رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 محرم 1425هـ - 10 مارس 2004
العدد 1618

دراسة

الشعر الخليجي المعاصر  - تأطير زماني ومكاني (2-1) *

 

  

 

آدم يوسف

يعتبر مصطلح "المعاصرة" من أكثر المصطلحات زئبقية وتفلتا، فهو يمتد حينا حتى يشمل الأعوام المئة الأخيرة، ويقصر في أحيان أخرى إلى الحد الذي يجعل بعض الباحثين يختصره في عشرة أعوام أو عقدين من الزمن، وبين الأعوام العشرة والمئة فسحة زمنية تتشكل خلالها الأعمال الفنية والأدبية بملامح بالغة الصعوبة والتعقيد، نظرا لقانون الصيرورة والتحول الذي يحكم حياتنا عن تفكيرنا ونظرتنا للأمور من أعمال إبداعية هي الأخرى خاضعة لذات التحول والتطور مستفيدة من نزعة التأثير ومن ترجمات آداب وفنون الأمم الأخرى·

 وقد أدرك د· سعد البازعي صعوبة تحديد مفهوم المعاصرة لأننا سندخل في التباس اصطلاحي، فمن الناحية اللغوية يمكن اعتبار كل ما كتب في عصر ما معاصرا لمن يعيش في ذلك العصر، وإذا أخذنا بهذا المفهوم اتضحت لنا صعوبة الإحاطة بالشعر المعاصر، لكثرة الأعمال المندرجة تحت مسماه وشتاتها لذا فهو "دكتور البازعي" يحصر دلالة العبارة حصرا يستمد شرعيته من قناعات نقدية هي تلك التي تجعل المعاصرة سمة من سمات العصر الذي نعيشه بمتغيراته وثوابته معا، أي بوصفها رديفا للحداثة بما هي مؤشر على مجموعة من القيم الفنية والفكرية والاجتماعية التي تعبر عما ترى فئة من الشعراء والمحيط الثقافي الذي ينتسبون إليه(1)·

ويرى دكتور علي عشري زايد أن مصطلح المعاصرة متعدد المدلول ومضطرب إلى الحد الذي يمكن معه القول بأنه ليس له مدلول اصطلاحي ثابت على الأقل في مجال الدراسات الأدبية والنقدية، وعلى الرغم من ذلك يحاول دكتور زايد تعريف هذا المصطلح ووضعه في إطار يتراوح بين الرؤية السياسية والاجتماعية حسب الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية، وقد استخدم دكتور زايد هذا المصطلح في بحث أعده بعنوان: "مرجعية القصيدة المعاصرة في مصر والسودان" للدلالة على الفترة الزمنية الممتدة بين بداية النصف الثاني من القرن المنصرم إلى السنة 1998م "تاريخ نشر البحث" وما دفعه لتبني هذا المدلول لمصطلح "المعاصر" هو أن بداية هذه الفترة شهدت - على المستوى التاريخي والسياسي - حدثين بالغي الأهمية، تركا أثرا عميقا في الواقع العربي إلى الحد الذي يمكن معه القول إن هذا الواقع عاش بعد هذين الحدثين عصرا مختلفا عن العصر الذي كان يعيشه قبلهما كما تزامن مع هذين الحدثين على المستوى الأدبي حدث بارز كان له تأثيره الكبير في المجال الأدبي، وخاصة فيما يتصل بالقصيدة العربية·

أما الحدثان السياسيان فأولهما حرب فلسطين وما نتج عنها من قيام الدولة الصهيونية أما الحدث الثاني فهو قيام ثورة يوليو 1952م بكل ما تركته من آثار عميقة في الواقع العربي بكل مستوياته السياسية والاجتماعية والفكرية والأدبية·

وقد تزامن مع هذين الحدثين على المستوى الأدبي نشأة حركة الشعر الحر في في العراق على يد نازك الملائكة وبدر شاكر السياب التي لم تلبث أن انتشرت في شتى أقطاع الوطن العربي، ويمضي دكتور زايد في استقراء مصطلح المعاصر مع ربطه بحركة الشعر العربي، مشيرا إلى أنه فيما يتصل بالشعر السوداني حمل لواء هذه الحركة الجديدة مجموعة من الشعراء على رأسهم محمد الفيتوري ومحي الدين فارس وجيلي عبدالرحمن وتاج السر الحسن وآخرون (2)·

ويعرف مجدي وهبة المعاصرة تعريفا موجزا فيقول: "معاصر: صفة للإنسان أو الحدث الذي يتفق وجوده نفسه مع غيره في الوقت، وإذا أطلق انصرف إلى الوقت الحاضر كأن يقال الرواية المعاصرة مثلا" (3)·

