رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 محرم 1425هـ - 10 مارس 2004
العدد 1618

تأخرنا في فيتنام 5 سنوات فكم سنبقى في العراق؟

                                        

 

بقلم جيمس كارول:

لقد خسرنا الحرب، فما حدث حتى الآن لم يكن سوى فشلٍ وفقا لمعظم المقاييس لتنبؤات إدارة بوش لهذه المغامرة التي خاضتها في العراق، فقد كان من المفترض أن تجعل هذه الحرب من الشرق الأوسط مكانا أكثر أمنا وأن تحد من الإرهاب وتثبت للديكتاتوريين الأشرار في العالم أن القوة الأمريكية لا يمكن مجابهتها وأن تحسن الوضع المعيشي للشعب العراقي وتعمل على استقرار أسواق النفط وتكلل استقبال الجيش الأمريكي بالزهور، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فقد تحفزت أكثر العناصر تطرفا في الحركات السياسية في العالم العربي بسبب غزو العراق وأصبح الجيش الأمريكي المحتل مركز استهداف للإرهابيين، وبدلا من إضعاف التطرف تكفلت واشنطن برعاية المرحلة المقبلة منه وأصبح المعتدلون في المجتمع العربي الآن في حالة دفاع عن النفس أكثر من أي وقت مضى·

لقد كان التهديد بالقوة العسكرية الأمريكية الكاسحة مرعبا قبل الحرب ولكن تبين الآن محدودية ما يمكن أن تحققه مثل هذه القوة على أرض الواقع فقد اكتسحت الولايات المتحدة العراق بالقوة بدعوى "تغيير النظام"، ولكن الفوضى والعنف والإرهاب لا تزال تسيطر على الأوضاع بالرغم من سقوط النظام واعتقال صدام وانسحبت المنظمات الإنسانية اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية للمجتمع المدني العراقي التي تعاني من حالة سيئة·

والسؤال الموجه للأمريكيين الآن هو وماذا بعد؟ ففي وقت يرغب فيه كل من الديمقراطيين والجمهوريين في إرسال المزيد من الجنود الأمريكيين، ترتفع بعض الأصوات بجعل الاحتلال "دوليا" بصورة أكبر وهو الأمر المستبعد ما دامت واشنطن تحتفظ بالسلطة المطلقة ويرتكب أولئك الذين يطالبون بإرسال القوات الى العراق خطأ العمر·

مواجهة الحقيقة

عندما تولد القوة العنيفة مقاومة فإن أول ما يتبادر للذهن لكبحها هو الحاجة لزيادة مستوى القوة ولكن تاريخ الصراعات المشابهة يثبت أن هذا لن يولد سوى المزيد من المقاومة، لقد رفض وزير الدفاع دونالد رامسفيلد خيار إرسال المزيد من القوات في الوقت الراهن، لكن الضغط من أجل التصعيد سيتزايد بدعوى حماية القوات مع ارتفاع عدد الإصابات في القوات الأمريكية وسيصبح الأسى لمقتل اثنين من الجنود الأمريكيين أمرا بسيطا عندما يجد الانتحاريون أو قذائف الهاون أو حتى نيران الصواريخ طريقها الى داخل الثكنات العسكرية·

ولهذا فإما أن يتم إرسال قوات تعزيزية للاحتلال أو تقوم القوات الحالية بعدم ضبط النفس في الرد على الاستفزازات وكلتا ردتي الفعل ستولدان مزيدا من سفك الدماء ما يؤخر اليوم الذي لابد للولايات المتحدة فيه من مواجهة الحقيقة بخصوص وضعها·

لقد تجلى واضحا أن سياسة إدارة بوش الخارجية لا تقوم سوى على الهلوسة فبإمكان الأسلحة المتطورة قتل المعارضين لكنها لا تستطيع إجبارهم علي اعتناق فكرة غير مقبولة لديهم، ويثبت برنامجي كوريا الشمالية النووي الذي برز مجددا أن الخطاب الأمريكي حول "الشر" يضلل الذات ويلحق بها الهزيمة، فلم يكن أحد ليتوقع منذ عام سقوط الامبراطورية الأمريكية من فوق صهوة جواد بوش بهذه القوة وبهذه السرعة· فأين المقارنات بالامبراطورية الرومانية الآن؟ إذ لم يستغرق صعود وأفول نجم امبراطورية واشنطن مئات السنين بل بضعة مئات من الأيام·

خطأ فادح

لا بد أن تعترف الولايات المتحدة الأمريكية، إن عاجلا أو آجلا، أنها ارتكبت خطأ فادحا في العراق ولا بد من أن تتحرك لإصلاحه بسرعة ما يعني أن تتخلى عن قيادة قوات الاحتلال وحتى عن المشاركة بها وأن تتوقف عن المطالبة بالسلطة أو حتى التأثير على الوضع في العراق ويشمل ذلك النفط العراقي، وأن تتقبل المهانة التي ستصاحب استبدال قواتها بقوات تابعة للدول التي شوهت واشنطن سمعتها في أثناء حشدها للحرب·

وبانسحاب الولايات المتحدة من البوتقة العراقية لن تبقى هناك ذريعة لأولئك الذين تجمعوا لمواجهة "الشيطان الأكبر" وسيصبح بمقدور الشعب العراقي تحمل مسؤولية إعادة بناء أمتهم المحطمة·

قد يبدو حصول هذا كله أمرا مستبعدا حاليا، لكن لا بد من حدوث ما يشابهه، والسؤال المطروح: هل سيحدث هذا على المدى القريب نتيجة لقرارات على قدر من المسؤولية يتخذها المسؤولون في واشنطن أم أنه سيحدث على المدى البعيد نتيجة الرعب الدموي المستمر؟ يستحضر كل من الصقور والحمائم في الإدارة الأمريكية ما يسمى بـ "العبر" من حرب فيتنام، لكن هناك عبرة تنطبق على سائر ألوان الطيف السياسي، فقد شهد الشعب الأمريكي خسارة الحرب في يناير عام 1968، حتى عندما اعتبر كل من البنتاغون والبيت الأبيض تلك الهزيمة النكراء، نصرا وظل البيت الأبيض طوال خمس سنوات يرفض مواجهة حقيقة الوضع، إلا أنه في النهاية لم يجد من خيار أمامه، وبسبب رفض القادة الأمريكيين الاعتراف بارتكاب الولايات المتحدة خطأ ورفضهم التحرك لإصلاحه مات المئات والآلاف من الناس أو لربما الملايين؟ لقد خسرنا الحرب في العراق، فماذا سيتطلب الأمر لمواجهة هذه الحقيقة المرة؟

" عن صحيفة بوسطن غلوب الأمريكية "

 

 

----------------------------------------------------

الموضوعات المترجمة تعبر عن آراء  كتابها

إشراف: صالح أحمد النفيسي

saleh@taleea.com

طباعة  

المخابرات الإسرائيلية تخترق الأجهزة والمنظمات الفلسطينية على أعلى المستويات