رئيس التحرير: عبدالله محمد النيباري صدر العدد الاول في 22 يونيو 1962 الأربعاء 15 نوفمبر 2006
العدد 1750

هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
الدكتور محمد سلمان العبودي
dralaboodi@gmail.com

معظم التقارير والدراسات تتحدث هذه المرة و بعلانية مطلقة عن بداية تهاوي النظام الذي تأسس على أرض فلسطين منذ أكثر من ستين عاما· وكل الدلائل تشير إلى أن الدولة العبرية التي قامت ووصلت إلى قمة تألقها وسيطرتها على المنطقة في الستينات خاصة بعد انتصارها في حرب 67 ومن ثم أرعبت كل من حولها بعد نهاية حرب أكتوبر73 بدأت العد التنازلي لدولة قامت على أسس مهزوزة واستمرت كذلك بقدرة قادر· فلا يعرف التاريخ حتى الآن دولة من دول العالم تأسست بهذه الصورة (الفطرية) بعدما تم الانتهاء تماما من ترسيم حدود دول العالم في القارات الخمس بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام عصبة الأمم·

في الواقع فإن الدولة العبرية لم تدم ولن تدوم طويلا· وعدها التنازلي بدأ جذريا مع الانتفاضة الأولى في العقد الثامن من القرن الماضي، وهي في حقيقة الأمر حرب شوارع وعصابات قام بتنظيمها بشكل عشوائي أطفال فلسطينيون تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشرة، عزل إلا من قطع من الحجارة المتوافرة بكثرة في القرى التي يسكنونها والتي يتم جلبها من مخلفات منازل الفلسطينيين التي يهدمها جيش الاحتلال بالديناميت والجرافات العملاقة· ولأول مرة أيضا في تاريخ الكوكب الأزرق يشن أطفال صغار السن حربا دموية ضد أكبر قوة عسكرية مدرعة ومجنزرة ونووية بالدرجة الأولى في منطقة الشرق الأوسط! وفجأة اكتشف العالم والإعلام العالمي شكلا جديدا للحرب والمقاومة لم تعرفها كتب التاريخ من قبل· واندهش العالم والإعلام العالمي من هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في بيئة غير صحية وعاجزة عن توفير أبسط مستلزمات الحياة اليومية وهم يهزمون خامس أقوى قوة في العالم ومن دون بنادق أو سيوف! فقد التقطت كاميرات الفيديو صور الجنود الإسرائيليين الذين يلبسون لباس الحرب ويحمون أنفسهم بخوذات من الفولاذ وأجهزة اللاسلكي المتطورة والرشاشات آخر تقنية وهم يختفون خلف الحيطان أو يفزعون من رؤية الأطفال أو يهربون كالفئران إلى مدرعاتهم· وبثت قنوات العالم هذه الصور وصور الجيش الإسرائيلي والدبابات الإسرائيلية وهي تحت وابل من الأحجار التي تتساقط عليهم من كل صوب، وهو غير مصدق و(مصفق) لما يحدث· وتخفيفا على الرأي العام الإسرائيلي الداخلي تعمد الإعلام العالمي تسمية تلك الحرب بالانتفاضة! ودخلت كلمة الانتفاضة القواميس الغربية بحروف لاتينية:  Intifada · وهنا تساءل العالم بأكمله عن جدوى السلاح الذي تقوم إسرائيل بتكديسه منذ عام 1948 والذي يهبط عليها كالمن والسلوى من حاميتها الولايات المتحدة الأمريكية؟ بيد أن تلك الانتفاضة غيرت كثيرا من المعتقدات والأفكار التي انتشرت بفضل ذكاء الإعلام الإسرائيلي أو الإعلام الدولي الذي تسيطر عليه رؤوس أموال يهودية، وأسقطت عن إسرائيل أسطورة القوة التي لا تقهر، وقلبت كثيرا من الموازين· ولجأت كثير من المؤسسات إلى دراسة هذه الظاهرة بما فيها من محللين وباحثين ونفسيين وعسكريين· بل إن إسرائيل قدمت الكثير من التنازلات بشرط وقف الانتفاضة لأنها تلقت فيها ضربة لسمعتها كدولة عسكرية لا تقهر!! واستغرب المحللون السياسيون من أن العرب والمسلمين لم يقوموا باستغلال لحظة التفوق تلك· ولم يقوموا تكتيكيا بدعمها لفترة أطول تضعف فيها الكيان اقتصاديا وسياسيا· حتى خفت حدتها وتنفس الإسرائيليون الصعداء واعتقدوا أنهم قضوا عليها تماما· ولكن بعد سنين معدودة انفجرت الانتفاضة الثانية لتصدم السكان الإسرائيليين من جديد· واستخدمت فيها إسرائيل شتى أنواع الأسلحة دون رحمة ورمت كل من هب ودب بالشتائم والاتهامات بالتسبب في إشعال الانتفاضة وعلى رأسهم ياسر عرفات آنذاك· لكن ذلك لم يغير شيئا من تمددها· فقد اكتسب الأطفال خبرة كبيرة جدا في كيفية التعامل مع الحجر، ويبدو أنهم ابتدعوا طرقاً عدة ومختلفة ومتنوعة في كيفية تصويب العدو وفي أساليب الكر والفر وتنظيم أنفسهم في مجموعات وفرق وطابور حماية وتشتيت العدو وغيرها من أساليب الحرب المعقدة··· وهذا يدل على أنهم قضوا ليالي طويلة في دراسة ومن ثم وضع تكتيك جديد لم يكن ليعرفه الجيش الإسرائيلي في مثل هذه الحالات من الصدام·

