رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 19 محرم 1425هـ - 10 مارس 2004
العدد 1618

تأملات في جهود حركة حقوق الإنسان2/2

                                                                          

 

·         بلدان كثيرة استغلت الحرب على الإرهاب للنيل من المعارضين والأقليات والانفصاليين

·         بفضل جهود منظمات حقوق الإنسان ارتفع فعل التعذيب إلى تصنيف "الهمجية"

 

بقلم: ريد بروديü

إلا أن حركة حقوق الإنسان في أوج قوتها واجهت تحديا جديدا كان، ولا يزال، يهدد بتقويض الكثير مما حققته فبينما كان موظفو منظمة "هيومن رايتس ووتش" ينظرون من نافذة غرفة الاجتماعات في صباح الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذ رأوا الطائرتين المختطفتين تدمران مركز التجارة العالمي، فأطلقت هذه الجرائم ضد الإنسانية، والتي استهدفت ضرب السلطة الأمريكية في الصميم، العنان لردود أفعال تهدد بمحو الكثير من المكاسب تحت ستار "الحرب العالمية على الإرهاب" التي لا نهاية لها، وشهدت الحملة على الإرهاب تآكل سيادة القانون أكثر من توطيد أركانه، وهكذا تعرضت حقوق الإنسان لتقويض أركانها في وقت كانت فيه في أمس الحاجة الى الدعم والمؤازرة·

وقد حاولت بلدان كثيرة حول العالم محاولة أنانية لا تلقي بالا لحقوق الإنسان أن تستغل الحرب على الإرهاب تبريرا لانقضاضها على المعارضين السياسيين أو الانفصاليين أو الجماعات الدينية أو للقول بضرورة حصانتها من النقد الموجه لممارساتها في مجال حقوق الإنسان، وردت بلدان كثيرة على عنف الإرهاب الأعمى بسن قوانين وتدابير جديدة لا تفرق هي نفسها بين المذنب والبريء، وأصدرت بلدان كثيرة قوانين رجعية لمكافحة الإرهاب، حيث إنها توسع من السلطات الممنوحة للحكومة للاعتقال والرقابة بطرق تهدد الحقوق الأساسية، وظهرت موجة متواصلة من عمليات الاعتقال والقبض التعسفي على المشتبه فيهم دونما اعتبار للإجراءات القضائية المنصفة، وفي بعض الأماكن تعرض الموصومون بالإرهاب للاغتيال والإعدام خارج نطاق القضاء·

ومن التطورات التي تبعث على أشد القلق تجدد الجدل حول شرعية التعذيب، فحتى لو كان التعذيب متفشيا في شتى أنحاء العالم، فقد كان من المسلم به تقريبا حتى وقت قريب ألا تسمح أي دولة بالتغاضي عن التعذيب فالتعذيب أشد صور الإذلال، وهو عمل مشين بدرجة لا توصف يعود الى القرون الوسطى، أما اليوم فقد أصبح مستبعدا تماما من دائرة الممارسات المقبولة، وكان التعذيب من المعارك الأولى التي خاضتها منظمة العفو الدولية، وبفضل جهود الحركة أصبح التعذيب يعتبر رمزا للهمجية التي لم تعد مسموحة في أي ظرف من الظروف· وقد أشارت إحدى المحاكم الأمريكية في أثناء نظرها قضية تعرف بقضية فيلارتيجا، الى أن من يلجأ اليوم للتعذيب هو نسخة معاصرة من قراصنة الماضي البعيد بوصفه "عدو الإنسانية جمعاء"، والمعروف أن بينوشيه جرد من حصانته بسبب التعذيب، لا القتل الجماعي، إلا أننا نرى الآن، وخصوصا في الولايات المتحدة، أصواتا ذات شأن تدعو الى إمكانية استخدام التعذيب كأداة مناسبة في الحرب على الإرهاب، وقد أثيرت اتهامات خطيرة بالفعل حول تعرض المعتقلين الذين أسروا في أفغانستان للضرب ولما يعرف بأساليب "الضغط والإكراه" من جانب مسؤولين أمريكيين، أو للتسليم لبلدان ثالثة ربما يتعرضون فيها للتعذيب، وهي التهم التي لم تتمكن إدارة بوش من الرد عليها ردا واقيا·

