غزة - خاص بالطليعة:
حكايات الشارع الفلسطيني لا يمحو بعضها بعضا، إنها تتراكم وتتراكب، وسواء كان الأمر يتعلق بالفساد الذي تبين - وفق تقرير المجلس التشريعي وتحقيقاته - أنه مبرمج بكل برودة أعصاب، أو بالقتل اليومي الدائر للمقاومين الفلسطينيين وحصار واقتحام القرى والمدن، أو بإضراب الأسرى الذين يتجاوز عددهم 10 آلاف أسير وأسيرة بين شاب وطفل وشيخ وفتاة، فإن كل هذه اليوميات التي يعيشها الفلسطينيون تتحرك معا، وتتراكب، وتتحول الى قضية واحدة يرتفع فوقها سؤال كبير دائما: أين طريق الخلاص؟
مع الخطاب الأخير للرئيس الفلسطيني عرفات (18/8/2004) وتضامنه مع الأسرى لفظا على حد تعبير د· عبدالستار قاسم، والتزامه بخريطة الطريق التي تلزمه باعتقال كل من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ومع إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن مشاريعها المتعددة الاتجاهات والأماكن لتكثيف استعمال الأراضي وإقامة المزيد من المستعمرات الصهيونية في ضوء ظل أخضر أمريكي أصبح لا لبس فيه، يتزايد الإحساس بالشق الكبير القائم بين ما تفكر فيه وتسعى إليه السلطة الفلسطينية ورجالها، وما يفكر فيه ويفعله الشارع الفلسطيني وقواه المقاومة بمختلف فصائلها، ويتزايد الإحساس بفعل نوع من التعاون المعتم أحيانا والمعلن أحيانا أخرى بين سلطات الاحتلال وهذه السلطة· وقد أظهرت قضايا عدة وجود هذا الشق الكبير أو الهوة الآخذة بالاتساع· لقد ظهرت أدلة واضحة وأسماء وزراء ومسؤولين في هذه السلطة، على أن بعض هؤلاء الأقل فيهم ضالع على أعلى المستويات، في تسهيل توريد الأسمنت، وهو مادة استراتيجية، الى العدو المحتل، لبناء الجدار العنصري والمستعمرات الآخذة في التوسع بأرقام قياسية منذ توقيع اتفاقات أوسلو بالذات، وتبين بالملموس أن أي إجراء لم يتخذ للتحقيق والإحالة للمحاكمة ضد أي سمسار من هؤلاء·
ومن جانب آخر يظهر إصرار العدو المحتل على مصادرة الأراضي وهدم مئات البيوت، والإمعان في قتل الفلسطينيين في حرب إبادة لا تتوقف، إنه لم يلتزم بالحد الأدنى من الاتفاقات الموقعة معه، بينما ما زال خطاب السلطة الفلسطينية يكون نهجه في مواصلة التعاون مع هذا الاحتلال، بل وتنظيم قواته من الشرطة وطلب تسليحها من قبل جيش العدو نفسه! وهو أمر لا يحتاج فهمه الى عنوان إضافي·
إن أخذنا قضية ملحة يفكر فيها عدد من قادة الفصائل الفلسطينية، يعني قضية المبادرة الوطنية التي يدعو إليها أكثر من طرف فلسطيني لمواجهة حالة التضارب والفساد والاستبداد بالقرار الفلسطيني، نجد أن هذه الدعوة العقلانية التي تستهدف تنظيم العمل الفلسطيني، وإيجاد قيادة قادرة على وضع برنامج يحدد أساليب المقاومة وأهدافها السياسية، لا تجد اهتماما من قبل السلطة الفلسطينية أو حتى استعدادا للحوار حولها· بل وتمعن في تجاهل الفصائل المقاتلة وكأنها غير موجودة·
كل هذه القضايا مجتمعة هي التي تشكل الحالة المأساوية التي يتحدث عنها الجميع، فلا تكاد تبرز إحداها حتى تنضم الى ما سبقها في مسلسل متطاول بلا أي حد أدنى من مبادرة، لا لإصلاح تركيبة السلطة التي يعرف أصغر طفل فلسطيني الآن مدى تآكلها وفسادها، ولا لشق طريق نحو قيادة جديدة جماعية، تعكس الحالة النضالية الباحثة عن رموزها، ولا لمواجهة العدو لا على صعيد محلي ولا عربي ولا دولي· صحيح أن المقاومة الفلسطينية لا تتوقف رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه المجتمع الفلسطيني· ولكن هذه المقاومة على اختلاف ضروبها لا يصل صوتها إلى العالم بعد أن تمت مصادرة وسائل الاتصال بالعالم عبر الممثلين والمكاتب الخارجية، الصامتة، وعبر الانطباع الذي نشرته اتفاقات أوسلو وتنصيب سلطة فلسطينية من أن صفحة المقاومة قد طويت وبدأ عهد "سلام" يعاني من متاعب متطرفين فقط، لا شعب يرفض الاحتلال ويقاوم·