إن كنت تدري فتلك مصيبة
وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
"شاعر"
(1)
تداولت الصحف المحلية والعربية والدولية منذ أيام موضوعا حول "خارطة السعادة في العالم" التي وضعها باحث إنكليزي في علم النفس الاجتماعي بجامعة ليستر يدعى أدريان وايت، واستند فيها الى تحليل المعطيات والمعلومات الصادرة عن المنظمات والمؤسسات الدولية كاليونيسكو ومنظمة الصحة العالمية·
اختار وايت خمسة معايير لتصنيف 178 دولة من حيث سعادة شعب كل دولة، وهذه المعايير هي الصحة والغنى وتربية الحس الوطني وجمال المناظر·
استحق الشعب الدانماركي حسب الدراسة لقب أسعد شعب في العالم، برغم عدم امتلاكه لجيوش جرارة ولا دخوله مناحرات أو صراعات مع أحد، اللهم إلا معنا نحن العرب والمسلمين على خلفية موضوع الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم·
واللافت في الدراسة احتلال الديمقراطيات الغربية الصغيرة المسالمة لأغلب المراكز العشرة الأولى لأسعد الشعوب، حيث جاءت بعد المتصدرة الأوروبية الدانمارك دول أوروبية أخرى وهي بالترتيب سويسرا والنمسا وآيسلندا والباهاما وفنلندا والسويد، بينما جاءت مملكتان من العالم الثالث هما بوتان وبروناي في المركزين الثامن والتاسع لتختتم كندا في المرتبة العاشرة الشعوب العشرة المبشرين بالسعادة الدنيوية، والملاحظ أنها جميعا دول مسالمة بجيوش متواضعة وديمقراطيات معقولة واقتصاد جيد لكنه ليس الأفضل في العالم!
(2)
لعل الغريب في الدراسة أن الدول الصناعية الكبرى لم تتصدر القائمة كما كان متوقعا، رغم اعتبار صاحب الدراسة نفسه أن دراسته تدحض نظرية أن الرأسمالية تصنع بؤس الشعوب، واعتقاده أن مشكلات الحياة المعاصرة لا تقارن بمستوى التعليم والعائدات الفردية، أما الأغرب فهو أن شعوب الدول المتحكمة بهذا العالم ليست الأسعد، فأمريكا وهي القطب الأوحد والدولة الأقوى سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا جاءت في المرتبة الثالثة والعشرين، بينما كانت الدول الصناعية المتقدمة في مراكز مفاجئة فألمانيا في المركز (35) وبريطانيا (42) وفرنسا (62) والتنين الصيني (82)، أما اليابان فكانت في المرتبة التسعين والهند في المركز 125 وروسيا في المرتبة 167، أما المراكز الثلاثة الأولى لأكثر الشعوب تعاسة فاحتلتها وبكل جدارة إفريقيا السمراء ممثلة في بروندي وزيمبابوي والكونغو!
(3)
جاءت الكويت في المرتبة الثامنة والثلاثين في قائمة السعادة، ولكل أن يقرأ النتيجة (بكيفه)، فمن ينظر الى النصف الفارغ من الكأس سيجد أن الباحث اعتبر أننا تعساء لأن هناك سبعة وثلاثين شعبا أسعد منا، أما الناظر إلى النصف (المليان) فسيرى أننا بألف خير لأن هناك مئة وأربعين شعبا أتعس منا، فالمهم أن الباحث اعتبرنا أسعد من البريطانيين والفرنسيين واليابانيين والصينيين وحتى الهنود·
لو عدنا الى المعايير التي وضعها صاحب الدراسة وراسم خارطة السعادة فإننا سنواجه ككويتيين بملاحظات نحمد الله أن الباحث ليس ضليعا في الشؤون الكويتية وبالتالي لم يطلع عليها، وإلا لكنا ربما نافسنا الكونغو وزيمبابوي على لقب أكثر الشعوب تعاسة!
المعيار الأول الذي اعتمده الباحث هو الصحة، ورغم أن صحة الشعب الكويتي (عال العال) والحمدلله، إلا أن الباحث لو اطلع على واقع الوضع الصحي والخدمات الصحية الحكومية لربما كان أعاد النظر برتبتنا الـ38 أو ربما بهذا المعيار ككل!
