رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 6 يونيو 2007
العدد 1777

من يخلصنا من فوضى الفتاوى؟
علي عبيد
aliobaid2000@hotmail.com

إما أن يكون العلماء الذين يتصدون للفتوى في عالمنا الإسلامي يعيشون خارج إطار الزمن الذي نعيش فيه، وإما أنهم يتقصدون الإساءة للإسلام وهذا ما نربأ بهم عنه، وإما أنهم يريدون أن يعودوا بنا إلى الوراء ونحن متأخرون أصلا قرونا لا يعلم إلا الله متى سنعوضها·

هذه هي الاحتمالات التي تتبادر للذهن ونحن نستمع كل يوم إلى فتوى جديدة من بعض المفتين الذين أصبحوا يطلقون فتاواهم بوتيرة أسرع من صرعات نجوم ونجمات السينما والتلفزيون ومطربو ومطربات الفيديو كليب الذين أصبح من الصعب حصر أعدادهم أو معرفة أسمائهم أو التعرف على وجوههم في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة ومواقع الإنترنت المتخصصة في هذه النوعية من الأخبار المثيرة، مع الاحتراز عن التشبيه والمقارنة·

نقول هذا ونحن نضع أمام أعيننا المشهد الأخير من هذه الفتاوى التي تحولت إلى حديث المجالس والمنتديات وبرامج البث المباشر في الإذاعات، إذ ما كاد يجف حبر اعتذار الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر عن فتوى "إرضاع المرأة لزميلها في العمل" حتى خرج علينا مفتي مصر الدكتور علي جمعة مدافعا عن فتواه التي أثارت جدلا حول تبرك الصحابة رضوان الله عليهم بـ"بول" الرسول صلى الله عليه وسلم، وجواز تقبيل سور ضريح الحسين، واعتبار ختان الإناث مكرمة·

غير المنطقي في فتوى الدكتور عزت عطية أنها تبيح للمرأة أن تقوم بإرضاع زميلها في العمل منعا للخلوة المحرمة إذا كان وجودهما في غرفة مغلقة لا يفتح بابها إلا بواسطة أحدهما، وبعد أن ترضع الموظفة زميلها في العمل خمس رضعات كاملة يمكنها أن تخلع الحجاب وتكشف شعرها أمامه! فأي منطق هذا الذي يجيز أن تكشف المرأة للرجل عن صدرها وترضعه منه مباشرة - كما تشترط الفتوى - مقابل أن يُسمَح لها بعد ذلك بأن تكشف شعرها أمامه؟! وأيهما أشد حرمة وأدعى لخدش الحياء؛ كشف الشعر أم كشف الصدر والرضاعة منه؟ سؤال يفرضه منطق كل العصور وليس عصرنا هذا فقط، لأن الإسلام دين عقل ومنطق وفطرة إنسانية وذوق سليم لا يقبل أمرا لا ينسجم مع هذه المعايير· أما حديث سالم مولى حذيفة الذي اعتمد عليه الدكتور عطية في فتواه التي تراجع واعتذر عنها فله ظرفه الذي لا يصح أن نطبقه على كل الحالات كما اتفق كل العلماء واعترف به متأخرا الدكتور عطية نفسه في بيان اعتذاره·

وما كادت فتوى الدكتور عطية تتراجع وتنحسر عنها الأضواء حتى خرج علينا مفتي مصر الدكتور على جمعة بتصريحات تقول إن الصحابة "رضي الله عنهم" كانوا يتبركون بشرب بول الرسول "صلى الله عليه وسلم" وأن "أم حرام" كانت تجمع عرق الرسول "صلى الله عليه وسلم" وتوزعه على أهل المدينة، موردا عن سهيل بن عمرو قوله في صلح الحديبية "والله دخلت على كسرى وقيصر فلم أجد مثل أصحاب محمد وهم يعظمون محمدا، فما تفل تفلة إلا ابتدرها أحدهم ليمسح بها وجهه" وأن النبي "صلى الله عليه وسلم" قد أعطى عبد الله بن الزبير شيئا من دمه بعد الحجامة وقال له ادفنه، فلما رجع رأى النبي عليه شيئا فقال له: أين دفنته؟ قال عبد الله بن الزبير: في قرار مكين· فقال له الرسول "صلى الله عليه وسلم": أراك شربته، ويل للناس منك وويل لك من الناس، بطنك لا تجرجر في النار·