ولا يفرق كثير من الباحثين بين مصطلح الحديث والمعاصر، ويظهر ذلك في الكم الهائل من الكتب والدراسات التي تخرج إلينا وتستخدم المصطلحين بصيغة استبدالية، كأن يقال في عنوان البحث: دراسات في الأدب العربي الحديث مثلا بينما نجد الباحث في مقدمة الكتاب يستخدم مصطلح المعاصر عوضا عن الحديث لنفس الغرض أو الوصف الفني·

وقد جاء في قاموس لونجمان للغة الإنجليزية أن كلمة معاصر Contemporary تصبح مرادفة لكلمة حديث modern إذا كان مدار حديثنا حول شيء ينتمي إلى الحقبة الحالية أو الزمن الحالي كأن يقال لباس معاصر أو مبنى معاصر، بينما تصبح كلمة معاصر ذات دلالة على الحقبة الماضية إذا كان حديثنا حول شيئين تواجدا في الفترة نفسها وانقضت كأن يقال: بيتهوفن كان معاصرا لنابليون أو بيتهوفن ونابليون كانا متعاصرين(4)·

ومن النقاد العرب الذين حاولوا التفريق بين مصطلحي الحديث والمعاصر دكتور عبدالله المهنا الذي يرى أنه إذا كان المعاصر مصطلحا يعني الزمن فحسب فإن الحديث يعني الأسلوب والصياغة، فالمعاصر محايد الإحاطة في حين أن مصطح الحديث يتضمن حكما ووصفا نقديا، أي أن العمل قد يوصف بأنه حديث ولكنه بعيد عن عصرنا، كما أن بعضا من العمل المعاصر ليس حديثا(5) وهنا يظهر الاختلاف البين بين توصيف دكتور المهنا لـ "المعاصر" الذي يراه محايدا وبين ما أورده دكتو البازعي الذي يرى أن المعاصر يطلق على أدب يحمل صفات فنية محددة، وهو اختلاف مشروع على أية حال في حقل الكتابة الأدبية والنقدية·

 

الشعر الخليجي:

 

وأما إذا عدنا لبحثنا حول القصيدة الخليجية المعاصرة فإن المقترح المطروح لتأطير الحقبة الزمانية هو أن يتناول البحث تلك الأعمال التي صدرت لشعراء خليجيين في العقدين الأخيرين من الزمن، أي تلك الدواوين التي صدرت ما بين عامي 1980-2002 (تاريخ كتابة البحث) لعدة أسباب منها: أن قصيدة التفاصيل اليومية، موضوع الدراسة لم تظهر "حسب ما توصلت إليه من بحث" إلا بعد العام 1979م، حينما قام الشاعر سعدي يوسف بترجمة بعض قصائد الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس·

وفي منطقة الخليج العربي أكثر ما تبرز قصيدة التفاصيل لدى شعراء التسعينات مثل صلاح دبشه من الكويت، وإبراهيم ملا، وثاني السويدي، وخالد بدر من الإمارات، وسعود السويداء، وحمد الفقيه، وإبراهيم الحسين من السعودية، ومحمد الحارثي، وسيف الرحبي من عمان·

كما سيقتصر البحث على دول الخليج الست التي يجمعها تطور تاريخي مشترك وإرث ثقافي متداخل إلى حد يصعب فصله في كثير من الأحيان وسيتعرض البحث في بعض الفقرات القادمة لشعراء خليجيين شكلت أعمالهم المهاد التاريخي لتطور القصيدة الجديدة في الخليج العربي·

 

شعراء التفعيلة وبواكير القصيدة الحديثة في المملكة العربية السعودية:

 

تحظى الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية بزخم وتنوع شعري ونقدي كبيرين، يشهد على ذلك كثرة الأعمال وأعداد الشعراء وتنوع الدواوين التي تصدر عنهم وتفاوتهم من حيث الصياغة واللغة والأسلوب والرؤية الشعرية، وإلى جانب ذلك نجد حركة نقدية موازية يرى البعض أنها أكثر ثراء وحضورا من الحركة الإبداعية ذاتها، فالناقد دكتور سعد البازعي - وهو أكاديمي رصين - يحفل كثيرا بأعمال المبدعين الجدد، حتى تلك اتي تنشر في صفحات الجرائد اليومية، أو تلك التي تلقى في أمسيات أدبية، يبدو ذلك جليا في كتابة "ثقافة الصحراء"، وبذلك يحاول التأصيل لحركة إبداعية جديدة مازالت في طور التكوين وهاهي ملامحها تظهر وتتبلور يوما بعد يوم، إضافة إلى نقاد آخرين مثل دكتور عبدالله الغذامي الذي هجر النقد الأدبي - كما يبدو - وانصرف إلى دراسة المضمر والمخفي من الأنساق الثقافية(6) التي تتغلغل في ذواتنا ودواخلنا بفعل الشعر العربي عبر عصوره الطويلة وما ينتج عنه من شعرنة لمشاعر الإنسان العربي وتصرفاته وسلوكه، نجد ذلك في كتابه - بالغ الأهمية - "النقد الثقافي"، إضافة إلى نقاد آخرين منهم دكتور منصور الحازمي ودكتور معجب الزهراني ودكتور عبدالله المعيقل وغيرهم·

