وهكذا حدث ما خشيناه، وما حذر منه لكثير من المخلصين الذين تنتابهم اللوعة لما وصل إليه ملف الفساد من سطوة ونفوذ وقوة!
الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة كانت بروفة فقط لما قد يتحول إليه المشهد الكويتي وعلى جميع الأصعدة، في حالة التهاون عن حسم قضية فساد واضحة كالذي حدث في قضية الناقلات والاستثمارات!
الذي حدث في جلسة مجلس الأمة ليوم الثلاثاء الخامس عشر من مايو، ليس تنقيحا للمسار الديمقراطي، وليس أمرا طبيعيا قد يحدث في أي برلمان في العالم، وإنما هو تطور طبيعي جدا لمعاول الفساد التي تتحرك بثقة وبحرية مطلقة لتهميش الديمقراطية، ودور المجلس بالتحديد، لكونه الجهة الوحيدة في الدولة التي رأت أن من مسؤوليتها التعامل مع الفساد كجريمة، وليس كحق يضفي على رمزه هالة النفوذ والأهمية والقوة والسلطان!
لعل من المفارقات المضحكة المبكية في آن واحد أن قاعة عبدالله السالم بمجلس الأمة الكويتي التي شهدت ما شهدت من فوضى وشتائم، هي نفسها القاعة التي دشنت ومنذ عامين فقط حق المرأة السياسي!! وهي نفسها القاعة التي، ومنذ عام واحد، أعادت الاعتبار إلى الشعب الكويتي حين أصرت على أن تنصت إلى نبضه ومطالبه في تقليص الدوائر الخمس، وحدث الخروج الشهير من قاعتها حين تصورت الحكومة أن بإمكانها المراوغة والتنصل!
الآن نستطيع أن نقول وبكل أسف إن الفساد ورموزه قد كسبوا الجولة وانتصروا في هذه المعركة، ولا نقول الحرب!
وهم لن يكونوا لينتصروا لو كان هنالك قدر كاف من الحزم في حكومتنا الموقرة! هم انتصروا لأنهم استطاعوا أن ينقلوا معركتهم إلى داخل مؤسسة الشعب، من خلال أعضاء زوروا وبكل صفاقة حق الأمة، وحقوق الشعب، وأصبحوا متعهدي دفاع من مجموعة أدانها القضاء، والشرع، والقانون!
نقول: إن رموز الفساد وأبواقه داخل مجلس الأمة، كسبوا معركة، لكنهم لم يكسبوا الحرب، فالحرب ضد الفساد بالكاد بدأت من جلسة الخامس عشر من مايو، وهي حرب ليست بسبب ملايين أو مليارات، ثم انتهاكها واغتصابها من مال الشعب، وإنما هي حرب ضد كل القنوات المفتوحة والسائبة في الكويت، والتي مكنت هؤلاء من العبث بالقانون، وتجاوزه! وهي حرب تعيدنا إلى المربع الأول، وبأن لا أمن ولا أمان ولا استقرار ولا عدالة، إلا بتنقيح ومراقبة المدخل الرئيسي إلى قبة البرلمان، لضمان رموز ورجال يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم!
فالفساد ورموزه ما كانوا ليستمروا في مواقفهم ونفوذهم، لو لم يعمدوا أولا إلى تأمين أصوات لهم وأبواق تتحدث زورا عن حقوق الشعب، وتدافع عنهم في المجلس!
الذي حدث في مجلس الأمة في ذلك اليوم هو نتاج طبيعي ومتوقع لفساد طال عمليات الانتخاب وأخلاقيات العمل السياسي والتنافسي هو نتاج لجهود طويلة لأرباب الفساد ورموزه ومعاونيه منذ فجر التحرير، في سبيل تهميش السلوك الديمقراطي، وتخريب ملجس الأمة من الداخل، لكي يسود منطقهم، ويعلو صوت أبواقهم!
إن الصحوة الشعبية التي قادها تيار "نبيها خمس" برجاله ونسائه وشبابه، قد تأجج فتيلها حين راودت البعض طموحات مغرضة لتغيير الدستور وتفريغه من نفوذه وقوته، فهبت من جديد في حملتها "إلا الدستور"!
هذه القوى الوطنية المخلصة مطالبة اليوم كذلك بأن تشعل فتيل حرب قد يطول مداها وشراستها، حرب في وجه الفساد ورموزه، حرب تنادي وتطالب بحماية المجلس من المتطفلين على مشاريع البلد الوطنية، وحرب يكون شعارها "إلا المجلس"، فتحت قبته فقط يكون الأمن والأمان والاستقرار، ويغني الفساد والمفسدون معه!
suad.m@taleea.com |