فتحت إذاعة الـ "بي بي سي" في تقرير مطول ملف الفساد في العراق!! وهو الملف الذي يشكل خطورة لا تقل عن خطورة العنف الدموي الذي أصبح قاعدة في الشأن والشارع العراقي ولأكثر من ثلاثة أعوام!!
تناول التقرير أرقاما فلكية عن حجم السرقات التي تتم جهاراً نهاراً وتكبد خزينة الدولة أموالاً يحتاجها العراق في عملية البناء الشاقة والمكلفة في ظل حمام الدم المستمر!! الأرقام تقول إن ما يقارب الثمانية مليارات دولار "اختفت" من الخزينة العراقية إبان حكومة "بريمر" المؤقتة·· وإن سبعة مليارات دولار "تبخرت" مع قدوم أول حكومة عراقية تم تشكيلها·· وأيضا حدث الشيء ذاته مع شحنة من العملات النقدية يقدر وزنها بعدة أطنان·· وقيمتها تقارب المليار وثمانمئة ألف دولار·· "اختفت" هي الأخرى وهي في طريقها من بغداد إلى شمال العراق!!
وذلك بالتأكيد ما تم الإعلان عنه أو اكتشافه من عمليات نهب مستمرة·· ومن دون حساب تكلفة مثل هذا الفساد الذي لم يحن بعد الوقت للكشف عنه أو اكتشافه!!
يأتي الفساد بشكل عام·· كأسوأ إفرازات الحروب·· ولعل الحالة العراقية ليست استثناء·· لكنها تبقى الأكثر قسوة في بلد يصنف كثالث دولة في احتياطيات النفط في العالم·· وأول دولة في محيطها من حيث الموارد الطبيعية والخيرات·· لكنها تبقى الدولة الأكثر بؤسا على صعيد المستوى المعيشي لمواطنيها!!
ضمن تقرير الـ "بي بي سي"·· جرت مقابلة دكتور عراقي يعمل في أحد مستشفيات البصرة·· يتحدث هذا الدكتور العائد من رحلة شتات الى موطنه بعد طول غياب·· ويصف تأثير حمى الفساد النشطة على حياة المواطن العراقي اليومية·· وحيث تفتقر الوحدة العلاجية التي يعمل بها لأبسط الاحتياجات الطبية·· وللكهرباء والماء وغيرها من مقومات العيش!! ويشرح هذا الطبيب كيف انعكست عمليات النهب المستمرة لموارد العراق على نصيب المواطن من الطبابة والتعليم والسكن والعيش الكريم!! لكنه يختم حديثه بقوله "إن الأمل معقود على المواطن العراقي لمواجهة قوى الفساد" وهو الأمل الذي جعله يترك وظيفته وحياته المريحة حيث كان يعمل في إيرلندا·· ليعود ويساهم في بناء بلده وعلاج أهله!!
حديث الدكتور العراقي المفعم بالأمل خفف كثيرا من قسوة حجم الأرقام المنهوبة وسيطرة قوى الفساد!! فالضمير الواعي كضمير دكتورنا الفاضل هنا·· هو السلاح الوحيد·· والأداة الأهم في معركة مكافحة الفساد!! لكنه يبقى سلاحاً محدوداً ما لم يؤازره قانون فاعل وصارم للحد من هذا الإهدار البشع للثروة العراقية القومية!!
يدور الحديث اليوم عن أثرياء حرب عراقيين أثروا على حساب بلدهم وأهلهم·· وهؤلاء وبكل أسف أصبح لهم نفوذ سياسي أمنته لهم أموالهم الطائلة·· مما يشكل خطراً حقيقيا حين يصبح حرامية العراق·· هم أركان سياسته وقراراته!!
لقد تطلبت الإطاحة بنظام ديكتاتوري استنزاف طاقات العراق وأهله وثرواته·· الى جيوش واستعدادات عسكرية هائلة·· وقرارات دولية لا تزال موضع تأزيم في الولايات المتحدة·· وفي العالم بأكمله·
لكن الإطاحة بنظام الفساد وأعوانه·· والذي يستنزف أيضا طاقات العراق وأهله وثرواته·· يتطلب حزماً وصرامة·· وقانونا رادعاً من قبل العراق وحده!!
suad.m@taleea.com |