وعلى مستوى العلاقة بين الحكومات، اتخذ الاهتمام بحقوق الإنسان مرتبة متأخرة بعد حشد الحلفاء للحرب على الإرهاب، الأمر الذي يعطي تصريحا مفتوحا في واقع الحال للحلفاء الجدد والحلفاء الاستراتيجيين القدامى، وجدير بالذكر أن لجنة حقوق الإنسان في جنيف لم تلمس هذا العام استعدادا من جانب أي حكومة من الحكومات لطرح قرار ينتقد الصين، بينما حالت روسيا بسهولة دون اتخاذ قرار بخصوص الشيشان على الرغم مما تقترفه من فظائع مستمرة فيها·

وقد دعت هذه التطورات مايكل إجناتييف الى التساؤل بعد الحادي عشر من سبتمبر "هل جاءت حقبة حقوق الإنسان وانتهت؟"

لا شك في أن حركة حقوق الإنسان تواجه تحديا جديدا، فقد بدأ النزال الحقيقي، ويجب ألا نتمسك بالوهم الذي يصور لنا أن الولايات المتحدة "أو أي بلد قوي آخر" ستطيع من دون الدعم المنظم من المواطنين أن يجعل من حقوق الإنسان "روح سياستها الخارجية"، على حد تعبير الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر·

وفي هذه الحقبة الجديدة يجب أن تبين الحركة أن تعزيز حقوق الإنسان على المستوى الدولي ليس قيمة أخلاقية فحسب، ولكنه أيضا أداة أساسية لمكافحة الإرهاب، وقد بين كوفي عنان هذا الطريق في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة في سبتمبر 2003، قال فيه "إننا الآن نرى بوضوح حقيقة مخيفة ألا وهي أن العالم الذي يعاني فيه الملايين من القمع الوحشي والبؤس الشديد لن يتمتع بالأمن التام على الإطلاق، حتى لأكثر ساكنيه ثراء"، وإذا لم يكن من المنتظر أن يرتدع الإرهابيون بسبب التغيرات السياسية، فيجب أن نعمل على أساس أن دعم الإرهاب يتغذى على القمع والظلم والإجحاف وانعدام الفرص، وكما قال ريتشارد فولك "إن رسالة الإرهاب ستظل أبعد ما تكون عن التأثير والتهديد على نطاق واسع، متى كانت المظالم التي غذتها غير مشتركة على نطاق واسع في المجتمعات التي تتأثر بها" فمتى كانت هناك ديمقراطية ومساواة فهناك أمل، ومتى كانت هناك إمكانات سلمية للتغيير قلت احتمالات كسب التأييد العام للإرهاب، وهكذا فإن الأمن العالمي يتعزز بفضل نجاح المجتمعات المفتوحة التي تدعم احترام سيادة القانون وتنشر التسامح وتضمن حقوق الشعوب في حرية التعبير والمعارضة السلمية·

وفي الولايات المتحدة حيث أصداء الحادي عشر من سبتمبر على أشدها بطبيعة الحال، نجد أن المخاوف التي نجمت عن أحداث سبتمبر قد استغلتها إدارة بوش للضغط لسحب بعض الحقوق الدستورية بصورة جذرية، ولذلك تسعى حركة حقوق الإنسان جاهدة لإقناع الأمريكيين بأن المتطلبات الأمنية يمكن أن تتوافق مع مزايا الحرية، ويجب أن تتوافق معها، بينما ينبغي أن تمنح الحكومة السلطة اللازمة لاتخاذ التدابير المعقولة والضرورية لتقليص التهديد الفعلي للإرهاب، وفي تحذير من أشد التحذيرات إزعاجا من جانب أنصار الدستور المتشددين، قال النائب العام الأمريكي جون أشكروفت للكونجرس "إن رسالتي الى أولئك الذين يخيفون محبي السلام بأشباح الحرية الضائعة هي أن أساليبكم لن تفيد سوى الإرهابيين لأنها تفت في عضد أمننا القومي وتوهن من عزمنا، إنها تمد أعداء أمريكا بالذخيرة، وتدفع أصدقاءها الى التريث والتردد"، وعلى الرغم من أن هذه المعركة معركة صعبة وما زالت في أولها، فإن الحركة تسترجع كلمات بنجامين فرانكلين، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، الذي قال "إن من يتخلون عن حرية من الحريات الأساسية من أجل الأمن المؤقت لا يستحقون حرية ولا أمنا"·

