رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 مايو 2007
العدد 1775

الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة
د. نسرين مراد
????? ????????

في النصف الثاني من عقد الستينيات من القرن العشرين لمع نجم الثورة الفلسطينية بسرعة· حدث ذلك سريعاً عقب أول بلاغ عسكري عن هجوم قامت به مجموعة فدائية فلسطينية ألقى فيها مقاتل قنبلة يدوية بدائية الصنع على منشأة إسرائيلية عند نفق "عيلبون" بالقرب من بحيرة طبريا شمالي فلسطين المحتلة عام 1948· كانت المنشأة المائية الإسرائيلية تهدف إلى تحويل حوالي ثلث مياه نهر الأردن لاستهلاك المشاريع المائية الصناعية والزراعية الإسرائيلية المقامة على بعد مئات الكيلومترات في صحراء النقب الواسعة جنوب فلسطين·

لم يمض وقت طويل حتى اصطفت جماهير الشعوب العربية والإسلامية وجل شعوب وحكومات دول العالم الثالث ودول الكتلة الاشتراكية خلف المارد الثوري الفلسطيني الذي نهض من قمقمه بعد مآس ونكبات حادة متتالية· في غضون بضع سنين ضاهت الثورة الفلسطينية نظيراتها الكوبية والفيتنامية وحتى الروسية الشيوعية في مقارعة الإمبريالية العالمية خاصة في منطقة الشرق الأوسط صاحب الأهمية المميزة للسياسات الخارجية الغربية· أضحى الشعب الفلسطيني في طليعة قوى النضال الحقيقي ضد كل أشكال الاحتلال والاستعمار والأطماع الخارجية في المنطقة· حتى أواسط السبعينيات من القرن العشرين كان جل المستوطنين الصهاينة في كامل فلسطين المحتلة، قاب قوسين أو أدنى لكل منهم للبدء بالهجرة العكسية من جديد· تأكّد للمستوطنين اليهود في ذلك الوقت أن فلسطين لا يمكن أن تكون أرض ميعاد تاريخية لهم، لا بل إنها أقرب إلى مقبرة للغزاة بدل أرض الشهد واللبن كما كانت تصفها لهم الدعاية الصهيونية في أماكن تواجدهم السابقة·

في العام 1970 بدأت أولى عثرات المارد الثوري الفلسطيني حين اجتمعت عناصر الفوضى ونقص التخطيط لدى القيادة الفلسطينية مع حملة من المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية النشطة لكبح جماح الحركة الفلسطينية العتيدة· في شهر أيلول سبتمبر من ذلك العام خسرت المقاومة الفلسطينية المنصة الرئيسة السهلة، غور الأردن، لانطلاقها إلى داخل أراضي فلسطين المحتلة عامي 1948 و 1967· تلا تلك الانتكاسة الخطيرة بعد قليل وفاة الزعيم القومي جمال عبدالناصر الداعم الرئيسي والمرشد القومي وشبه الروحي لحركة التحرير الوطني الفلسطينية· كل ذلك كان بمثابة كسر للعامود الفقري للكائن الحي·

بعد العام 1970 لم يكن حظ المقاومة الوطنية الفلسطينية، كما بدأ يحلو للبعض تسميتها بدل الثورة الفلسطينية، لم يكن أكثر وفرة مع الأنظمة وبعض قطاعات من الشعوب العربية من الحال مع العدو الإسرائيلي· في حينه تسيطر إسرائيل جغرافياً على كل فلسطين وتسيطر بالنيران والسلاح الجوي المميز في العدة والعتاد على دائرة جغرافية حول فلسطين تشمل مناطق شاسعة من العالم العربي قد تمتد بسهولة إلى أطرافه· الدعم الغربي لإسرائيل الصغيرة مكنها تقريباً من رقبة كل عربي·

خلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب استفادت القضية الفلسطينية إلى حد كبير من الدعم السياسي والمعنوي والعسكري من دول الكتلة الشرقية للوقوف على قدميها الحافيتين· لكن ذلك لم يكن يكفي لاستمرار وقف مسلسل الهزائم العسكرية والتراجع الذي منيت به المقاومة الفلسطينية مع بعض المكتسبات السياسية الشكلية!· منذ منتصف السبعينيات وفي عقد الثمانينيات من القرن العشرين دخلت الحركة الفلسطينية نفقاً مظلماً قاتلاً يمكن أن يسمى نفق التعامل مع الأنظمة والفئات السياسية العربية المختلفة، في الداخل والخارج· كان التعامل القسري مع تلك المجموعات بشكل عام أكثر كلفة وخسارة من عدمه· ما أن أوشك عقد الثمانينيات على الأفول حتى أصبحت حالة المقاومة الفلسطينية تتراوح بين حالة المريض بشدة، والمريض في قسم العناية المركزة· خسرت المقاومة الفلسطينية معظم منصات الانطلاق الأرضية لها وتكونت حولها حلقات وجزر معادية بشراسة من الأنظمة والفئات السياسية والإثنية المختلفة·

أثناء وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان بشكل خاص زُرعت بذور الشرذمة والتخندق السياسي الفئوي الحزبي في الجسم الفلسطيني المقاوِم بشكل بات يهدد من الداخل وحدة وقوة الجبهة الداخلية الفلسطينية برمتها· كان ذلك نتيجة حرص من قيادة المقاومة على تطبيق منهجية ديموقراطية تعددية قد تكون الأقرب إلى الصواب بالرغم من العيوب الكامنة فيها· في تلك الحقبة كان من السهل تشكيل جبهة سياسية أو عسكرية بعدد من الأفراد قد لا يتجاوزون مجموع أصابع اليدين خاصة إذا ما تم تأمين مصدر مالي خارجي وآخر إعلامي توجيهي تعبوي· مع الزمن نمت تلك الجزر النضالية وأصبحت تتنافس مع بعضها سلباً أحياناً وإيجاباً أحياناً أخرى أقل·

مع انهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكر القوى الاشتراكية في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين خسرت المقاومة الفلسطينية العامود الفقري السياسي والمعنوي والنفسي وحتى ما تبقّى من العسكري· بدت الحركة الفلسطينية مثل جسم مشلول أمام الهجمات الإسرائيلية المدعومة تقليدياً من الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية· بات على الشعب الفلسطيني أن يستمر في الركون إلى قوته الذاتية الضعيفة المشتتة محاصراً من الأعداء والإخوة والأشقاء، ومن رفاق المصير الثوري الذين صمتت أنظمتهم بعد سقوط القطب الدولي الآخر صمت أهل القبور· اعتمد نضال الشعب الفلسطيني في جله على الانتفاضة الشعبية التي بدأت من قبل وهي الأقرب إلى النضال السياسي السلمي المغامر الممل المضجر المضني وربما العاقر ضد عدو متميز بالحقد والعناد والمكر والدهاء، منه إلى الكفاح المسلح المشروع الأكثر إلحاحاً وإشراقاً·

أوقع اتفاق أوسلو الموقع في واشنطن عام 1994 القيادة الفلسطينية في فخ المؤامرات الغربية ضد القضية الفلسطينية بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى، هذه المرة عن طريق وضع كامل الكف والأصابع والذراع الفلسطينية في قبضة المفاوض الأمني الإسرائيلي لتسهيل ليّها جميعاً عليه· حتى تقبل إسرائيل بإخلاء موقع استيطاني صغير وحتى خداعي في الضفة الغربية أو قطاع غزة بات على القيادة الفلسطينية تقديم تنازلات مشينة تختص حتى بالوضع في العاصمة الحلم، القدس الشريف· الراعي الأمريكي في عملية التفاوض غير المجدي بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية هو نفسه الإسرائيلي بلباس أمريكي أقرب منه للقيام بحركة في حفلة تنكرية وتمويه منه للحقيقة والعدالة والأمانة· لم يمض وقت طويل على الشروع بتنفيذ اتفاقية أوسلو حتى اكتشف الفلسطينيون أن طاولة المفاوضات ما هي إلا رقعة شطرنج سياسية قاتلة للحقوق الوطنية والإنسانية الفلسطينية بعد قتلها لأنفاس المفاوضين·

