· سعدت كثيرا بفوز الروائية الشابة "بثينة العيسى" بجائزة الدولة التشجيعية عن روايتها الأولى "سعار" التي تنطوي على البشارة والوعد الدالين على ولادة روائىة واعدة· وأحسب أن اللجنة المحكمة قد وفقت في الاختيار وأحسنت فيه· ذلك أنه صار من عاداتنا الثقافية الفلكلورية: منح جائزة الدولة التشجيعية لمبدع ما بعد أن يشيخ ويشيب ويبلغ أرذل العمر!
الشاهد أن الرواية الأولى حظيت باهتمام واحتفاء العديد من النقاد، فضلا عن إقبال القراء على الرواية· وبذا تكون الروائية الشابة قد حققت النجاح الفني والجماهيري معا: هذه المعادلة الصعبة العصية على الحضور·
· وقد صدرت لتوها رواية "عروس المطر" عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر - ببيروت· وهي الرواية الثالثة للمبدعة الشابة، بعد روايتيها "سعار" و"ارتطام لم يُسمع له دوي"·
والعبدلله ليس ناقداً، لكنه يدبج انطباعه عن الرواية الجديدة "كقارىء محترف وكاتب هاو" كما يقول الكاتب الصحافي الكبير الأستاذ "كامل زهيري" أطال الله عمره· ورواية "عروس المطر" مكرسة لفضح سوءة الميز العنصري الذي تكابده المرأة الخليجية والعربية والإسلامية وفي جل بلاد الله بعامة وفي المجتمعات الذكورية البطريركية بخاصة· الشخصية الرئيسية في الرواية هي "أسماء" ذات الستة والعشرين سنة العانس "البايرة" جراء قبح خلقتها الشديد الذي يلتهم "خال الحكم" بسهولة ويقول له بفم مليان: "للجيكر" قم وأنا أقعد مطرحك! وكأن "أسماء" لا تكفيها معاناة الميز كونها أنثى تعيش في مجتمع ذكوري يستأثر فيه الرجل الذكر بكل الحقوق والامتيازات· ها هي أسماء تنوح بمناجاة تشي بمحنتها وأزمتها الوجودية (·· أنا وحدي، وحدي تماما، لا أحد يستطيع تغيير حقيقة كهذه· وحدي·· مثل خديج عثر عليه في صرة ملابس، خديج نسيت اللقالق أن تأخذه إلى أم، أو لم ترغب به أصلا)· وكأن هذه المناجاة هي "هتاف الصامتين" بحسب تعبير الأستاذ الدكتور "سيد عويس" رحمه الله· وهو هتاف يتواتر بصيغ شتى ليختزل في عبارات بليغة شديدة الدلالة والمعنى عذابات "أسماء" التي تتوسل الخلاص بالنجوى وأحلام اليقظة، وأحلام المنام، ومحاولة الإبداع، والتماهي مع الآخر (إنه لا يتألق بقدر ما يتألق لحظة يقف الى جانبي، وكأنني لا أنفع في هذه اللوحة إلا لأشير الى بهائه من خلال دمامتي، من خلال محدوديتي، هذا الشقيق النقيض··)·
إنها - أسماء - تتماهى مع الآخر الجميل المتصالح مع ذاته ومع العالم ويتبدى ذلك من خلال تماهيها مع شخصيتي شقيقها التوأم الذي استأثر بكل الصفات الخلقية، الجميلة، والمناقب النفسية السوية، ومع شخصية "أبلة حصة" معلمتها وقدوتها الأثيرة الى نفسها· إن الشخصيات المحورية هي ثلاثة: أسماء وتوأمها أسامة، ومعلمتها الأبلة حصة، إن أسماء تتوسل كل الحيل النفسية الشعورية واللاشعورية سعيا للخلاص من الميز الذي يثقل كاهلها ويسلب كينونتها! أو على الأقل هكذا قرأت شخصية أسماء المركبة، التي لم يخلق مثلها في البلاد! ربما لأن (الواقع، في رواية جيدة· تثيره الشخصيات لا المؤلف) بحسب الشاعر الأرجنتيني "بورخيس"· والخواطر تترى وموصولة، بإذن واحد أحد، فإلى العدد القادم· |