· الحزب الوطني يجعل من الحوار مغزى سياسيا بالتحاور مع أحزاب واستبعاد أخرى
بحت أصوات الكثير من الأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية في مصر، بالمطالبة بالإصلاح السياسي الذي يتضمن في جوهره إجراء إصلاح دستوري شامل، وتعديل في بنية القوانين الخاصة بالأحزاب السياسية، ومباشرة الحقوق السياسية، والنقابات المهنية واحتكار الحزب الحاكم للإذاعة والتلفزيون، وإيقاف العمل بقانون الطوارئ·
وقد تمثل رد فعل القيادة السياسية في ردها على مطالب الإصلاح بأمرين، أولهما مبدئي والآخر إجرائي·
الأول وهو أحاديث الرئيس حسني مبارك المتكررة، والمتعلقة بضرورة إعطاء الديمقراطية للشعب على جرعات، أو بشكل تدريجي بحيث يتمكن الشعب من استيعاب الخطوات السابقة التي جرت، وقد كان آخر حديث للرئيس في هذا الشأن قد ورد في سياق رده على التصريحات الأمريكية الأخيرة المتعلقة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط "مبادرة الشرق الأوسط الكبير"·
ويؤكد المراقبون على أن هذه الحجة تثير ردا مقابلا تتبناه أحزاب وقوى المعارضة، فحواه أن الشعب المصري عانى لفترات طويلة من القهر والاستبداد، لدرجة لم يعد يحتمل معها إرجاء اتخاذ خطوات إصلاحية جادة لفترة أو فترات أخرى·
أما الأمر الإجرائي فيتعلق برد القيادة السياسية برفضها تحقيق أي إصلاح سياسي قبل إجراء الإصلاح الاقتصادي، وفي هذا الصدد يبرز النموذج الكوري الجنوبي، الذي نمت فيه الديمقراطية في أعقاب خطوات إصلاح اقتصادي قوي استمر سنوات كثيرة، ويشير المراقبون الى أن هناك نموذجا معاكسا وهو دولة بنغلاديش التي عرفت معاني كثيرة من الحرية وتداول السلطة في دولة من أفقر بلدان العالم وأكثرها معاناة اقتصادية·
وأمام إصرار وإلحاح القوى السياسية بجميع أشكالها دعت القيادة السياسية لإجراء حوار مع أحزاب المعارضة والتي رأت في ذلك تحريكا لمياه الإصلاح الراكدة مرة أخرى، ولكن الخطوات التي اتبعت عقب تلك الدعوة لم تكن لتشير على الإطلاق لجدية الحوار، وغياب الجدية للحوار القائم يعود للكثير من الأسباب كما يراها المراقبون أولها أن الحزب الوطني الديمقراطي هو الذي أو كل إليه قيادة الحوار وذلك باعتبار كونه الحزب الحاكم، ويأتي ذلك رغم أن الواقع يشير الى أن هذا الحزب يعتمد في قوته على أمرين هما رئاسة الرئيس حسني مبارك له، والثاني هيمنة الحزب على موارد الإدارة المحلية في الريف والمدن على السواء، ورغم ذلك فهذا الحزب لم يحصل إلا على %38 فقط من أصوات الناخبين في انتخابات عام 2000، رغم ما يدعيه دائما من كونه حزب الوسط وحزب الجماهير، ولذلك يرى المراقبون أن هناك حاجة لاجتماع الكوادر والنخب وقادة الرأي في المجتمع، دون هيمنة تيار سياسي على الآخر، للنظر في أبعاد وآليات الإصلاح الممكنة·
ومن ناحية ثانية، فإن الحوار الوطني القائم حاليا يتم على خلفية مشاركة أحزاب واستبعاد أحزاب وقوى سياسية أخرى، الأمر الذي يجعل من الحوار مغزى سياسيا، فصاحب الحوار الحزب الوطني استطاع من خلال الانتقاد بين المتحاورين معه، أن ينزع صفة الوطنية عن أشخاص اعتبارية، ويمنحها لأشخاص اعتبارية أخرى، فمن بين 16 حزبا سياسيا معارضا ونحو 23 نقابة مهنية والكثير من القوى السياسية المحجوبة عن الشرعية، لم يتحاور الحزب الوطني إلا مع ستة أحزاب سياسية هي أحزاب الوفد والتجمع والناصري والأمة والاتحادي الديمقراطي والخضر، ولعل أكثر ما يبعث على الدهشة أن يتحاور الحزب الوطني مع أحزاب لا يملك بعضها مقعدا واحدا في مجلس الشعب، ويرفض أن يتحاور مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة والتي فازت بـ 17 مقعدا في انتخابات 2000، ويرى المحللون أن الحوار الحالي يشوبه رغبة من قبل الحزب الوطني في الاستفراد بالأحزاب السياسية كل على حدة، حيث يقوم الحزب بالالتقاء بمن يريد الالتقاء به على انفراد لبحث عملية الإصلاح السياسي·
ويؤكد المحللون على أن الحوار الوطني الحالي يفتقد لجدواه أيضا لإدراك القاصي والداني لمطالب المعارضة بشأن الإصلاح السياسي، فالحزب الوطني الذي يقود الحوار يعلم تمام العلم أن مطالب الغالبية العظمى للأحزاب السياسية تكمن في تغيير أو تعديل الدستور بما يضمن تغيير نظام انتخاب رئيس الجمهورية وسلطاته، وإصلاح الخلل البين في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والإلغاء الكامل للعمل بقانون الطوارئ وتعديل قانوني الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية·
وعلى هذا الأساس يصبح الحوار في واقع الأمر بمثابة مضيعة للوقت، أو أنه مقدمة فقط لقرارات اتخذت من قبل لتعديل قانون الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية، وهي التعديلات التي دعا لها الرئيس حسني مبارك في 19 نوفمبر الماضي، وفي هذا الشأن يشير المراقبون الى الحوار الوطني الذي قاده الحزب الوطني الديمقراطي في صيف عام 1994 بين الأحزاب والقوى السياسية والذي أسفر عن قرارات تبين أنها كانت معدة سلفا، ناهيك عن أنها كانت جوفاء، لأنها تضمنت إلغاء قوانين كانت مجمدة من حيث الواقع، كقانون فرض الحراسات وقانون السلام الاجتماعي وبعض مواد قانون العيب·
وفي النهاية يصبح هدف الحوار مجرد ذر الرماد في العيون، ووسيلة للمماطلة في إجراء الإصلاح السياسي، فالحكومة تعلم تماما قبل الحوار ما ستتخذه من قرارات وتدرك أنها ستلبس تلك القرارات لباس نتائج الحوار، وبمعنى آخر أنها تقوم باتخاذ قرارات للإصلاح بمعدل اقتراب نار التغيير القسري منها، أي اتخاذ القرارات الكفيلة باستمرارها، وتكيفها مع الضغوط الخارجية المتنامية، والضغوط الداخلية النابعة من التذمر الشعبي، خاصة بسبب الظروف الاقتصادية المزرية·