رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 محرم 1425هـ - 10 مارس 2004
العدد 1618

المخابرات الإسرائيلية تخترق الأجهزة والمنظمات الفلسطينية على أعلى المستويات

بقلم: صالح عبدالجوادü

لا يمكن لأي رؤية مقارنة بين القدرات الاستخباراتية للإسرائيليين والفلسطينيين إلا أن تبدأ بملاحظة عدم التكافؤ الهائل، فحين وصل المستوطنون الى بيئة معادية، أقاموا جهاز مخابرات بدائياً يعود الى عام 1914، فحين تم إنشاء الوكالة اليهودية في العشرينات من القرن الماضي، كانت تضم إدارة للشؤون العربية تتولى جمع المعلومات حول السكان الفلسطينيين وقياداتهم·

ولعبت المخابرات الفعالة دورا حاسما في حرب عام 48، ومع إنشاء الجيش الإسرائيلي الرسمي في السادس والعشرين من مايو 1948، اتخذت فروع المخابرات شكلا آخر واليوم فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية الرئيسية الثلاث هي "أمان" أو الاستخبارات العسكرية و"الشاباك" أو جهاز الأمن العام الذي يتولى مكافحة التجسس والأمن الداخلي بما في ذلك جمع المعلومات في المناطق المحتلة وجهاز "الموساد" الذي تأسس عام 1951 ويقوم بمهام المخابرات الخارجية، وتسند إليه أيضا مهمة ترتيب الهجرات السرية لليهود من الدول العربية وغيرها وتنفيذ عمليات الاغتيال في الأراضي المحتلة والخارج·

واليوم، تستفيد إسرائيل وتعمل على تطوير أحدث التكنولوجيا في مجال جمع المعلومات بما في ذلك القمر الصناعي الإسرائيلي "أوفك" ومجسات الاتصالات والطائرات من دون طيار·

وفي الجانب الآخر من المعادلة، لم يكن لدى الفلسطينيين حتى عام 48 أي جهاز رسمي للمخابرات، حتى أن الميليشيات شبه العسكرية الأكثر تقدما في فلسطين التي كان يقودها عبدالقادر الحسيني والتي عرفت باسم "الجهاد المقدس"، لم يكن لها جهاز للمخابرات، وبعد عام 67، أنشأت حركة "فتح" جهاز المخابرات الثوري المعروف باسم "الرصد الثوري" الذي كان يقوده صلاح خلف (أبو إياد)، ولكن حين ألقت السلطات الأردنية القبض عليه في عام 1970 أجبر على إصدار الأوامر للمقاتلين الفلسطينيين عبر الإذاعة، بالاستسلام تم استبداله بعلي حسن سلامة الذي اغتاله الموساد في بيروت بعد ذلك·

فرق تسد

وهذا الإهمال للقدرات الاستخباراتية يعبر بشكل واضح عن ضعف الأداء الفلسطيني في كل المجالات، لقد ظل النضال الفلسطيني - تاريخيا - ارتجاليا ويعتمد على التضحيات الفردية وقدرة السكان على التحمل، بصورة رئيسية، وفي الوقت ذاته، كانت المؤسسات السياسية والعسكرية تفتقر الى التخطيط، ولم تقدم الدول العربية المساعدة للفلسطينيين ورفضت تقديم الدعم اللوجستي للمنظمات الفلسطينية، ولكن هذا ليس هو السبب الوحيد لهذا الفشل الذريع الذي منيت به الحركة الوطنية الفلسطينية·

ففي السبعينات، كانت مجموعات المخابرات التي أنشأها الفلسطينيون في السبعينات ولاسيما داخل حركة "فتح" منقسمة على ذاتها وتتبادل الولاء بين هذا القائد الفلسطيني وذاك·

وكان بعض هؤلاء القادة يتمتعون بنفوذ حقيقي وقد استخدم ياسر عرفات هذا الأسلوب تطبيقا لمبدأ "فرق تسد" (وفي حين كانت فروع الأمن تتنازع السلطات تاريخيا، فقد استخدمت هذه المنافسة في الحالة الفلسطينية لاستيعاب المعارضين)·