إن هذه الأوقات العصيبة تدعو الى حشد استغلال كل طاقات حركة حقوق الإنسان وقدرتها على تعبئة الأفراد والجماعات، وهو ما يعني استكمال الجهود الناقصة في تحقيق التكامل بين كل أجزائها، وبناء علاقات من المنفعة المتبادلة بين منظمات حقوق الإنسان الوطنية والعالمية، لقد قطعنا شوطا طويلا منذ أن شكا الي أحد دعاة حقوق الإنسان من أمريكا الوسطى قائلا: إن الحركة تسير على نموذج "الماكيلا"، الذي تستغل فيه المنظمات الشمالية "المادة الخام" في الجنوب، ألا وهي الانتهاكات، ثم تدعو الحكومات الغنية الى جعل المعونات المخصصة للبلدان الفقيرة معونات مشروطة لكننا مازلنا نناضل لإيجاد سبل تتغلب بها المنظمات الوطنية والمحلية الرائدة على الصعاب التي تواجهها في سبيل الحصول على التمويل وجذب انتباه الإعلام العالمي والاستعانة بالخبرة اللازمة لتحسين مستوى المشاركة في تحديد أجندة حركة حقوق الإنسان على الصعيد الدولي وليس هذا القول مجرد كلمات تراعي الاعتبارات السياسية السليمة، فكما أشار بهي الدين حسن، مدير معهد دراسات حقوق الإنسان بالقاهرة مثلا، فإن تمكين الشركاء العرب من المساعدة على تحديد أجندة حركة حقوق الإنسان هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يشجع المنظمات العالمية غير الحكومية على مساعدتهم لتبديد الانطباع السائد بأن حقوق الإنسان هي مفهوم مفروض من الغرب، ويجب أن تتعامل الحركة مع أمر واقع، وهو أنها تكون في أضعف حالاتها حيثما يبلغ دعم الإرهاب أشده في الشرق الأوسط وغربي آسيا·

فإذا أردنا أن نحقق أقصى استفادة من طاقاتنا فلا بد أن نحقق التضافر بين حركة حقوق الإنسان وبين دعاة العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وحتى لو لم تكن اهتماماتنا متفقة دائما كل الاتفاق، فلا بد أن نضم أصواتنا معا فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية التي توحد بيننا، فقد بلغنا الكثير من المحطات الرئيسية على طريق نجاح الحركة - مثل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية والنضال ضد الفصل العنصري - عندما التحمت قوانا بدوائر التأثير الواسعة، فالحملة العالمية لحظر استخدام الألغام الأرضية مثلا، التي تعد مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" من مؤسسيها، تجمع في تحالف ضخم بين 1300 منظمة من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية والمعنية بالأطفال والسلام والمعاقين وكبار السن والصحة والجهود الإنسانية لمساعدة ضحايا الألغام والتنمية وضبط التسلح والتنظيمات الدينية والبيئية والنسائية في أكثر من 90 بلدا، وعندما منحت لجنة جائزة نوبل، جائزة نوبل للسلام لهذه الحملة ومنسقتها الرئيسية جودي ويليامز أشارت اللجنة الى الطبيعة الفريدة لجهودها التي أدت الى "إتاحة التعبير عن موجة عريضة من الالتزام الشعبي والعمل باسمها بطريقة لم يسبق لها مثيل"·

لا شك لدي إذن في الأغلبية الساحقة من الناس في عالمنا اليوم يؤيدون مبدأ حقوق الإنسان، ولذلك فإن مهمتنا التي لم تستكمل بعد هي تعبئة هذه الأغلبية لتصبح قوة لا سبيل لمقاومتها·

 

* عضو منظمة هيومن

رايتس وواتش

طباعة  

اليمن: منع منظمة دولية من زيارة المعتقلين في السجون
 
العراق: مركز للرعاية النفسية يستقبل ضحايا التعذيب
 
إضاءة
 
القانون المقترح يميز ضد البنات المسلمات لأن تأثيره يقع عليهن
هيومان رايتس: حظر الحجاب انتهاك للحرية الدينية

 
اليوم العالمي للمرأة والاتفاقية المنسية
 
متابعات
 
بحوث الدماغ قد تنقذ قاصرين من الإعدام
 
الإعدام·· أرقام
 
دعوى ضد غالي
 
human.net