
بقلم: جابرييل جارثيا ماركيث - جائزة نوبل في الأدب لسنة 1982
ترجمة: د· أحمد يونس*
إنه لمن عجائب الدنيا حقا أن ينال شخص، كمناحم بيجن جائزة نوبل في السلام، تكرما لسياسته الإجرامية التي تطورت في الواقع كثيرا خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذي تفوق على الجميع هو الطالب المجدد آرييل شارون، وعلى اي حال فإن فوز مناحم بيجن بجائزة نوبل في السلام يظل من عجائب الدنيا حقا، ولا يخفف من دهشتي القول بأن الدنيا مليئة بالطرائف وأن هناك ما هو أغرب·
المهم أن هذا ما حدث ولا طريقة الآن لتبديله فاز مناحم بيجن بجائزة نوبل للسلام لسنة 1978 مناصفة مع أنور السادات، رئيس جمهورية مصر في حينه، جاء ذلك كنوع من المكافأة على اتفاقية براقة أرست قواعد السلام من طرف واحد هو العربي الرجلان، اقتسما الجائزة لكن المصير اختلف من أحدهما الى الآخر الاتفاقية ترتب عليها في حالة أنور السادات انفجار بركان الغضب داخل جميع الدول العربية·
فضلا عن أنه ذات صباح من أكتوبر 1981 دفع حياته ثمنا لها·
أما بالنسبة لبيجن فلقد كانت هذه الاتفاقية نفسها بمثابة الضوء الأخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي لا يزال حتى هذه اللحظة يمضي قدماً، أعطته الجائزة أول الأمر الغطاء اللازم حتى يذبح- بسلام- ألفين من اللاجئين الفلسطينيين بالمخيمات داخل بيروت سنة 1982·
المؤكد أن اتفاقيات كامب ديفيد بالإضافة الى جائزة نوبل في السلام، تجاوزت شخص مناحم بيجن لتشمل انجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، خاصة ناظرها الجديدة آرييل شارون· جائزة نوبل في السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطيني كما أدت الى بناء آلاف المستوطنات على الأرض الفلسطينية المغتصبة·
لن ننسى نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة الوعاء الفكري لممارسات النازية· ارتكز هلتر علي نظرية المجال الحيوي لتحقيق مشروعه التوسعي باحتلال ارض الغير، وقد قال بيجن صراحة إن الأراضي المحتلة في 1967 هي ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها الركيزة الثانية هي ما سماه: الحل النهائي لمشكلة اليهود، معسكرات الاعتقال السيئة السمعة كانت في نظره المخرج المناسب· ابادة جماعية بولغ في سرد وقائعها لتبريد إبادة جماعية أخرى أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر فلقد انضمت الى ترسانة الخرافات اليهودية تمهيدا لاعادة ارتكابها من جديد تحت غطاء جائزة في السلام·
استندت نظرة المجال الحيوي الصهيونية إلى أن اليهود شعب بلا أرض وأن فلسطين أرض بلا شعب، هكذا قامت الدولة الإسرائيلية غير المشروعة في 1948 فلما تبين ان هناك شعبا وأن فلسطين شعب يسكن في أرضه كان من الضروري حتي لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني وهو ما يتم بصورة منهجية منذ أكثر من خمسين عاما·
لكن جائزة نوبل في السلام، بالإضافة الى اتفاقيات كامب ديفيد اتخذت شكل الإذن الدولي بالقتل الذي لا يجرمه أحد وقد تمكنت أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها اليهود من إقناع البلهاء في الغرب بهذه الأكاذيب مستثمرة عقدة الذنب عند القتلة فباركوا المزيد المذابح لولا أن العالم استيقظ فجأة على أن هناك شيئا اسمه الشعب الفلسطيني ولم يلفت الانتباه اليه تمثيله الدبلوماسي أو مشاركته في المحافل الدولية ما لفت الانتباه لوجوده هو هذا الأنين الصادر عن شعب يتعرض الى الابادة·
تهامس الجميع على استحياء: الظاهر أن هناك شعبا فلسطينيا وأنه لسبب ما توارى عن الأعين طوال هذه السنوات، الشعب الفلسطيني بالفعل ظل مختبئا في منطقة اسمها تجاهل الآخرين، اسمها: ليل الضمير البشري حسنا، ما العمل الآن؟ الحل عثرت عليه مجموعة من انجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة لتصبح فلسطين تماشيا مع النظرية أرضا بلا شعب، وعلى الذين يتكاثرون كالأرانب ليقاوموا الفناء، أن يبادوا بسلام·
وقد تصادف أن كنت في باريس عندما ارتكب شارون بغطاء من جائزة نوبل في السلام مجازر صبرا وشاتيلا قاتلا أثناء الغزو ثلاثين ألف فلسطيني أو لبناني كما تصادف أن كنت في باريس، عندما فرض الجنرال جاروزيلسكي سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا·
أصابت الأزمة البولندية أوربا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب، أنا شخصيا قمت بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا، كذلك فلقد شاركت في الاحتفالية التي أقيمت تكريما لبطولة الشعب البولندي، بمسرح "بيرا دي بار" تحت رعاية وزارة الثقاقة الفرنسية وعلى العكس من ذلك تماما ساد نوع من الصمت الرهيب، عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان، علما بأن أعداد القتلى أو المشردين هناك لا يسمح بأي مقارنة مع ما حدث في بولندا ظهرت في الحال النظرية السوفيتية التي تدعو الى الأخوة بين القوى الأعظم على حساب أي شعب أو أي مذابح·
هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتي الآن، لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدولي، أنا لا أعرف: هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي له سوى بالاحتقار لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني فالى متى نظل بلا ألسنة؟ ولم أجد من يومها من يدعوني الى أي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أي وزارة·
هذا ما يدفعني الآن الى التوقيع على هذا البيان بشكل منفرد، أنا أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يومياً المدرسة الصهيونية الحديثة، ولا يهمني رأي محترفي الشيوعية أو محترفي معاداة الشيوعية أنا أطالب بترشيح آرييل شارون لجائزة نوبل في القتل، سامحوني إذا قلت أيضا إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل، أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة بالرغم من إنكار القوى الأعظم أو المثقفين الجبناء أو وسائل الإعلام أو حتى بعض العرب لوجوده، بشكل منفرد إذن أنا أوقع على هذا البيان بأسمى: جابرييل جارثيا ماركيث·
* رئيس المنظمة المصرية لمتحدي الإعاقة·
عن موقع
www.algeria-voice.org