilsoniainsm، أي إذا لم تتبن الأمم الديمقراطية واقتصاد السوق، فأرسل لها قوات المارينز كي تؤدبها، لقد أصبحنا أمام "روما جديدة" وعلينا أن نتصرف بهذه الطريقة، وهناك مجموعة من المثقفين الأمريكيين منهم داخل إدارة بوش، ممن يستهويهم الجمع بين قوتنا الهائلة وما يتخيلون أنه عرض للقيم الأمريكية، وهناك أيضا البعض من التيار اليساري ممن يؤمنون بمثل وجهات النظر هذه، أنها في الواقع، شكل من أشكال المثالية المقترنة بالرغبة في استخدام أي وسائل ممكنة لتحقيق أهداف يعتبرونها نبيلة، ولكنها قد تقود الى أوهام خطيرة·

ويدافع البعض عن استخدام الضغوط الأمريكية بما فيها العمليات السرية أو الإجراءات العسكرية القوية لتغيير حكومات شرق أوسطية وليس الاكتفاء بدفع هذه الحكومات لتغيير سياساتها، فهم يرفضون الفكرة التقليدية التي تذهب الى أن للولايات المتحدة مصلحة في الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، بل على العكس من ذلك، إنهم يرون مصلحة في عدم استتباب الاستقرار في المنطقة لهم وللولايات المتحدة على المدى الطويل، وهم مستعدون لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية في محاولة إعادة هيكلة دول يقولون إن فيها نظاما داخلسيا أو نسيجا اجتماعيا قد تنبثق عنهما تهديدات محتملة·

صحيح أن حكومات العراق وإيران وحكومات أخرى في الشرق الأوسط هي أنظمة يشوبها الكثير من العيوب، لكنها ليست جمهوريات موز حيث يمكننا تجاهل عواقب عدم الاستقرار، فانعكاسات الأخطاء في الشرق الأوسط قد تزعزع الأمن ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم أجمع، والآن، فإن نجاح أو فشل الولايات المتحدة في العراق هو أمر يكتسب أهمية بالغة·

إن النجاح الذي أعتقد أنه ما زال ممكنا في العراق سيجعله مكانا أفضل للعراقيين وأكثر أمانا لجيرانه، ولكن ليس من المحتمل أن يقود الى موجة من الديمقراطية في مختلف أرجاء المنطقة، والعراق - بحد ذاته - لن يقربنا الى تسوية بين العرب وإسرائيل ولن ينهي الإرهاب، بل قد يساعد فقط، في تقليص الاعتماد العالمي على الطاقة من دول عربية أخرى، ونحن بحاجة للبدء في البحث عن استراتيجية مخرج جيدة وتعتمد على أهداف ممكنة التحقيق في وقت قصير نسبيا، وقد يحكم علينا العراقيون بعد ذلك على مستوى الديمقراطية الذي وفرناه لهم، ولكنهم سيحكمون علينا بصورة سيئة إذا بقينا نضطلع بدور مهيمن لفترة طويلة هناك·

 

حقائق قاسية

 

ولا يمكننا حل المأزق من خلال اتباع نصيحة بعض أصدقائي في المعارضة العراقية ومنحهم السلطة ببساطة، فالحكومة العراقية الراهنة تتألف من مجموعة من الأشخاص الأكفاء ولكنهم - للأسف - لا يتمتعون بقدر كبير من الشرعية أو الشعبية في نظر الكثير من العراقيين، إن جعل الحكومة العراقية ألعوبة بين الولايات المتحدة هو أسرع الطرق لتحويل النصر العسكري الى هزيمة سياسية في الشرق الأوسط، ولجعل الوضع أكثر قبولا، علينا أن نسعى الى شراكة المزيد من أعضاء المجتمع الدولي ودور ريادي للمنظمة الدولية، ويجب أن يكون واضحا منذ الآن، حتى للأيديولوجيين من دعاة السياسات أحادية الجانب في واشنطن أنه في حين يمكن للولايات المتحدة تدمير جيش معاد بتأييد دولي محدود، فإنه لا يمكنها بناء دولة أو مداواة جروح أمة بالسهولة ذاتها·