فخدماتنا الصحية (مش ولا بد) ووزارة الصحة الكويتية (عليلة)، ومستشفياتنا ومراكزنا الصحية في حال يرثى لها، ولولا لجوء أغلب الكويتيين للاستعانة بصديق يدعى "العلاج بالخارج" ويقيم في بعض الدول العشر التي تتصدر القائمة بالإضافة لثلاثي أمريكا وفرنسا وبريطانيا، لانكشف المستور و(جكونا) صحيا، أما لو اطلع الباحث على وضع العلاج (الحكومي) في الخارج لشاب رأسه، فما بالك لو علم أن بعض الكويتيين فقط ربما يستحقون المرتبة 38 بينما بعضهم (يستاهلون) وعن جدارة المراتب العشر الأولى صحيا، وهم أصحاب الفيتامين واو والذين عندهم نواب "زغرتية" في مجال المعاملات الصحية وخاصة في لجنة العلاج في الخارج، أما أولئك المساكين الذين لا صوت انتخابيا لهم أو ممن باعوا أصواتهم، أو ممن ذهبت أصواتهم لمرشحين ساقطين انتخابيا، أو ممن انتخبوا نوابا ممن يغلقون هواتفهم بعد نجاحهم أو يغيرون أرقامهم أصلا، فإن هؤلاء كلهم ربما ينافسون الزيمبابويين والكونغيين كأتعس ناس على وجه الأرض·· وصحيا طبعا!
(4)
بالنسبة لمعيار الدراسة الثاني وهو الغنى فإن الكويتيين ليسوا على حال واحدة، وهذا هو حال الدنيا بالطبع، فقلة منهم تتخم جيوبهم وحساباتهم المصرفية، بينما جيوب أغلبهم (تصفر) و(شرهتهم) على الماستر والفيزا، رغم أنهم جميعا متشابهون من بعيد فهم يلبسون (دشاديش بيض) بنفس الموديل تقريبا، و(غتر) موحدة في نسبة (النشا) فيها وفي لونها الموحد إلا ما أحمر منها أو تلون·
ربما سيغير الباحث رأيه ويعيد تموضعنا على خريطة السعادة العالمية لو أنه سمع بقصة المتقاعدين والتأمينات، أو علم بما يشوب زيادة الخمسين دينارا من شد وجذب بين الحكومة والنواب، لكن رأيه سيتغير حتما لو عرف بمغامرات الكويتيين مع بنك التسليف ومعاناتهم مع القروض العقارية والاستهلاكية التي تستنزفهم، وتلك التي ترفض الحكومة إسقاط دينار واحد منها رغم الوعود الانتخابية النيابية التي تتبخر يوما بعد يوم، وذلك في الوقت الذي تصبح فيه الكويت يوما بعد يوم عين عذاري التي تسقي البعيد وتحرم القريب، فأموال الكويت توزع على الأشقاء والأصدقاء لتصنع السعادة لهم، وشعبها يئن تحت سوط الغلاء وتزايد متطلبات الحياة، بل سيغمى على الباحث لو علم أنه لا يكاد يوجد كويتي غير مطلوب بأقساط لبنك أو مؤسسة مالية، فهل سنبقى في المركز الـ 38 لو علم الباحث بكل هذا؟!
(5)
فيما يتعلق بالمعيار الثالث وهو التربية (ربنا ستر) فإن الباحث الإنكليزي لم يسمع بوزارة تربيتنا، ولم يتشرف بالاطلاع على تجربة الدكتور الطبطبائية في إدارة الوزارة المؤتمنة على تربية أبنائنا وتعليمهم، فقياداتنا التربوية متخبطة وكوادر التربية تتململ وجامعتنا الحكومية اليتيمة تكاد تكون غير معترف بها ومدارسنا في حال يرثى لها، وطلبتنا ينجحون (عالحفة) لكنهم لا يتفوقون إلا بفيتامينات الدروس الخصوصية التي يتجرعونها على أيدي المدرسين أنفسهم الذين يعلمونهم في المدارس الحكومية، والذين بالمصادفة يعطون في البيوت ما لا يعطونه في المدارس، والطالب نفسه الذي يفهم الدروس في المنازل لا يفقه شيئا من المدرس نفسه في المدرسة، ولو عرف السبب لبطل العجب!
لو عرف السيد وايت بواقعنا التربوي لكان (شد بشعره) واختار أحد خيارين لا ثالث لهما أمامه وهما إما إهمال معيار التربية في دراسته أو تذييل القائمة بنا (تربويا!).
