رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 23 مايو 2007
العدد 1775

كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
د. فاطمة البريكي
sunono@yahoo.com

في طريق عودتي إلى المنزل من العمل قبل يومين فتحت مذياع السيارة، وأخذت أقلب بين القنوات الإذاعية بحثًا عن صوت ما يمكنني أن أستأنس به أثناء الطريق، وهي حركة آلية أظن أن كثيرًا من الناس يقومون بها، حتى وهم لا يشعرون برغبة في سماع أي شيء، والدليل على ذلك أننا كثيرًا ما نفتح المذياع، ثم نخفض الصوت حتى يصبح وشوشة أو همهمة غير واضحة أو غير مفهومة، لكنها موجودة، وكأننا اعتدنا على وجود أصوات حولنا، وألفنا أن نعيش بين الأصوات على تفاوتها هدوءًا وإزعاجًا، أو جمالا وقبحًا، أو غير ذلك- وحين يتوافر لنا الهدوء الحقيقي، الذي يسمح لنا بسماع صوت الصمت، نهرب منه إلى أي مصدر إزعاج بوعي أو دون وعي، ثم نشكو من الضوضاء المحيطة بنا على مدار اليوم، ونغضب من حركة الأطفال في المنزل لأنها مصحوبة بالصوت العالي غالبًا، ونرفع صوتنا على الخادمة حين تقوم بعملها في المنزل محدثة ضوضاء يصعب عليها التخلص منها مهما حاولت تجنبها، إذ أن بعض الأعمال المنزلية لا تتم دون تلك الضوضاء، خصوصًا عند استخدام بعض الأجهزة الكهربائية كالمكنسة، أو الخلاط، أو غير ذلك·

في ذلك اليوم، وأنا أقلّب بين القنوات الإذاعية، لفت انتباهي موضوع سمعت آخره فقط، لأن البرنامج كان في دقائقه الأخيرة على ما يبدو، فلم أسمع منه إلا ما قيل في تلك الدقائق الأخيرة، وهو يتعلق بما سبق من كلام عن الصوت والصمت، إذ كانت المذيعة تتحدث عن إمكانية شراء الصمت من "السوبر ماركت" في المستقبل القريب، وقد ظننتها تمزح أولا، ثم رجّحتُ أنها تتحدث بلغة مجازية، إلا أنها أكملت حديثها مباشرة، وذكرت أن أحد العلماء اخترع آلة أطلق عليها اسم "آلة الصمت"، وهي آلة تقوم بحجب الأصوات غير المرغوب فيها عن الغرفة التي توضع بها، بعد برمجتها على نحو معين، يتم من خلالها تعريف الآلة بالصوت غير المرغوب فيه لتقوم بحجبه، وبالتالي لا يسمع الأشخاص الموجودون في الغرفة سوى الأصوات التي لم يبرمجوها في تلك الآلة، وهي الأصوات التي لا يرغبون في حجبها غالبًا، ليعيشوا في هدوء أصبحنا جميعًا، أو -بشيء من التفاؤل- أصبح معظمنا، يفتقده في هذا العصر·

الكلام على آلة الصمت قد يطول إن أردت أن أعيد ما ذكرته المذيعة في حديثها خلال البرنامج، على الرغم من أنني لم أسمع سوى جزء بسيط منه، إلا أنها ذكرت الكثير من المعلومات التفصيلية حول هذه الآلة، لكن أهم ما ذكرته في هذا الموضوع هو إشارتها إلى أن العلماء في الغرب عاكفون الآن على تطوير هذه الآلة بحيث يمكن استخدامها في المصانع الكبرى، التي تحدث أجهزتها ومعداتها ضوضاء عالية جدًا، كي يتمكن العمال من أداء عملهم في تلك المصانع دون أن يتأثروا بالضوضاء المفروضة عليهم نتيجة التصاقهم بتلك الآلات، أو قربهم الشديد منها، لأن الضوضاء تؤثر سلبًا على مستوى الإنتاج، وستكون آلة الصمت مساعدًا على تحسين مستوى الإنتاج إن تمكنوا من تطويرها·

في أثناء استماعي لكل تلك المعلومات عن آلة الصمت، وأهميتها، والفوائد الكثيرة التي ستعود على المجتمعات في مختلف المستويات نتيجة التوصل إلى اختراع هذه الآلة، كنت أفكر في اتجاه آخر، لا أعرف لماذا قادني ذلك الموضوع المثير عن آلة الصمت للتفكير فيه، بدلا من التفكير في هذه الآلة التي ستحتلّ مكانًا يليق بها في كل منزل من منازلنا خلال أشهر معدودة!