وفي الواقع، بدأت تطرأ تغيرات على سياسة الولايات المتحدة في العراق منذ أشهر عدة حتى إن لم يتغير خطابها، والحقائق القاسية تدفع الى هذا التغيير ولاسيما الأحداث على الأرض في العراق والمواقف التي بدأت تظهر على الساحة الأمريكية، ولفهم هذه المواقف، يتعين على المراقبين من خارج الولايات المتحدة أن ينتبهوا الى بعض المواقف التي بدأ التعبير عنها في الكونغرس أخيرا مثل جلسات الاستماع في لجنة الشؤون الخارجية وما عبرت عنه من إعادة تفكير حقيقية في دور الولايات المتحدة في العراق، وتحظى اللجنة - في ذلك - بتأييد عدد من زعماء الحزب الجمهوري البارزين فضلا عن الكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي، لقد بدأ البيت الأبيض يعير المزيد من الاهتمام للمعارضة المتنامية للافتراضات الاستراتيجية التي قادت الى الحرب·

 

4 سيناريوهات

 

وباختصار، فإنني أرى أربعة سيناريوهات ممكنة والتي يمكن أن تتأثر بالسياسة الأمريكية، ولكنها أيضا ستتأثر بتطورات خارجة عن إرادتنا وأحداث يتعذر علينا التنبؤ بها:

أولا، تقسيم العراق بعيد الاحتمال، ولكن إذا حدث فسوف يكون كارثة على المصالح الأمريكية وسيهدد استقرار المنطقة بأسرها ويؤدي الى معاناة مريعة للعراقيين، وسوف يتحول العراق الى البيئة الأكبر لتفريخ الإرهاب الدولي، ولحسن الحظ، فإن تاريخ العراق الحديث يشهد بأنه كان دولة قومية حقيقية، وكان حكم صدام السلطوي وسوء إدارته هو الذي دمر البلاد، وبعد 80 عاما داخل حدوده الراهنة، فإن القوى التي تدفع باتجاه تماسك العراق هي أكبر بكثير من القوى الطائفية التي تدفع باتجاه التقسيم·

ثانيا، لسوء الحظ أن اندلاع حرب أهلية في العراق تشمل مجموعة كبيرة من أمراء الحروب والميليشيات، هو أمر ممكن جدا·

وقد رأينا ما حدث في لبنان وأفغانستان، ويمكن للولايات المتحدة المساعدة في الحيلولة دون حدوث ذلك، فقط إذا عملت بشكل وثيق مع مختلف شرائح المجتمع العراقي ومع المجتمع الدولي، والفشل هنا لا يقل خطرا عنه في السيناريو الأول·

ثالثا، حدوث ما يشبه المقايضة بين الأكراد ونظام سياسي واجتماعي ذي طابع إسلامي في بغداد يحصل من خلالها الأكراد على ما يشبه الحكم المستقل في كردستان العراق مقابل دعمهم لنظام الحكم، وهذا يحمل في طياته بذور عدم الاستقرار والمواجهة في المدى الطويل، وهذا وضع سيجعل الطبقة الوسطى العلمانية الخاسر الأكبر في البلاد·

رابعا، نجاح الرؤية الأمريكية ما زال ممكنا، ويؤكد ذلك الإجراءات العملية لاستعادة الأمن وتحسين الخدمات الحكومية، فالحكم الجيد والسيادة ستكون من الأهداف الرئيسية في نظام فيدرالي يسمح بحكم ذاتي محلي واسع، وفي هذه الأثناء، يمكن لمثل هذه الإجراءات أن تقود الى قدر كبير من التسامح والتعافي الاقتصادي، ويمكن لكل ذلك أن يحدث ولكنه يحتاج الى مهارة لم تظهرها الإدارة الأمريكية بعد، فضلا عن مشاركة قوية من الأمم المتحدة بتأييد حاسم من الولايات المتحدة، ومستوى غير مسبوق من التعاون بين القادة العراقيين المعتدلين الذين يبدون الاستعداد لممارسة فنون سياسة الحلول الوسط والحصول على دعم الدول المجاورة للعراق، وقدرا وافرا من الحظ، إنه خيار يستحق أن يجرب، لاسيما في ظل البدائل الأخرى التي لا تبعث على الخير·

 

ü نائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى وعمل سفيرا للولايات المتحدة في دولة الإمارات العربية المتحدة ويشغل الآن منصب نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن·

 

" المصدر: غالف واير بير سبكتيف Gulfwire Perspective "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

أمريكا ستجبر على الانسحاب من العراق إن عاجلا أم آجلا
حرب بوش على الإرهاب غذت النزعات القومية المتطرفة في العالم

 
الليكود يكرر تجربته مع نتانياهو عـام 1998
سقوط خطة شارون يعيد "العمل" الى السلطـة