كتب محرر الشؤون الاقتصادية:

من أخطر القرارات التي اتخذها وزير المالية الحالي عبدالخالق النوري ولها أبلغ الآثار السلبية على الاقتصاد الوطني إلغاء برنامج "الأوفست"، حيث كان مؤملا في تطبيق البرنامج أهداف عدة تصب كلها في إنعاش الحركة الاقتصادية في البلاد، حيث ينشط البرنامج عمل القطاع الخاص ويشجع الاستثمار في مشاريع التربية والتعليم والبحث العلمي ويسهم في تطوير الموارد البشرية الكويتية من خلال توظيفها في المشاريع المنفذة، الأمر الذي أكد عليه مجلس الوزراء حيث أقر بتاريخ 26 يوليو 1992 برنامج "الأوفست" حيث جاء في ديباجة القرار ما يلي: "وقد رأى مجلس الوزراء أن برنامج العمليات المقابلة "الأوفست" يمكن أن يلعب دورا أساسيا في عملية التنمية الاقتصادية لدولة الكويت، لاسيما من خلال إفساح المجال للقطاع الخاص الكويتي لتوسيع نشاطاته الاستثمارية بالمشاركة مع الشركات الأجنبية"·

وبحسب خبير اقتصادي التقته "الطليعة" فإن قرار إلغاء البرنامج سوف يكون له تبعات سلبية على دولة الكويت وعلى اقتصادها بشكل عام، فبرنامج "الأوفست" وبحسب ما ورد في تقرير البنك الدولي يعتبر أداة اقتصادية مهمة يمكن من خلالها المساهمة في تصحيح الاختلالات الاقتصادية في الاقتصاد الكويتي والتي من أهمها: توظيف الكوادر الوطنية، والتقليل من حجم البطالة التي بلغت نحو 21 ألف عاطل عن العمل، وخلق مشاريع استثمارية وتنموية جديدة، وتدريب وتطوير الكوادر الكويتية، ونقل التكنولوجيا المتطورة للبلاد، ودعم دور القطاع الخاص المحلي للدخول في مشاريع مشتركة مع الشركات العالمية وبالتالي دعم المنتج الكويتي والصادرات المحلية·

ويضيف الخبير الاقتصادي أنه بالرغم من أن برنامج "الأوفست" قد واجه معوقات كثيرة إلا أن وزارة المالية قامت بجهود حثيثة لتذليل تلك الصعوبات والعمل على تفعيل دور برنامج "الأوفست" ليقوم بمهامه على أكمل وجه إلا أن تلك الجهود التي تم تنفيذ جزء كبير منها لم تكتمل خصوصا وأن وزارة المالية خلال السنتين الماضيتين قامت بالتعاون مع الهيئة العامة للاستثمار للقيام بدراسة جدوى إنشاء شركة "الأوفست" (بحسب توصيات دراسة البنك الدولي) والتي كان من أهم أدوارها القيام بمتابعة الملتزمين الأجانب إضافة الى العمل الفعال والمرن بهدف تطوير المشاريع وتوفيرها للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء·

وعليه فإن الشركات الأجنبية التي تقوم حاليا بتنفيذ التزاماتها من خلال مشاريع جديدة سواء التي بدأت فعليا أو المشاريع التي تحت التنفيذ سوف تقوم الشركات بإلغاء تلك المشاريع والعزوف عن تغطية التزاماتها تجاه "الأوفست" نظرا لإلغاء البرنامج أو لعدم جدية وزارة المالية في متابعة تلك الشركات (على سبيل المثال عزوف الشركات الأجنبية المتزمة بالبرنامج مثل شركتي بوينج ولوكهيد مارتن عن المشاركة بمشروع الكلية الاسترالية بالكويت والذي يعتبر تحت التنفيذ والإنشاء، حيث يقدر إجمالي مساهمتهما نحو 46 مليون دولار أمريكي)·

كما سوف يترتب على قرار إلغاء برنامج "الأوفست" أن تقوم الشركات الملتزمة والمنفذة لمشاريع بسحب مساهماتها واستثماراتها من دولة الكويت مما يترتب عليه أضرار كبيرة على الشركاء الملحيين وسوف يترتب أيضا على قرار الإلغاء ضياع فرصة استفادة دولة الكويت من المزايا التي يقدمها برنامج "الأوفست" والتي يتوقع أن يكون لها تأثير مباشر وغير مباشر على الاقتصاد المحلي، والتي تتم من خلال تنفيذ المتعهدين الأجانب للالتزامات المترتبة عليهم تجاه البرنامج·

وينبه الخبير الاقتصادي الى مسألة في غاية الأهمية كان وزير المالية الحالي قد استند عليها في التبرير لإلغاء برنامج "الأوفست" وهي أن "الأوفست" يزيد من تكلفة عقود الحكومة الكويتية وقد نفى الخبير الاقتصادي هذه الحجة بالقول: "إن مما لا شك فيه أن إلغاء برنامج "الأوفست" لا يعني بالضرورة تخفيض قيمة عقود التوريد الموقعة مع الحكومة الكويتية، فبحسب الدراسات والمؤتمرات المتخصصة في هذا الجانب تثبت عدم تغير سعر العقد عند إلغاء شرط "الأوفست" وذلك في حالات كثيرة، حيث إن تكلفة تنفيذ شرط "الأوفست" تعتبر تكلفة ضمنية وتسعر عالميا باعتبار أن شرط "الأوفست" أصبح مطبقا في أغلب دول العالم (نحو 120 دولة في العالم تطبق برنامج الأوفست)"·

وأضاف الخبير أن مساعي الدول حاليا لتطبيق برنامج "الأوفست" باتت متزايدة في جميع دول العالم خصوصا دول أوروبا الشرقية إضافة الى كل من سلطنة عمان التي بدأت تطبيق "الأوفست" منذ عام 2000 وتنوي أيضا دولة قطر القيام بتطبيق البرنامج في المستقبل القريب· وعليه فمن الواضح أن التوجه حاليا لتلك الحكومات أصبح نحو تعظيم المنافع الاقتصادية المتحصلة من المتعهدين الأجانب والحصول على مزايا تعاقدية من شأنها تحقيق مكاسب اقتصادية على المدى الطويل وتنفيذ مشاريع استثمارية وتنموية ذات قيمة مضافة عالية·

وخلص الخبير الاقتصادي الى القول "إن قرار وزير المالية الحالي بإلغاء برنامج "الأوفست" قرار ليس في محله إطلاقا فإنه مع إلغاء البرنامج سيضيع على الدولة ما يقارب المليار دولار من التزامات الشركات الأجنبية التي سوف يتم إلغاؤها، بالإضافة الى أن دولة الكويت لن تستفيد من العقود المستقبلية مثل بقية الدول الأخرى"·