فلاح صبّار.. نزاهة الصوت
نشمي مهنا
بين زحمة الوجوه السويدية المحمرّة، والنسمات الباردة في ساحة "الخضرة"، وتدافع الكرنفال المفاجئ بالقامات والألوان والأصوات، غُصنا: صديقي الشاعر العماني زاهر الغافري وزوجته الفنانة أثمار عباس وأنا، ومن يكن رفقة هذين الحميمين حتما سيتلمس بين أضلاعه دفئا من مودة يقيه تقلب مزاج الطقس في "مالمو"·
دقائق وبنظرات مدربة على التقاط السمار العربي هناك، يشير زاهر الى طاولات المقهى المتراصة تحت المظلات حيث يجلس صاحبنا الذي جئنا للقائه·
"هناك·· فلاح صبّار" فلاح الذي لا يحسن كثيرا مقدمات التعارف والكلمات المنمقة المعتادة للقاءات الأولى، تلتقيه وكأنك تستكمل معه حديث ليلة البارحة، وتلتقيه في أمسيات أخرى وقد اعتدت صوته وحنينه وحضوره مثل صديق قديم غائب عنك منذ سنين·
يسأل عن الكويت وأهلها بحرارة صادقة، وهو المنعزل في غربته الباردة عن أخبار أهله في العراق، المشدوه بأحوالهم منذ أن هرب بفنه وكرامته وعائلته الصغيرة من وجه نظام شرس مستبد·
أكثر من ثلاثين سنة أمضاها في الغربة، كان وتره فيها رفيقا لا يخذله، وصدى صوته النزيه مؤنسا له في ليالي الوحدة، وبالاثنين معا يرمم عمرا تآكل أكثر من نصفه هناك، دون أي ندم أو ضعف أو تردد· لذا - ومثل معادل نفسي يعوض به الفقد - يحن في بعض الأمسيات الى أناشيد طفولته في "العمارة" متخيلا قامته القصيرة كـ "رادود" في صفوف الحسينيات آنذاك، فيتجلى في الإنشاد والحنين·
***
في مغتربه هناك، شكل فلاح فرقة موسيقية من 9 فنانين سويديين، جال فيها أكثر من عاصمة عربية وقدم عروضا موسيقية في عواصم أوروبية، أعاد إحياء الموسيقى العربية التراثية وقدمها الى المستمع الأوروبي بهدف تعريفه بحضارة المنطقة، يطمح الآن الى تقديم أكثر من مشروع فني للأوروبيين·
ماذا؟ هل تتحول غربة فلاح صبار هناك الى وطن بديل خصوصا وقد أمضى فيه عمرا آخر أطول وأنضج وآمن، فلم يبق من الوطن الأصل سوى حنين الطفولة ونشيد حسيني قديم؟!
***
منذ أسابيع قدم فلاح مقطوعة موسيقية من كلمات الشاعر هاشم شفيق ضمن مشروع وزارة الثقافة العراقية لاختيار نشيد وطني جديد، فإن اختيرت مقطوعته كنشيد عراقي، فستكون بلاده قد اقتربت منه قليلا وعوضته عن حريق التهم أحلى سنوات عمره·
حينها، ستخف آهاته إن غنى ذات سهرة "والقنطرة بعيدة"!
nashmi22@hotmail.com