ولو عدنا إلى واقع الشعر في المملكة العربية السعودية فإن حركة الحداثة أو القصيدة الجديدة تبدأ - حسب رأي دكتور البازعي - مع ظهور أول مجموعة من شعر التفعيلة وهي بعنوان "رسوم على الحائط" 1977م، للشاعر سعد الحميدين، وقد تلتها مجموعة أخرى للشاعر أحمد الصالح بعنوان: "عندما يسقط العراف"، بعد هذين الشاعرين بدأت مجموعة من الشعراء الشباب باقتحام الساحة المحلية كان ذلك في نهاية التسعينات الهجرية ومن هؤلاء: علي الدميني، جار الله الحميد، محمد الثبيتي، عبدالله الصيخان، محمد جبر الحربي، عبدالعزيز العجلان، فوزية أبو خالد وغيرهم (7)·

وأذكر هنا بأن الجيل الجديد لم يكن مخلصا لقصيدة التفعيلة وإيقاعاتها العالية وإنما انصرف إلى قصيدة النثر معوضا عن الوزن بلغة شعرية تكثيفية ومجازات واستعارات تصنع الغرابة في النص الشعري وتختلط بالرمز حينا والأسطورة ومن هؤلاء محمد الدميني، محمد عبيد الحربي وأحمد الملا·

وتختلف كثيرا تقنيات كتابة القصيدة من شاعر لآخر لذا يصعب علينا وضع هؤلاء الشعراء في بوتقة واحدة ولاسيما إذا ما أردنا دراسة كل شاعر على حدة دراسة تفصيلية "وليست هذه مهمة البحث" كما أن هناك شعراء يكتبون القصيدة الجديدة بلغة مختلفة ورؤية شعرية تتكىء على السخرية والنظرة المفارقة للحياة والأمور مع الاعتناء بالهامشي والمنسي في الحياة اليومية، ولم يكونوا محظوظين لأن أعمالهم لم تصل إلى النقاد أو مراكز البحث ومن هؤلاء سعود السويداء وله ديوان بعنوان "التخلص من جثة" دار الكنوز الأدبية 2000 ومحمد الحرز وله ديوان "رجل يشبهني" دار الكنوز الأدبية 1999م·

ونستطيع أن نقول إن الشعر المعاصر في السعودية يحظى بتدرج شديد الوضوح والإنسانية، فهناك شعراء عموديون أخذوا حظهم من البحث والدراسة، كما أن هناك شعراء تفعيلة مازالت آثارهم واضحة، وأخيرا الجيل الحالي من شعراء قصيدة النثر الذين مازالوا يبدعون ألوانا مختلفة ومتجددة من الكتابة الشعرية·

ü فصل من رسالة الماجستير للباحث غير منشورة بعنوان "قصيدة التفاصيل اليومية في الشعر الخليجي المعاصر"·

 

هوامش

 

(1) الدكتور سعد البازعي، من التفعيلة إلى قصيدة النثر استجلاء لبعض مرجعيات القصيدة المعاصرة في الخيلج والجزيرة العربية، دورة العدواني، أبحاث الندوة ووقائعها، الناشر مؤسسة جائزة البابطين الكويت 1998م ص 726·

(2) الدكتور علي عشري زايد، ضمن كتاب دورة العدواني  أبحاث الندوة ووقائعها، الناشر مؤسسة البابطين للإبداع الشعري الكويت 1998م  ص 598·

(3) Magdi Wahpa: ADictionary of Leterary Terms,Librairie du LiBAn,Beirut 1983 P 89

(4) Long man: Dictionary of English Languag and culture,Long man 1993 P 274

(5) الدكتور عبدالله المهنا: الحداثة وبعض العناصر المحدثة في القصيدة العربية المعاصرة: مجلة عالم الفكر الكويت مجلد 19، أكتوبر - ديسمبر 1988·

(6) كلمة النسق تعني كل ما كان على نظام واحد، كما في تعريف المعجم الوسيط وقد تأتي مرادفة  لمعنى البنية Structure أو معنى النظام System·

وأما لدى د· الغذامي فإن مفهوم النسق يكتسب قيما دلالية وسمات خاصة تتماشى ومشروعه النقدي في الكتاب المذكور:

انظر: عبدالله الغذامي، النقد الثقافي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية 2001 ص 76·

(7) الدكتور سعد البازعي: ثقافة الصحراء الناشر دار العبيكان، الرياض، الطبعة الثانية 1991م ص 20·

طباعة  

وتــد
 
المرصد الثقافي