وأضافت الانتفاضة الثانية تأكيدا آخر على مدى هشاشة النظام العسكري الإسرائيلي· ولم يكن أمام القادة العسكريين الإسرائيليين إلا التعتيم الإخباري على تلك المعركة الثانية، ومحاولة استخدام مقص الرقيب على جميع الصور التي يتم التقاطها بل ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال تصويب قناصيها على المراسلين الصحافيين بدلا من عدوهم التاريخي·

وفي الانتفاضتين أصبح العالم بكل دياناته وأجناسه وألوانه متضامنا مع هؤلاء الأطفال الشجعان وامتد إعجابهم بهم ليصبح إعجابا بالإنسان الفلسطيني بشكل عام، ودفعهم الفضول إلى قراءة التاريخ الفلسطيني ليكتشف أنهم شعب عادي جدا وليسوا إرهابيين كما قرؤوه من قبل، وأن هذا الشعب تعرض على مدى 60  سنة متتالية للتصفية العرقية والمجازر الجماعية وسلب ونهب أراضيه والاحتلال والتشريد وتزييف الوقائع كل ذلك على يد الشعب اليهودي وتعرض لكثير من المحاولات لطمس ثقافته وآثاره وكتم نفسه، وأنه شعب خسر الكثير في فترة زمنية قصيرة جدا وكل ذلك دفعه إلى اللجوء إلى الانتفاضة كحل أخير للتعبير عن دفاعه عن حقه في الوجود أمام صمت العالم ودعم الدول الكبرى المتقدمة المطلق بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية للكيان اليهودي في فلسطين· وجر ذلك طرح تساؤل خطير حول كيفية قيام دولة اليهود في فلسطين ومدى مصداقيتهم كشعب ديمقراطي مسالم طيب مظلوم تعرض للهولوكوست على يد النازيين؟ فكيف يمارس هذا الشعب الضحية أساليب القاتل نفسها؟

هذا الزخم الذي قدمته الانتفاضة الأولى والثانية دفع مجموعة صغيرة من أحزاب المسلمين والعرب إلى إعادة دراسة فهم التكوين النفسي الإسرائيلي وإلى إعادة حساباتهم مع عدوهم اللدود، بينما فضلت مجموعات أخرى في سباتها أو ذعرها من قوة إسرائيل التي سيطرت على هواجسهم الداخلية أو خوفا على عروشها أو مصالحها من تقديم التنازلات تلو التنازلات·· ثم جاءت بعد بضع سنين الضربة الثانية التي هزت سمعة إسرائيل من الناحية العسكرية والوجودية: حرب لبنان· وبينما استطاعت إسرائيل في الانتفاضتين الأولى والثانية مواراة خسائرها المعنوية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية حتى على اليهود أنفسهم، إلا أنها في حرب لبنان كان من الصعب جدا عليها أن تواري سوءة تلك الهزات الداخلية التي أصابت العمق الإسرائيلي في الصميم· وعرفت واعترفت إسرائيل وساساتها ورجالاتها وسكانها بأنها أمام ظاهرة جديدة لا قبل لها بها وأمام مرحلة خطيرة وظاهرة متطورة قد تؤدي بها إلى نهايتها المحتومة· وتوصلوا إلى أن حزب الله في لبنان ليس إلا امتدادا آخر لمعارك أطفال الحجارة· وأن مقاومي حزب الله في لبنان قد استفادوا كثيرا من دروس وعبر الانتفاضتين في فلسطين· وأن إسرائيل عاجزة تماما بكل ما تملك من وسائل القتل والتدمير وأسلحة الدفاع والهجوم من إيقاف المرحلة القادمة· وهي مرحلة العد التنازلي للهبوط الذي لا يعرف إلا الله مستقره· وأسوأ ما اكتشفته إسرائيل والشعب الإسرائيلي الذي بدأ فيما يبدو يستمع إلى ما يهمس به عنه و يقرأ ما يكتب حوله بمرارة هذه المرة هو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت إسرائيل على مدى تلك السنوات الطويلة كأداة لضمان مصالحها في منطقة الشرق الأوسط لاستمرار تدفق النفظ إلى خزاناتها العملاقة المدفونة تحت مساحات شاسعة من أراضي الولايات المتحدة الأمريكية!

وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الضامن الأول والأخير لبقاء دولة إسرائيل حتى يومنا هذا، فإن هزيمتها في العراق وهزيمة إسرائيل في لبنان قد غيرت الكثير من مجريات الأمور ومن خطط الدولتين· وأول الغيث كان بداية ثورة الشعب الأمريكي قبل أيام على الحزب الجمهوري الحاكم برئاسة جورج بوش الابن الذي يدير بلده بيد من حديد وورط الجيش الأمريكي في فخ العراق وأفغانستان على بعد عشرات آلاف الأميال من حدودهم ليخرجه مهزوما شر هزيمة ليضيف إليها بفضائح أخلاقية ومادية· ويبدو أن الشعب الأمريكي بدأ (يقرف) من ساسته ويطالب بصرف إيرادات الضرائب التي يدفعها سنويا، على الشعب الأمريكي في الداخل بدلا من هدرها في الخارج على الحروب الخاسرة أو في الصرف على دولة إسرائيل التي تقتل أطفال لبنان وفلسطين· فهذا الشعب وشعوب العالم تقرأ وهي تقرأ بأنه ولأول مرة يجتمع مجلس الأمن لبحث جرائم الحرب الإسرائيلية  في غزة وقبله بشهور اجتمع لبحث الجرائم نفسها ضد الإنسانية في لبنان وكلها جرائم بحق الأطفال والنساء والشيوخ وكلها بدعم وبأموال وأسلحة أمريكية الصنع: وهكذا بدأت تسقط ورقة التوت التي طالما اختبأت إسرائيل خلفها···

إن وصول الديمقراطيين إلى الكونغرس بعد غياب طال12  عاما لم يكن اعتباطا· وبذلك تكون الانتفاضة الأولى والثانية في فلسطين ومقاومي حزب الله في لبنان والمقاومة العراقية في العراق تعمل على خط واحد ومن مواقع متفرقة على تغيير موازين القوى في العالم!

وهذا ما لم يكن ليتوقعه أحد في يوم من الأيام!

 dralaboodi@gmail.com

�����
   
�������   ������ �����
بين العصر الحجري والعصر الدموي
الحكيم الصيني وسوبرمان وغونو
يبدو أن الموضوع أصبح جديا
نحن لانستحق صفة الإنسانية
عندما غضبت سيغولين رويال
بين الأحد الماضي والأحد القادم: حظنا العاثر!
هيكل ولكن بضخامة جبل
حيلة كليوباترا...
الأدوار الجديدة.. من الداخل
تسمم صحافي!!
ماذا اكتشفت ناسا؟
الإعلام والضمير المباع بالدولارات
بيني وبين ذلك الفرنسي...
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى
المنطقة والقادم... ماذا ننتظر؟
من سيمسك بالعصا من وسطها؟
المحاكمة...الظالمة
الموت بالجملة والمفرق
وماذا بعد نهر الليطاني؟
  Next Page

لن يمس الدستور:
د.عبدالمحسن يوسف جمال
مليارات الفساد العراقية:
سعاد المعجل
إلا الدستور:
المحامي بسام عبدالرحمن العسعوسي
التفكير النقدي
طريق الخلاص:
فهد راشد المطيري
هذي الكويت:
على محمود خاجه
المصمصة أو الخصخصة:
المهندس محمد فهد الظفيري
معاً من أجل نصر الدستور:
محمد جوهر حيات
البدون يتحدثون:
المحامي نايف بدر العتيبي
المشاركة....
هي الوطنية!!:
د. محمد عبدالله المطوع
system of america:
راشد الرتيبان*
التجربة الحزبية بين الواقع والخيال:
محيي عامر
كان يا مكان:
يوسف الكندري
مجازر المواقف الدولية:
عبدالله عيسى الموسوي
هؤلاء الذين غيروا موازين القوى:
الدكتور محمد سلمان العبودي
حكومة إسماعيل..!:
صلاح مضف المضف