في كل مراحل نضال المقاومة الفلسطينية كان هدف القوى المعادية للنضال الفلسطيني هو الحيلولة بين المقاومة والسلاح خاصة الفعال منها، وما مراحل التفاوض إلا استكمالاً لمحاولات نزع سلاح المقاومة مقابل وعود بالمال والطعام وبعض الخدمات المدنية، وعود أُعطيت في السابق للهنود الحمر· في مطلع القرن الحادي والعشرين بدأت مرحلة تصفية القضية الفلسطينية بشكل أكثر جدية من أي وقت مضى حين وضعت الولايات المتحدة بكل ثقلها العالمي لصالح إسرائيل خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001· أدت مجموعة البرامج والخطط الإسرائيلية المدعومة أمريكياً إلى وصول وضع الفلسطينيين والسلطة إلى ما يشبه الجسم الذي يحاول فقط الاستجابة لشروط الإدارة الأمريكية اللاواقعية· من ضمن تلك المطالب والشروط أن يثبت الفلسطينيون أنهم بناة سلطة ديموقراطية سليمة، كما لو كانت الديموقراطيتان الأمريكية والإسرائيلية أكثر نضجاً من الفلسطينية حتى في ظروف حصار الاحتلال المقيتة بامتياز·

في الفراغ الهائل الناجم عن الحصار القاتل من الطبيعي أن يتحول أي شعب ديموقراطي تعددي سياسي "مُخترق أمنياً" إلى الدخول في متاهات جانبية من شبه المؤكد أن تؤدي إلى حرب أهلية· الآن تنجح المخططات الصهيو-أمريكية لإدخال الجسم الفلسطيني تحت الاحتلال في نفق الحرب الأهلية شديد الحلكة والفظاعة بعد أن تحكمت في مصدر قوته اليومي· لا يجد الفلسطينيون أخاً ولا شقيقاً ولا صديقاً قادراً على أن يمد إليهم يد العون لإنقاذهم من هذه الورطة المميتة التي تم التخطيط لها بعناية باشتراك العدو والأخ والشقيق والصديق· على ثكلى الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطينيي المهجر أن تدفع ثمناً باهظاً لنزوات وأخطاء ومؤامرات القيادات السياسية المحلية والإقليمية والدولية· على سطح ذلك تصرف القيادة الفلسطينية جل جهدها لاجتياز امتحان الديموقراطية الأمريكي المجحف وعلى الطريقة الأمريكية في تقييم الامتحانات الموضوعية، الجواب نعم أو لا ولا مجال للحلول الوسط·

* جامعة الإمارات العربية المتحدة

nasrin@uaeu.ac.ae

�����
   
�������   ������ �����
نظرة عامة في العلاقات الخارجية الأمريكية
نظرة في المواجهة بين فتح الإسلام والحكومتين اللبنانية والأمريكية
الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة
لا يتعلم جورج بوش من تكرار أخطائه
الإعلام الإخباري والاستخفاف بالحقيقة
الحرب السادسة في المنطقة
قراءة في المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله
قراءة في المواجهة المفتوحةبين إسرائيل وحزب الله
بخس ثمن الإنسان العربي في الحسابات الغربية
الإدارة الأمريكية ومشروع تقسيم العراق
أبو مازن بين مطرقة الاحتلال وسندان المقاومة
أوضاع الفلسطينيين وجماعات حقوق الإنسان الدولية
 

الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة:
د. نسرين مراد
المواطنة الاقتصادية الخليجية:
مريم سالم
الغارقون في السياسة:
ياسر سعيد حارب
نحن لانستحق صفة الإنسانية:
الدكتور محمد سلمان العبودي
إشكالية الثقافة:
د. لطيفة النجار
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا:
د. فاطمة البريكي
لبنان.. لا تتركوه وحيدا!:
سليمان صالح الفهد
النضج السياسي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"إلا المجلس"!:
سعاد المعجل
النائب "أبو القنادر":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أبحري يا سفينة الحمقى!:
فهد راشد المطيري
لقد اقترب الفرج:
فيصل عبدالله عبدالنبي
عندما يتحرك الشباب:
محمد بو شهري
خليفة علي:
على محمود خاجه
اتحاد عمال البترول:
المحامي نايف بدر العتيبي
الأمم المتحدة بين الأمس واليوم:
آلاء عادل الهديب
59 عاما على نكبة فلسطين(1):
عبدالله عيسى الموسوي
مجتمع منزوع الدسم:
علي عبيد
وزراء الكويت..
تحية إلى شرفاء الأمة..
على الإصلاح السلام..:
محمد جوهر حيات
بقالات..
ثنائية اللغة!:
علي سويدان
بوش: انقل تمثال الحرية!!:
د. محمد عبدالله المطوع