طيور الظلام··· ولزوم الكلام
د· نادر القنة
هم "طيور الظلام"، وهم "الفكر المظلم" وهم "القابعون خلف ستار التاريخ" وهم "المنسيون في ذاكرة الأزمنة المتوهجة" وهم "الذين يقرؤون خارج النص ما ليس بالنص"·
وفي زمن مثل هذا الزمان الذي تتباين فيه وجهات النظر، وتتشابك فيه التأويلات والاجتهادات عن قصد، ومن دون قصد في قراءة الأشياء، وقراءة ما ورائيات الأشياء، وما في باطن الأشياء من معتقدات فكرية، وسياسية، ودينية، واجتماعية، وأخلاقية وتربوية، وثقافية، يصيرون هم "طيور الظلام الذين يتغلبون على أصحاب الفكر المستنير"·
هذا جزء يسير من النعوت التي وصفتها الصحافة المصرية لأعضاء لجنة رقابة النصوص المسرحية في دولة الكويت، وذلك على إثر القرار الذي اتخذته الرقابة - هنا - والقاضي بمنع عرض مسرحية (بودي جارد) للفنان عادل إمام في الكويت ضمن احتفالات شهر فبراير·
فجأة صار كل شيء في الموضوع - ذاته - قضية إعلامية رئيسة، بل قضية رأي عام·· وليست مسألة ذاتية تخص هذا النجم أو ذاك· طالما أن قرار الرقابة الكويتي يمس (صميم الإنتاج الثقافي والفني المصري)··· هذا النتاج الذي حقق على وجه الخصوص - وأعني مسرحية بودي جارد - سلسلة طويلة من النجاحات النقدية والفنية والجماهيرية في كل أنحاء الوطن العربي: بداية من مصر ومرورا بتونس، والجزائر، والأردن، وسورية، ولبنان، والعراق، وانتهاء بسلطنة عمان، كما حقق هذا النتاج المستوى نفسه من النجاح والقبول في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن في أي موقع من هذه المواقع أي إشارات بالقلم الأحمر على المسرحية (موضوع الخلاف والنقاش الرقابي)·
نعم، هي إشكالية من نوع خاص، يبدو فيها طرفا المعادلة غير قابلين للاستقامة أو المناقشة، أو تبادل وجهات النظر· وكأن الأمر برمته صراع بين (أبيض وأسود)·
هذه الإشكالية دفعت الآخرين للبحث في أتونها عن تصنيفات ظاهرية شكلانية· رأوا فيها بطش الغالب وقهر المغلوب، وتبين فيها دور المستلِب وتراجيدية المستلَب· وكشفوا فيها عن خطورة وبشاعة القلم الأحمر ضد نقاء القلم الأزرق·
وذهب آخرون الى أن القرار الرقابي في الكويت هو تعد على نجوم ورموز الحركة الفنية المصرية، الذين يساهمون في توسيع قاعدة التنوير الفكري العربي في أزمنة الردة، وأزمنة الانكسارات·
إذن، هكذا، وعلى طريقتها الخاصة تعاملت الصحافة المصرية مع قضية الفيتو الرقابي الكويتي المرفوع في وجه عادل إمام وأفكار مسرحية (بودي جارد)· وبعيدا عن سياسات التشنج، والانفعال الإعلامي قالت توصيفات إعلامية مصرية "إن قرار الرقابة في الكويت لن يحرم الفنان عادل إمام من مشروعية انتمائه القومي، واعتزازه بعروبته"·
ولأن هذه التوصيفات تتحرك على قاعدة الأمل والمستقبل فإنها رأت من بين ما رأت "أن قوى طيور الظلام الى زوال، ولن تصمد طويلا أمام حرية الفكر والإبداع والتنوير"·
حيال ذلك كله، أصبح اليوم لزاما على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت أن يبين للقاعدة العريضة من المثقفين المصريين والعرب وكذلك المثقفين الكويتيين على وجه الخصوص الأسباب، والدوافع، والحيثيات التي استندت إليها لجنة الرقابة في رفض نص مسرحية (بودي جارد)· لأن المسألة برمتها لم تعد تخص لجنة الرقابة وحدها في الكويت· بل تخص الثقافة الكويتية بكل تفاصيلها· وتخص السياسات الفكرية المعلنة هنا، والتي تفتح الأبواب مشرعة لكل فكر مستنير أن يقول رأيه فيما هو قائل·
من حق الكويت أن ترفض، وأن تقبل أي عمل فني وفكري يقدم فوق أرضها·· ولكن للقبول والرفض ثمة حيثيات ومسببات·· قد لا يكون أحيانا من الضرورة على العامة والناس وأهل الثقافة معرفة هذه المسببات، كون الأمور تسير في طريقها من دون نزاعات أو إثارة إعلامية·
ولكننا في حالة مثل حالة (بودي جارد) الوضع جدا مختلف، لأن المسألة هنا نالت من الشأن الثقافي والفكري الكويتي الذي اكتسب سمعة طيبة في الأوساط السياسية والثقافية العربية· كون ما يقدم ويعرض في الكويت لا يمكن أن يقدم ويعرض في قطر عربي، وأن الثقافة الكويتية، والرقابة الكويتية تمتلك هامشا ديمقراطيا لا يتوافر أحياناً كثيرة في الأقطار العربية الأخرى، وبالتالي كانت الثقافة الكويتية ورقابتها محل تقدير الجميع، بل قد اعتبرها هذا الجميع النموذج الذي يجب أن يكون·
الآن صار ضروريا أن نسمع ونعرف لماذا رفضت الرقابة هذا النص، حتى ندافع عن الثقافة الكويتية، وإلا سيجد الجميع نفسه مضطرا للدفاع عن وجهة النظر الأخرى· كياسة عادل إمام جعلته يعلن في كل مكان أن الود بينه وبين الشعب الكويتي والثقافة الكويتية ما زال قائما وأنه يحمل للكويت كل التقدير وما حدث لن يزحزح قناعته في حب الكويت·
fonon@taleea.com