فبعد توقيع اتفاقات أوسلو مع إسرائيل عام 1993، كان لدى السلطة الفلسطينية أكثر من عشرة أجهزة للأمن، ونص الاتفاق على ألا تقوم هذه الأجهزة بجمع المعلومات عن إسرائيل·

وكان اختراق المخابرات الإسرائيلية للحياة الفلسطينية بعد عام 67 دراماتيكيا على نحو خاص، لقد كرست إسرائيل نظام الاحتلال برمته من أجل إجبار أي فلسطيني يحاول فتح مصلحة أو عمل ما، على الاتصال بعملاء المخابرات، وإذا قارنا هذا الوضع بأربع سنوات من الاحتلال النازي لبلجيكا إبان الحرب العالمية الثانية، نجد أن النازيين نجحوا في تجنيد 11 في المئة من السكان في أجهزة مخابراتهم من أجل تقديم المعلومات لها، ولنتخيل وضع الفلسطينيين بعد أربعين عاما من الاحتلال الذي عزلهم تقريبا، عن العالم الخارجي·

وتشير معظم الدلائل الى أن المخابرات الإسرائيلية اخترقت أجهزة الأمن والحركات السياسية الفلسطينية على أعلى المستويات، لقد حاول الفلسطينيون التعاطي مع هذه المشكلة من خلال الإعدام خارج نطاق القانون وتعذيب المشتبه في تعاملهم مع الاحتلال، ولكن هذه العمليات لم تطل سوى "الأسماك الصغيرة" أو العملاء الذين احترقت أوراقهم وأصبحوا مكشوفين ممن يعملون مع الإسرائيليين في استخراج التصاريح وأذونات العمل أو بيع الأراضي أو مرافقة القوات الخاصة (الإسرائيلية)·

مفارقة كبرى

وهناك عدد من الحالات التي قام بها العملاء الفلسطينيون بقتل ضباط الاستخبارات الإسرائيليين الذين يجندونهم، ولكن هذا العدد صغير جدا مقارنة بأولئك المتعاملين وإن كان بعضهم يفعل ذلك رغما عن إرادته، والكثير من هذه الحالات لم تحدث نتيجة لاستراتيجية استخباراتية منسقة، بل من خلال مبادرات فردية ورغبة في الانتقام لعمليات الإذلال التي لحقت بهم، وكانت هناك حالات قليلة نجحت فيها منظمة التحرير باختراق أجهزة الأمن الإسرائيلية، ولكن هذه الحالات انتهت - في معظمها - بالقبض على الإسرائيليين المتورطين قبل أن يتمكنوا من إلحاق ضرر كبير، الأمر الذي يعتبر شهادة على فعالية المخابرات الإسرائيلية·

وأخيرا، فإن المجال الذي حققت فيه المخابرات الإسرائيلية نجاحات منقطعة النظير، هو قدرتها على السيطرة على الإعلام (وخاصة في الولايات المتحدة)، إذ تختص دائرة مهمة من دوائر "الموساد" بالحرب النفسية والقيام بعمليات التضليل والدعاية، ولكن المفارقة الكبرى هنا هي أيضا أن هناك قدراً هائلاً من المعلومات "الحقيقية" حول إسرائيل في الصحافة والإعلام، وفي حين أن إسرائيل قد لا تكون ديمقراطية في تعاملها مع المواطنين العرب داخل الدولة، إلا أن هناك قدرا كبيرا من المعلومات الأمنية التي يمكن للجمهور أن يحصل عليها، وفي الواقع، فإن هذه إشارة أخرى على فشل الجهود الاستخباراتية العربية، فالإسرائيليون لا يخشون من كشف هذه المعلومات لأن أحدا لا يكترث في الجانب العربي·

 

ü أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت وأستاذ زائر في جامعة هارفارد

" عن صحيفة ديلي ستار "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

 

 

طباعة  

تأخرنا في فيتنام 5 سنوات فكم سنبقى في العراق؟