هذه الفتاوى تفتح الباب من جديد على "فوضى الفتاوى وعدم انسجامها مع العقل والفطرة الإنسانية" كما يقول وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق معتبرا إياها "أكثر خطرا على الإسلام من خصومه" لأنها "تمثل انحدارا في الفكر الديني الذي ينير العقول، ويسمو بفكر المسلمين، ولا يجرهم إلى التخلف والجهل ومنافاة قواعد الذوق العام" معتبرا الفتوى التي تحدثت عن تبرك الصحابة بشرب بول النبي صلى الله عليه وسلم "إساءة واضحة للنبي صاحب الدعوة الذي كان نقيا في كل شيء، ولا يقبل مطلقا بهذه التخاريف" متسائلا "هل انتهت كل المشاكل في العالم الإسلامي ولم يعد غير فتاوى التبرك بشرب بول الرسول وإرضاع الكبير؟" مؤكدا "أن هذه الفتاوى تمثل انحدارا شديدا، وتدفع الناس للتخلف والجهل· كما أنها لم تُراعِ ولم تحترم قواعد الذوق العام"·

ونحن بدورنا نضم صوتنا إلى صوت وزير الأوقاف المصري، وندعو إلى التصدي لمثل هذه الفتاوى التي تسيء للإسلام بالقدر نفسه الذي تسيء به إليه فتاوى التكفير التي يطلقها ذوو الفكر المتعصب الشاذ الذين يكفِّرون المجتمع كله ويدفعون بشباب في ربيع العمر إلى تفجير أنفسهم وسط السكان الآمنين من المسلمين وغير المسلمين بدعوى "أن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار"· والدعوة موجهة أيضا إلى الأزهر الشريف أكبر وأعرق مؤسسة دينية في عالمنا الإسلامي كي يعود إلى القيام بدوره في تنقية الفكر الديني وتخليصنا من "فوضى الفتاوى" التي يطلقها بعض المنتسبين إليه وغيرهم، فلا تزيد صورة الإسلام إلا تشويها وقتامة، ليس بين الأعداء فقط، وإنما بين أبناء هذا الدين الذين تساهم هذه الفتاوى في إبعادهم عن جوهر الإسلام أكثر مما هم بعيدون عنه·

إن دور الدين في حياة الشعوب مهم وحيوي، فحتى في الدول التي نسميها علمانية تقوم دساتيرها على الفصل بين الدين والدولة - كالولايات المتحدة مثلا - نجد الدين حاضرا وبقوة· ففي استطلاع لقياس اتجاهات الرأي العام حول الدين ودوره في الحياة العامة أجرته مجموعة مارتيلا للاتصالات في شهر أكتوبر من عام 2005 م أظهرت النتائج أن 67% من الإنجيليين يعتقدون أن المسيحية تتعرض للهجوم والاستهداف داخل الولايات المتحدة، وذلك مقابل 48% من المسيحيين الذين يترددون على الكنيسة بصورة منتظمة، ويوافق 89% من الإنجيليين على ضرورة وضع لوحات في المؤسسات الحكومية والعامة تحتوي على الوصايا العشر· كما يؤمن معظم الأمريكيين بالوقائع والمعجزات الدينية والتاريخية المذكورة في الكتاب المقدس بصورة حرفية، مثل قصة الخلق وطوفان نوح وشق موسى البحر بعصاه ومعجزات السيد المسيح وغيرها· ومع هذا فقد رفض قاض فيدرالي أمريكي في ولاية بنسلفانيا قبل أشهر تدريس نظرية "التصميم الذكي" للكون باعتبارها بديلا لنظرية النشوء والارتقاء لعالم الأحياء البريطاني تشارلز دارون، معتبرا إياها نظرية غير علمية· ونص قرار المحكمة على مخالفة الاقتراح للدستور الأمريكي الذي يتبنى الفصل بين الدين والدولة في المؤسسات التعليمية الأمريكية، ومازال المجتمع الأمريكي منقسما حيال هذه القضية·

إنها ليست دعوة للفصل بين الدين والدولة في مجتمعاتنا الإسلامية، ولكنها دعوة للتخلص من هذه الفتاوى التي تعيدنا قرونا إلى الوراء، ومن تلك التي تدخلنا الكهوف والمغارات وتعزلنا عن العالم، فهل تجد لها صدى يخلصنا من فوضاها ويحمينا من تبعاتها وفوضويتها؟

* كاتب إماراتي

 aliobaid4000@yahoo.com

�����
   

طرح الثقة... تحصيل حاصل:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
طريق الآلام!:
سعاد المعجل
مذياع حزيران:
كامل عبدالحميد الفرس
جانبنا الإصلاح:
المهندس محمد فهد الظفيري
"دعج يدعج دعيجا":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
في قفص الاتهام:
فهد راشد المطيري
اللجنة الوطنية لإعادة أملاك الدولة:
فيصل عبدالله عبدالنبي
مظاهرات خداعة وشعارات طنانة:
محمد بو شهري
ما يحدث في السجن:
المحامي نايف بدر العتيبي
استراتيجية موحدة للموارد البشرية:
مريم سالم
النواب النوائب!:
د. بهيجة بهبهاني
محطات من هنا وهناك:
عبدالله عيسى الموسوي
الترجمة.. سلاح القوة المفقود:
د. لطيفة النجار
من يخلصنا من فوضى الفتاوى؟:
علي عبيد
ما بين عامي 1956- 1967!!:
د. محمد عبدالله المطوع