(6)
معيار الدراسة الرابع هو الحس الوطني، ونحن وإن كنا لم نفهم بالتفصيل معنى الحس الوطني الذي اعتمده الباحث معيارا وطريقة فهمه له، إلا أنه يمكننا القول إن حسنا الوطني مرتفع تجاه وطننا، إن لم يعكر صفوه بعض ما يحدث في الكويت من ممارسات، فمثلا هل يمكن أن يؤثر موضوع شراء الأصوات وإجراء الانتخابات الفرعية وغض النظر الحكومي عنها على معيار الحس الوطني المتعمد من قبل الباحث؟! وهل يشوبه صعود نواب الخدمات ليمثلوا الأمة في مجلس الأمة؟ وهل يخدش الحس الوطني قول نوابنا قبل انتخابهم وحتى بعد انتخابهم ما لا يفعلون خلال نيابتهم؟
أضف الى ذلك لحس بعض النواب وعودهم، وتجييرهم النيابة والحصانة لمصالحهم الشخصية والتجارية والمالية أم أن لا مانع لدى الباحث من اعتماد مبدأ "فتح مخك تاكل ملبن" كما يقول إخواننا المصريون؟
هل يؤثر كل ذلك على مقياس الحس الوطني الذي اعتمده الباحث، وهل سيرى الباحث أن حل مشكلة البدون وتعدد مواد الجنسية سيساهم في تنمية الحس الوطني؟!
(7)
اختار الباحث (جمال المنظر) كمعيار أخير في دراسته، ولو زارنا الباحث في الكويت واطلع على (قبح المنظر) لدينا لغير رأيه، فصحراؤنا المتسعة على امتداد الوطن لم تشجر ولم تخضر إلا على ضفتي الطرق ربما لحجب الأنظار عن رؤية ما على ضفتيها من تصحر، وما نفع جزيرة خضراء وسط بحر من الصحارى؟
حتى أبراج الكويت التي هي إحدى رموز البلاد ورمزها الأبرز تعاني من الإهمال والروائح الكريهة، أما منشآتنا ومشاريعنا السياحية فحدث ولا حرج، فلا نظافة ولا نظام فيها، وهي تحولت لمرتع (للمصابن) والعاطلين عن العمل، وتخشى العوائل والأسر ارتيادها إن لم يكن بين أفرادها أو مرافقيها من يصلح لأن يكون (بودي غارد)!
باختصار فإن علينا أن نحمد الله كثيرا على المرتبة الثامنة والثلاثين التي وضعنا فيها السيد وايت، والتي ما كنا لنستحقها لو كان السيد وايت ضليعا في الشؤون الكويتية، فلو أنه زارنا وشاهد بعض ما يجري لدينا لربما غير رايه، فما بالك لو أنه جلس في دواويننا وعرف همومنا، كما أنه لحسن حظنا فإن السيد وايت لا يقرا العربية، وإلا لطالع صحفنا أو مواقعنا الإلكترونية وعرف أنه ظلمنا وظلم المرتبة 38 أكثر حين وضعنا بها!
في النهاية نقترح على المعنيين منع السيد وايت من دخول البلاد ووضع اسمه على قائمة غير المرغوب بهم، وذلك حفاظا على مرتبة "السعادة" التي وضعنا بها وخشية من أن نصبح في ذيل قائمة السعادة وعلى رأس قائمة التعاسة!
دبابيس
1- يقال إن نائبا حائز على الدكتوراه الفخرية من جامعة بوسنية نتيجة أعماله الجليلة هناك، بينما الثانوية العامة هي شهادته المعترف بها!
2- وزارة الأوقاف ستضيف خدمات الماسجات sms لنظام التراسل الإلكتروني فيها، "خوش" تحديث وإصلاح في الوقت الذي يؤذن فينا ويؤمنا من لا يتقن اللغة العربية أصلا!
3- وافدة بفيزا عمل أبعدت عن البلاد لإصابتها بالكبد الوبائي عادت للبلاد بفيزا التحاق بعائل، أصحاب العلاقة نايمين بالعسل وإلا كيف يعني خرجت من الباب وردت من الدريشة؟!
4- المثير للسخرية في إنذار جماعة إرهابية لكتاب ومفكرين اتهمتهم بالردة وهددتهم بالقتل إن لم يتوبوا، إن بينهم من هم ليسوا مسلمين أصلا، صحصحوا يا إرهابيين!
* كاتب كويتي
al_malaas@yahoo.com |