في أثناء استماعي لحديث المذيعة عن آلة الصمت فكرت في الضوضاء الخارجية، وفي أي صوت مزعج يأتينا من خارج ذواتنا، وتساءلت: ألا يمكننا التخلص من أي صوت آتٍ من الخارج إذا كان مزعجًا؟ فوجدت أنه من الممكن -نظريًا، وإلى حد كبير- التخلص من الأصوات الخارجية المزعجة بشكل أو بآخر؛ فالعامل سيتخلص من ضجيج آلاته بمجرد أن يخرج من المصنع، والأب سيتخلص من إزعاج أبنائه -الذي لن يكون إزعاجًا حقيقيًا، وإن كان يراه في لحظة ما إزعاجًا فإنه يعترف في قرارة نفسه بأنه إزعاج لذيذ ومرغوب في كثير من الأحيان- بمجرد أن يخرج من المنزل، أو أن يخلدوا للنوم، والمدرس سيتخلص من إزعاج طلبته وضوضائهم بمجرد أن ينتهي اليوم المدرسي، وهكذا دواليك·

التفكير المنطقي يقول إنه يمكن لأي منا التخلص من الإزعاج الخارجي حتى إن بدا أمر التحكم فيه صعبًا لأنه خارجنا، فهو دائمًا خارج عن سيطرتنا، لكن سؤالي الذي ظلّ ملحًا على تفكيري هو: ماذا عن الإزعاج الداخلي؟ ومن الذي يستطيع أن يوقف ضوضاءه الداخلية التي تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة في اليوم؟

إنني أشعر أننا أصبحنا نعيش في ضوضاء دائمة، إن توقفت تلك الضوضاء الخارجية، التي نعتقد أننا لا نملك السيطرة عليها غالبًا، فإن تلك الموجودة في داخلنا لا تتوقف، فنبدو وكأننا نحمل مصانعنا الخاصة معنا أينما ذهبنا وفي أي وقت، أثناء العمل، وأثناء تناول الوجبات، وأثناء قيامنا بواجباتنا الاجتماعية، وأثناء النوم في كثير من الأحيان، لدرجة أننا نفتقد أحيانًا ساعات النوم الهانئ التي كنا نعرف مذاقها في السابق، لأن مصانعنا الداخلية تعمل حتى أثناء وقت النوم والراحة، وبالتالي فإن ضوضاءها لا تتوقف، ويظل ضجيجها مستمرًا طوال الوقت، مهما حاولنا التخلص منه، أو التحرر من إزعاجه الدائم·

إلا أن تطور العلم على نحو لحظي يمنحني قدرًا من التفاؤل لا أستطيع أن أحرم نفسي من أن تعيش فرحته، حتى إن كان في قيد الاحتمال حتى الآن، فأنا أعتقد أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن تلوح في الأفق بشرى تزف إلينا إعلان العلماء الغربيين عن توصلهم لصيغة جديدة ومطوّرة من آلة الصمت، تمكننا من إخراس أصواتنا دواخلنا، وكبت ضوضاء أعماقنا، بحيث لا نسمع إلا ما نرغب به من أصواتنا الداخلية، ولكل إنسان حينها اختياره الخاص·

* جامعة الإمارات

 sunono@yahoo.com

�����
   
�������   ������ �����
الأشقاء الأشقياء
القارئة الصغيرة
الامتلاء من أجل العطاء
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا
التفكير من أجل التغيير
تطوير العقول أو تغييرها
تطوير العقول أو تغييرها
انتقال الحذاء من القدم إلى الرأس
الكبيرُ كبيرٌ دائمًا
إنفلونزا الطيور تعود من جديد
معنى التجربة
السلطة الذكورية في حضرة الموت
الطيور المهاجرة
"من غشنا فليس منّا"
كأنني لم أعرفه من قبل
ثلاثية الحضور والصوت والكتابة
المطبّلون في الأتراح
بين الفعل.. وردة الفعل
التواصل في رمضان
  Next Page

الحالة الفلسطينية: من الثورة إلى الرضوخ لشروط مميتة:
د. نسرين مراد
المواطنة الاقتصادية الخليجية:
مريم سالم
الغارقون في السياسة:
ياسر سعيد حارب
نحن لانستحق صفة الإنسانية:
الدكتور محمد سلمان العبودي
إشكالية الثقافة:
د. لطيفة النجار
كيف نسكت ضوضاء نفوسنا:
د. فاطمة البريكي
لبنان.. لا تتركوه وحيدا!:
سليمان صالح الفهد
النضج السياسي:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
"إلا المجلس"!:
سعاد المعجل
النائب "أبو القنادر":
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
أبحري يا سفينة الحمقى!:
فهد راشد المطيري
لقد اقترب الفرج:
فيصل عبدالله عبدالنبي
عندما يتحرك الشباب:
محمد بو شهري
خليفة علي:
على محمود خاجه
اتحاد عمال البترول:
المحامي نايف بدر العتيبي
الأمم المتحدة بين الأمس واليوم:
آلاء عادل الهديب
59 عاما على نكبة فلسطين(1):
عبدالله عيسى الموسوي
مجتمع منزوع الدسم:
علي عبيد
وزراء الكويت..
تحية إلى شرفاء الأمة..
على الإصلاح السلام..:
محمد جوهر حيات
بقالات..
ثنائية اللغة!:
علي سويدان
بوش: انقل تمثال الحرية!!:
د. محمد عبدالله المطوع